“صارت حياتنا جحيماً الآن”.. أطباء أمريكا المذعورون بسبب كورونا يتلقون صفعة أخرى بخفض أجورهم
بينما يتواجدون في الصفوف الأمامية في مواجهة جائحة فيروس كورونا التي أودت بحياة أكثر من 21 ألف شخص في أمريكا، أُبلغ الأطباء في جميع أنحاء الولايات المتحدة بأن أجورهم سوف تُخفض في ذروة حالة الطوارئ الصحية التي تسبب فيها فيروس كورونا، وفق ما ذكره تقرير شبكة Fox News الأمريكية الإثنين 13 أبريل/نيسان 2020.
كان جميع الأطباء الذين تحدثت إليهم شبكة Fox News خائفين من الحديث ضد أصحاب العمل خشية أن يفقدوا وظائفهم، لذا وافقت الشبكة على عدم نشر أسمائهم كي يرووا قصصهم التي لم تكن معروفة من قبل.
مأساة كورونا وجحيم الأجور: قالت طبيبة طوارئ في لوس أنجلوس علمت للتو أن أجرها سوف يخفض بما لا يقل عن 25%: “بكل صراحة، صارت حياتي جحيماً الآن”. إذ شهدت الطبيبة، فعلياً إصابة اثنين من زملائها بالفيروس. إذ إن شح أطقم الوقاية في العمل لا يزال في وضع سيئ للغاية، لدرجة أنها ترتدي أقنعة N-95 التي عثرت عليها في موقع Craigslist للإعلانات.
تعزل الطبيبة نفسها عن عائلتها خوفاً من أن تنقل العدوى إلى ذويها، وهي الآن لن تستطيع على الأرجح الوفاء بالمدفوعات الشهرية البالغة 4000 دولار، التي تتعلق بقرضها الطلابي الذي حصلت عليه للتخرج من كلية الطب.
في حديثها إلى شبكة Fox News، قالت الطبيبة: “عندما يُبتعث الجيش إلى منطقة حرب، يحصلون على بدل مخاطر مقابل ذلك. إننا نتحمل هذه المخاطرة. وإذا لم تكن ستمنحنا بدل مخاطر، فعلى الأقل لا تخفض أجورنا. لا تعطينا أجراً أقل مقابل تحمل مخاطرة أكبر. فالأمر فعلياً لا يبدو منطقياً وحسب”.
ديون تثقل كاهل الأطباء: ينحدر أطباء الطوارئ والرعاية العاجلة الذين أجروا المقابلات من خمس ولايات مختلفة، وتراوحت رواتبهم بين 215 ألفاً و260 ألف دولار سنوياً، قبل خفض الأجور.
بالرغم من أن مستوى دخولهم أعلى من متوسط الدخل القومي، قال الأطباء إنهم يعيشون حياة متواضعة نسبياً. إذ قال أحد الأطباء: “أعيش في شقة ذات غرفة نوم واحدة، وأقود سيارة هوندا”.
يشكل خفض الأجور صعوبة خاصة نظراً إلى أن الأطباء تخرجوا من كليات الطب وعلى كواهلهم دين كبير عليهم سداده -إذ تتراوح القروض الطلابية بين 225 ألفاً و 420 ألف دولار- ويكون لديهم ميزانية محدودة من أجل الوفاء بمدفوعات الدين الشهرية المرتفعة جداً.
روح معنوية متدنية: بدت الروح المعنوية للأطباء منخفضة بالفعل، ووصل القلق إلى مستوى مرتفع للغاية في بعض الأماكن التي تعد نقاطاً ساخنة لمرض كوفيد-19، نظراً إلى أن الأطباء استشعروا نقص الإمدادات وعدم الأمان في وظائفهم، وذلك بحسب ما قاله بعض الأطباء. لذا فإن توقيت الإعلان عن خفض الأجور أغضب على وجه الخصوص الأطباء ممن هم في الخطوط الأمامية لمواجهة الفيروس.
قالت طبيبة طوارئ في نيويورك خُفض أجرها فعلياً بنسبة 10% وتتوقع مزيداً من الخفض: “تلقينا ركلة بينما نحن في الحضيض”.
تدفع الطبيبة 4 آلاف دولار شهرياً لسداد قرضها الطلابي إضافة إلى مدفوعات الرهن العقاري. وقالت إن طاقم العمل في المستشفى الذي تعمل فيه “مذعورون” في أعمالهم اليومية بينما يعالجون مرضى كوفيد-19 بدون معدات الوقاية الشخصية المناسبة.
إذ قالت في حديثها إلى شبكة Fox News: “في كل أسبوع، عندما تعود إلى المناوبة الخاصة بك، لا تنتظر إلا أن تصيبك الحمى.. لذا فإن الضغط يلتهمك حياً. ثم يخبرونك أن قيمتك لا تساوي ما كنت تفعله، في الوقت الذي تبذل فيه مجهوداً أكبر. إنه أمر محبط نوعاً ما فحسب”.
على جانب آخر، قال الطبيب الذي يعيش في شقة ذات غرفة نوم واحدة: “الجميع يظنون أن الأطباء أثرياء، لكن أغلبنا ليس كذلك”.
بينما صارت وظائفهم أخطر وأشد إجهاداً من ذي قبل، يقول الأطباء إن الضربة التي تلقوها في دخولهم زعزعتهم في ظل مشاعر القلق التي تنتابهم الآن من الناحية المالية. وأعرب الأطباء الذين أجروا مقابلات مع شبكة Fox News عن شكوكهم في قدرتهم على تحمل مدفوعات القرض الطلابي وتكاليف الإسكان الباهظة، بينما تخلى آخرون عن أي مصروفات غير ضرورية، مثل خطط معاشات التقاعد ومدخرات تعليم الأطفال.
وظائف تطوعية: تأتي هذه الصفعة المالية في وقت قال الأطباء خلاله إنهم يستشعرون أن سنوات تعليمهم وممارستهم العملية يُبخس حقها، ولا سيما في ظل النمو السريع في أعداد الممرضين المتمرسين الذين يكون تعيينهم في المستشفيات أرخص من الأطباء.
قال طبيب من تكساس: “الروح المعنوية منخفضة للغاية. لا أشعر أنني أحظى بالاحترام على الإطلاق. أشعر أن الجمهور يقدر الممرضين والممرضات أكثر من الأطباء والطبيبات في هذه البلاد. أظنهم يعتقدون أن أيما تكون المعرفة التي لدي في عقلي، فهم قادرون على الحصول عليها من جوجل”.
ما يزيد الأمر سوءاً أن أطباء نيويورك طُلب منهم ترك وظائفهم ليلتحقوا بـ “وظائف تطوعية غير مدفوعة الأجر” في المستشفيات التي تعد نقاطاً ساخنة لمرض كوفيد-19، مثلما حدث في مستشفى إلم هرست في كوينز، ومستشفى لينكولن في ذا برونكس، ومستشفى وودهول في بروكلين، وذلك بحسب ما ورد في بريد إلكتروني مرسل من مؤسسة الصحة والمستشفيات في مدينة نيويورك اطلعت عليه شبكة Fox News.
لكن ماذا عن الممرضين؟ في غضون ذلك، يجري تعيين الممرضين والممرضات في مركز تفشي فيروس كورونا مع تقديم عروض مغرية تصل إلى 10 آلاف دولار أسبوعياً، إضافة إلى بدلات السفر والطعام والإقامة، بحسب إعلان على موقع فيسبوك نشره متعهد توظيف أطقم التمريض لصالح مؤسسة الصحة والمستشفيات في مدينة نيويورك.
تجدر الإشارة إلى أن هيكل الأجور الخاص بالأطباء يعد معقداً. إذ يمكن أن توظف المنشآت الطبية الأطباء مباشرة أو عن طريق وكالات متعاقدة. يمكن أن يحصل الأطباء على رواتب ثابتة، غير أن نسبة كبيرة من الأطباء الذين أجرت الشبكة معهم مقابلات كانوا يتلقون أجورهم إما بحسب عدد الساعات أو عن طريق ما تعرف بـ”وحدات القيمة النسبية (RVU)”، أو مزيج منهما.
تعد وحدات القيمة النسبية طريقة غير مثالية لحساب إنتاجية الأطباء. فكلما يزيد عدد المرضى الذين يفحصهم الأطباء، تزيد وحدات القيمة النسبية التي يحققونها. وكلما يحققون مزيداً من وحدات القيمة النسبية، يكسبون مزيداً من المال.
غير أن الحالات المصابة بفيروس كورونا تتطلب عملاً أكثر ووقتاً أطول، لا سيما في ظل الجهد المبذول لارتداء أطقم الحماية وخلعها بطريقة ملائمة بعد رعاية كل مريض.
قال طبيب طوارئ من ولاية فرجينيا، خُفض أجره بنحو 15% في صورة خفض ساعات عمله ووحدات القيمة النسبية التي يحققها: “أستطيع على الأرجح رعاية 5 إلى 10 حالات خلع أصابع في كمية الوقت نفسها التي تستغرقها رعاية مريض واحد مصاب بمرض كوفيد”.
في ظل سريان أوامر البقاء بالمنزل، صارت الحالات في غرفة الطوارئ التي يعمل بها أقل. لكن المرضى الذين يزورونه تكون حالاتهم أشد. ومع ذلك، فإن هيكل الأجور الحالي لا يكافئ الأطباء على العمل الأصعب الذي يؤدونه؛ بل ما يحدث هو العكس، وذلك حسبما قال هذا الطبيب.