شبح أزمة دستورية وتشكيك في النتائج.. هل تملك المحكمة العليا سلطة الحسم؟

تتجه النتيجة النهائية للانتخابات الرئاسية الأمريكية نحو معركة قضائية ممتدة على الأرجح لن تحسمها سوى المحكمة العليا، فهل يمكن أن يأتي قرار المحكمة لصالح الرئيس دونالد ترامب حتى لو كان متأخراً في التصويت الشعبي؟

هل هذا ما تحدث عنه ترامب مبكراً؟

بعد وفاة القاضية روث بادر غينسبورغ في سبتمبر/أيلول الماضي، سارع ترامب بترشيح القاضية إيمي كوني باريت لتشغل المقعد الشاغر في المحكمة العليا، وهو ما تم بالفعل رغم مقاطعة النواب الديمقراطيون في مجلس الشيوخ جلسة التصويت على تعيينها.

التصويت بالبريد
التصويت بالبريد / IStock

وفي ذلك الوقت المبكر قال ترامب إن تعيين بديل لغينسبورغ أمر حتمي؛ لأن “نتيجة الانتخابات على الأرجح ستصل إلى المحكمة العليا لتقرر فيها”، وكان ذلك الحديث في وقت مبكر مؤشراً على ما آلت إليه الأمور بالفعل بعد انتهاء التصويت وبدء عملية الفرز.

فقد أعلن ترامب صباح اليوم الأربعاء 4 نوفمبر/تشرين الثاني أنه فاز بالفعل بالانتخابات وأن الديمقراطيين يريدون سرقة الرئاسة، مطالباً بوقف فرز الأصوات المتبقية، وهذه أول مرة يشكك رئيس أمريكي في نزاهة العملية الانتخابية في البلاد، كما أن ترامب أكد أنه سيلجأ إلى المحكمة العليا لوقف فرز الأصوات بعد ليلة الانتخابات 3 نوفمبر/تشرين الثاني.

ماذا قالت المحكمة العليا عن فرز الأصوات؟

أصدرت المحكمة العليا بالفعل قرارين بشأن الانتخابات الحالية، كان أولها يخصّ ولاية بنسلفانيا يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث قررت السماح باستقبال بطاقات الاقتراع المرسلة عبر البريد إلى ما بعد يوم الانتخابات (3 نوفمبر/تشرين الثاني)، وهو ما سبب صدمة للجمهوريين في الولاية الذين سعوا لوقف استقبال بطاقات الاقتراع بمجرد انتهاء يوم التصويت.

ترامب عزز هيمنة المحافظين على المحكمة العليا الأمريكية/ رويترز

وفي تعليقهم على ذلك الحكم، كان هناك إجماع من المحللين القانونيين على أنها قد تكون المرة الأخيرة التي ينحاز فيها رئيس المحكمة العليا القاضي جون روبرتس للقضاة الليبراليين في المحكمة (عددهم 3 فقط بعد وفاة غينسبورغ) كما فعل فيها في الحكم الخاص ببنسلفانيا، وذلك بعد اكتمال عدد القضاة بتأكيد باريت وهو ما حدث بالفعل بعد ذلك بأيام قليلة.

لكن المحكمة العليا أصدرت حكماً آخر في نفس النقطة يمنع استقبال وفرز الأصوات المرسلة عبر البريد بعد يوم الانتخابات وهذه المرة الحكم يخص ولاية ويسكنسون، وكان ذلك يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول وقبل ساعات فقط من تأكيد تعيين باريت، وانحاز القاضي روبرتس للقضاة الأربعة المحافظين ليصدر القرار بـ5 أصوات مقابل 3 فقط.

ماذا يعني ذلك بالنسبة للنتائج في الولايات المتأرجحة؟

اللافت هنا أن ولايتي بنسلفانيا وويسكنسون من الولايات التي لم تحسم فيها نتائج الانتخابات الرئاسية بعد، وإن كان ترامب أعلن فوزه فيهما بالفعل، حيث أعلن مسؤولو الانتخابات في الولايتين أن فرز الأصوات قد لا ينتهي قبل صباح الخميس 5 نوفمبر/تشرين الثاني، فماذا يعني ذلك؟

سيلجأ الفريق القانوني لترامب إلى المحكمة العليا سعياً للحكم باستبعاد وإبطال الأصوات التي تم فرزها في الولايتين بعد انتهاء ليلة الانتخابات، في حال كانت النتيجة النهائية هي فوز بايدن، ويتوقع كثير من المراقبين الآن حدوث أزمة دستورية خصوصاً في ولاية بنسلفانيا، في ظل قرار من المحكمة العليا بالفعل يسمح بتلقي بطاقات الاقتراع بعد يوم الانتخابات.

istock الانتخابات

والمتوقع ألا تتوقف الدعاوى القضائية على تلك الولايتين فقط، بل ستمتد الدعاوى إلى جميع الولايات المتأرجحة والتي اعتمدت التصويت عبر البريد بصورة كبيرة، وقد تصدر أحكام بإعادة فرز الأصوات أو استبعاد أصوات تم فرزها بعد يوم الانتخابات، وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى تأخير حسم نتيجة الانتخابات.

هل تعيش أمريكا سيناريو 2000 مرة أخرى؟

المقصود هنا هو ذلك السباق الانتخابي الذي امتد وظل معلقاً بين المرشح الجمهوري جورج بوش الابن ومنافسه الديمقراطي ألبرت جور، وصدور أحكام قضائية متعددة تتعلق بفرز الأصوات في ولاية فلوريدا، وصولاً إلى المحكمة العليا التي أصدرت قراراً وقتها بوقف عملية فرز الأصوات في الولاية وحسمت النتيجة لصالح جورج بوش الابن الذي فاز بالفعل بالرئاسة، وكان ذلك بعد يوم الانتخابات بما يقرب من شهرين.

سيناريوهات فوضوية قد تحدث في حالة وقوع نزاع على نتائج الانتخابات الأمريكية، عربي بوست

لكن في ظل الاستقطاب الحاد هذه المرة، فإن هناك خطورة بالغة من تكرار هذا السيناريو وتداعيات ذلك على الأوضاع الأمنية في البلاد التي تشهد بالفعل احتجاجات عنيفة ضد التمييز العنصري منذ مقتل جورج فلويد أواخر مايو/أيار الماضي وتشكل حركة “حياة السود مهمة” في مقابل ميليشيات اليمين المتطرف الداعمة لترامب والغير مستعدة للتسليم بخسارته.

لماذا يبدو ترامب واثقاً من المحكمة العليا؟

تعتبر المحكمة العليا أعلى هيئة قضائية في الولايات المتحدة وتتكون من 9 قضاة، أحدهم رئيس والثمانية أعضاء، وحالياً يرأس المحكمة القاضي جون روبرتس، الذي عيّنه الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن قبل أكثر من 14 عاماً.

ويتم التعيين في المحكمة العليا من جانب الرئيس الأمريكي، الذي يقدم مرشحاً لمنصب قاضٍ في المحكمة حال خلو المنصب، ولا يخلو المنصب إلا بالوفاة أو الاستقالة أو التقاعد أو الإدانة القضائية النهائية، حيث يظل قضاة المحكمة العليا في مناصبهم مدى الحياة، ولا يمكن للرئيس أو غيره إقالتهم تحت أي ظرف من الظروف.

تعتبر جينسبرج من رموز المدافعين عن حقوق المرأة، ومن أيقونات الليبراليين الأمريكيين/ رويترز

وكانت غينسبورغ، التي توفيت 18 سبتمبر/أيلول الماضي، تمثل الصوت التقدمي الليبرالي الأبرز بين قضاة المحكمة، وتعتبر أيقونة حقوق المرأة، وكانت ثاني امرأة يتم تعيينها في المنصب، وذلك قبل أكثر من 27 عاماً، والذي رشحها للمنصب كان الرئيس الديمقراطي الأسبق بيل كلينتون، وبالتالي فإن توقيت وفاتها عن عمر يناهز 87 عاماً قد أثار على الفور اشتباكات بين الحزبين بشأن تعيين بديل لها.

وبتعيين باريت أصبحت الأغلبية المطلقة في المحكمة للقضاة اليمينيين المحافظين أو بمعنى أكثر دقة للجمهوريين، فهناك الآن 5 قضاة منهم مقابل 3 قضاة ليبراليين يساريين بخلاف روبرتس رئيس المحكمة الذي قد لا يدلي بصوته إلا في حالة تعادل الأصوات.

وهذا هو سبب تلك المعركة الحامية التي شهدها تعيين كوني باريت مرشحة ترامب للمنصب، وهو أيضاً ما يجعل ترامب مطمئناً إلى أن قرار المحكمة على الأرجح سيصبُّ في صالحه في كل الأحوال، خصوصاً أن السابقة الوحيدة للمحكمة في السباق الانتخابي أي معركة 2000 جاءت بالفعل لصالح الجمهوريين.

هل تؤثر ميول القضاة على أحكامهم؟

القاضي بشكل عام يصدر أحكامه بناءً على مواد القانون والأدلة والأوراق التي يقدمها طرفا الدعوى ليثبت من خلالها كل طرف وجهة نظره، هذا بشكل عام في الدعاوى المدنية أو الجنائية، لكن المحكمة العليا تصدر بالأساس في قضايا تتعلق بالدستور والحقوق وتخضع إلى حد كبير لتفسير القضاة أنفسهم لتلك الحقوق.

مرشحة ترامب للمحكمة العليا، القاضية إيمي كوني باريت/ رويترز

وبالنظر إلى الحكمين اللذين صدرا بالفعل عن المحكمة في هذه الانتخابات بشأن مدى دستورية استقبال الأصوات المرسلة عبر البريد بعد يوم الانتخابات، نجد أن القرار في ولاية بنسلفانيا جاء بالقبول بينما في ويسكنسون بالرفض، وهو ما يعني عدم وجود نصوص ثابتة يمكن الرجوع إليها والحكم من خلالها.

كما أن الظروف المحيطة بالانتخابات هذه المرة تشهد استثناءات غير مسبوقة فرضتها جائحة كورونا وانعكست في الإقبال القياسي على التصويت عبر البريد والتصويت المبكر بشكل عام وهو ما نتج عنه أكثر من 600 دعوى قضائية رفعها الجمهوريون والديمقراطيون بالفعل شملت جميع خطوات العملية الانتخابية في أغلب الولايات من تسجيل الناخبين إلى الأوراق المطلوبة لإثبات الهوية وصولاً إلى الفرز وتوقيتات إعلان النتائج وما بينها.

كل هذه المعطيات تشير إلى أن قرارات المحكمة العليا فيما يخصّ نتائج الانتخابات الحالية لا يمكن توقعها سواء من حيث النتيجة لصالح ترامب أو بايدن أو من حيث توقيت إصدار القرار النهائي، وهو ما يعني احتمال دخول البلاد في أزمة دستورية غير مسبوقة، وربما يأتي يوم 20 يناير/كانون الثاني المقبل -يوم تنصيب الرئيس الجديد- دون أن تكون هناك نتيجة نهائية، وهو ما يعني أن رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي قد تتولى الرئاسة بحسب نص الدستور، لكن ذلك معلقاً بما قد تسفر عنه الأيام والأسابيع المقبلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى