آخر الأخبارأخبار عالمية

شهادات جنود: الجيش الإسرائيلي ينفذ تدميرًا ممنهجًا لإقامة منطقة عازلة في قطاع غزة

أفاد تقرير جديد صادر عن منظمة “يكسرون الصمت” الإسرائيلية، اليوم الإثنين، استنادًا إلى شهادات جنود خدموا في قطاع غزة خلال الحرب الجارية، بأن الجيش الإسرائيلي ينفذ بشكل منهجي عمليات تدمير شاملة وواسعة النطاق في المناطق الحدودية من القطاع، بهدف إقامة منطقة عازلة تُعرف باسم “البرميتر” (المحيط)، تمتد إلى عمق كيلومتر أو أكثر داخل الأراضي الفلسطينية.

وأشارت شهادات وردت في التقرير إلى أن القوات الإسرائيلية تلقّت تعليمات مباشرة بتنفيذ عمليات تدمير شاملة في المناطق القريبة من الحدود، بهدف إزالة جميع المباني والمنشآت وتحويل المنطقة إلى “أرض مسطحة بالكامل”، بحسب تعبير أحد الجنود.

وقالت المنظمة “ظلت هذه العملية، مع الإجراءات اللازمة لتنفيذها، والمخاطر التي تنطوي عليها، وتداعياتها، والتكاليف المترتبة عليها – طي الكتمان إلى حد كبير. من خلال التدمير المتعمد والواسع النطاق، مهد الجيش الطريق للسيطرة الإسرائيلية المستقبلية على المنطقة”.

وتابعت “وكان من أهم عناصر هذه السيطرة إنشاء منطقة عازلة جديدة تفصل غزة عن إسرائيل، والتي أطلق عليها الجنود ببساطة اسم المحيط”. وأشارت إلى وجود شهادات لجنود وضباط شاركوا في إنشاء “البرميتر” وتحويله إلى منطقة دمار شامل.

وقال جندي خدم في شمال قطاع غزة، إن “المهمة كانت القضاء على كل ما هو قائم: منازل، مزارع، أشجار زيتون، حقول باذنجان”، مشيرًا إلى أن دبابات وآليات هندسية مثل D9 استخدمت لتمشيط الأرض وتسويتها.

وفي شهادات أخرى، أشار جنود وضباط خدموا في شمال القطاع وجنوبه إلى أن العمليات كانت تنفذ وفق تخطيط دقيق، جرى فيه تقسيم المناطق إلى قطاعات محددة، تُسند إلى وحدات مختلفة، بحيث يُطلب من كل فرقة تدمير عدد محدد من المباني يوميًا.

وبحسب إحدى الشهادات، كانت المهمة تقتضي تدمير “ما بين خمس إلى سبع منازل في اليوم لكل وحدة، تصل أحيانًا إلى خمسين مبنى أسبوعيًا، بحسب توفّر الذخيرة والمتفجرات”، في تدمير شامل وممنهج للمنطق الحدودية للقطاع.

وتحدث عدد من الجنود عن عمليات قصف مدفعي مكثفة، أُطلقت خلالها عشرات القذائف في مهمات نارية مكثفة ومتواصلة بحيث استمرت أحيانًا لنحو نصف يوم، بهدف “التجريف الميداني”، كما وصفها أحد الجنود.

وقال جندي إن مهمته كانت تقتضي إطلاق ما يقارب 12 قذيفة خلال عملية واحدة، في إطار ما يُعرف بمهمة تسوية الأرض، مشيرًا إلى أن “كل من يقترب من الموقع بعد إخلائه يُعتبر مشبوهًا ويُستهدف على الفور”.

كما أشار ضابط في الاحتياط إلى أن “الحدود أُعيد تعريفها فعليًا كمنطقة إبادة”، قائلاً إن “أي شخص يتجاوز خطًا افتراضيًا حدده الجيش مسبقًا يُعتبر تهديدًا، ويُمنح الجنود حرية التصرف بإطلاق النار”. وأضاف “لم تكن هناك أوامر إطلاق نار واضحة، بل مساحة من حرية التقدير الميداني لدى قادة الوحدات. من يتجاوز الخط، يُعامل كخطر يُراد القضاء عليه”.

إطلاق النار لمنع اقتراب المدنيين من المناطق العازلة

وتُظهر الشهادات أن الأوامر العسكرية التي تلقّاها الجنود كانت واضحة بشأن التعامل مع أي شخص يقترب من “منطقة البرميتر”. ووفق شهادة أحد الضباط، فإن التعليمات كانت “بقتل أي رجل بالغ يظهر داخل المنطقة، أما النساء والأطفال فكانت تطلق تجاههم نيران تخويف”، مع تأكيده على أن “من يتقدم أكثر يُعتبر تهديدًا يُسمح التعامل معه بالنار القاتلة”.

وأشار جندي آخر إلى أن الجيش أنشأ فعليًا خطًا يُمنع تجاوزه، وكل من يخطوه يُعتبر هدفًا. وتحدثت شهادات أخرى عن توسيع متعمد لـ”منطقة البرميتر”، التي كانت تمتد سابقًا حتى 300 متر من الحدود، لتصل اليوم إلى ما بين 800 و1500 متر داخل قطاع غزة.

وأفاد تقرير “يكسرون الصمت” بأن هذه المساحة التي تمتد من شمالي قطاع غزة شمالا إلى المنطقة الحدودية مع مصر جنوبا، أصبحت تُعامل كمجال ناري مفتوح يُمنع على المدنيين التواجد فيه، وتُسوّى أرضه بالكامل بالآليات الهندسية والدبابات.

منطقة إبادة دائمة: تسوية البيوت، الحقول… حتى المقابر

وتظهر الإفادات أن الهدف من تدمير المناطق الواقعة قرب السياج الحدودي لا يقتصر فقط على العمليات الجارية، بل يمتد إلى خلق واقع جديد دائم يمنع أي إمكانية لإعادة استخدام هذه المناطق.

وبحسب أحد الضباط، فإن الهدف كان “إعداد الأرض بحيث تكون خالية تمامًا من أي مبانٍ أو بنى تحتية، لضمان حرية حركة القوات، وتأمين رؤية واضحة لإطلاق النار والمراقبة”.

وقال أحد الجنود إن الأوامر كانت تقضي بـ”تسوية كل ما هو موجود حتى لا يبقى سوى أكوام من الركام”، موضحًا أن وحدات الهندسة استخدمت الجرافات الثقيلة والمتفجرات لتسوية المباني حتى الأساس، بما في ذلك البيوت، الحقول، المعامل، منشآت البنية التحتية، وحتى المقابر، بهدف خلق “شريط أمني مفرغ” يصل عمقه إلى كيلومتر ونصف، ويمنع دخول المدنيين الفلسطينيين إليه بشكل تام.

ووفقا للشهادات، فإن العمليات لم تقتصر على تدمير أهداف عسكرية مفترضة، بل امتدت لتشمل أحياء سكنية كاملة، مدارس، مساجد، مقابر، منشآت صناعية وزراعية، دون تمييز بين ما هو مدني وما يُشتبه بصلته بالمقاومة.

وقال أحد الجنود إن أوامر التدمير كانت “شاملة ومنهجية”، وأن كل ما كان قائمًا في نطاق “البرميتر” أُزيل بالكامل “حتى لم يبقَ سوى ركام واسع شبيه بمدينة مدمّرة كليًا”، وفق تعبيره.

وشككت بعض الشهادات في مشروعية هذه العمليات، مشيرة إلى أن التعليمات جرت من دون أوامر إطلاق نار واضحة أو معايير محاسبة داخلية، في ظل تعريف الجيش الإسرائيلي للمنطقة العازلة باعتبارها “منطقة موت” يُسمح فيها بقتل أي من يتجاوزها.

وصرّح أحد الضباط: “كل من عبر هذا الخط الافتراضي عُدّ تهديدًا، وحُكم عليه بالموت دون نقاش”. وأضاف آخر: “أطلقنا النار لمجرد أن شخصًا اقترب. في بعض الحالات، كان هؤلاء أشخاصًا جائعين جاءوا لقطف نبات الخبيزة، لكنهم استُهدفوا بدعوى أنهم يختبئون أو يشكّلون خطرًا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى