آخر الأخبارتحليلات و آراء

صدقية حماس .. بين أبو مرزوق والسنوار

سليم يونس

نفى موسى أبو مرزوق عضو المكتب السياسي مسؤول مكتب العلاقات الدولية لحركة حماس رئيس حماس السابق ، السبت 15 أبريل، أن تكون الحركة “جزءا من أي محور سياسي أو عسكري”.

وأضاف: “نحن حركة مقاومة إسلامية، ونسعى لعلاقات مع كل القوى الحية في المنطقة والعالم، وليس لنا عداء مع أي مكون، سوى العدو الصهيوني”. وهو بذلك يرد على بعض قيادات حركته وعلى يحيى السنوار قائد حماس بغزة، بعد أن أشاد في خطابه يوم الجمعة الماضي بإيران بشكل كبير.

وهذا الموقف المغاير هو ربما يعبر عن توزيع للأدوار بين مسؤولي الحركة في سياق طابعها الانتهازي، حتى وإن بدا أن هناك تناقضا بين قيادات حماس، كون المواقف  المتناقضة ، التي قد تطال صدقيتها الفكرية والسياسية هي من مكونات فكر حماس طالما رأت أنها تخدم مصالح الحركة بصرف النظر عما يراه الآخرون.

لكن نفي أبو مرزوق بالنسبة للمراقبين والمجموع الفلسطيني خارج تنظيم وأنصار حماس، يطرح سؤال مقدار الصدق في خطاب ومواقف حماس الآن وفي كل الأوقات؟ لأن المعطيات كما تشير التجربة، أن التلون السياسي مهما كان صادما هو أحد سمات سلوك حماس رغم ردائها الديني، ولعل السؤال هو: هل يكفي نفي أبو مرزوق العابر لإزالة شكوك بعض العرب وغيرهم من جذرية علاقة  حماس بطهران، وإن كان ليس هناك ما هو بعيد على سلوك حركة الإخوان المسلمين وفرعها الفلسطيني حماس الذي سبق أن باع وتنكر للحركة  الأم بعد ثورة 30 يونيو في مصر خدمة لمصلحتها؟

وهنا تطفوا على السطح علاقة حماس بمفهوم النزاهة بمعناها الفكري والسياسي ، التي يمكن تكثيفها  في صدقية القول والفعل ومطابقة الأقوال للأفعال، وقاربنا ذلك بخطاب حماس الشعبوي الذي يحمل كل تلك الأبعاد المفارقة بمعني فقدانه للنزاهة والصدقية، فيمكن هنا استحضار كمثال( خرجات) يحيى السنوار  زعيم حماس في غزة، الذي  تحدث بمناسبة  يوم القدس الذي سبق أن قرره الخميني بأن محور القدس “أعلن جهوزيته للدفاع عن القدس والأقصى، وأوضح أنّ “شوطاً كبيراً قُطع في مسيرة بناء محور القدس، وهو قريب”، وهو الذي نفاه بشكل قاطع أبو مرزوق، الذي يجب قراءة نفيه كرسالة تودد لبعض الدول العربية وخاصة السعودية في ظل موقف المملكة من حركة الإخوان المسلمين ومن تنظيم حماس الذي كان قد  وضع نفسه في خدمة مشروع إيران على الأقل السياسي وقت أن كان التناقض بين السعودية وإيران في ذروة احتدامه، بأن وصل حد إعلان مسؤول عسكري إيراني  اعتبار أن الجيش الإيراني موجود على حدود فلسطين من خلال حركتي حماس والجهاد الإسلامي، أي التنظيمين الإسلاميين اللذين تمولهما طهران وتتبناهما عسكريا على صعيد التدريب والخبرة ومدهما بالسلاح، وهو ما كانت تراه بعض الدول ترويجا عمليا لمشروع إيران القكري والسياسي في المنطقة.

 وما من شك أن تصريح المسؤول العسكري الإيراني كان يعبر عن جوهر رؤية إيران لطبيعة العلاقة مع حركة حماس ارتباطا بتبني طهران حركتي حماس والجهاد الإسلامي ماليا وعسكريا وسياسيا، يعزز ذلك التبني موقعهما الأيديولوجي كحركتين إسلاميتين، جرى احتوائهما من قبل نظام رجال الدين في إيران، وهذا التبني لا يزكي خطاب أبو مرزوق بقدر  ما يعكس ملامح سلوك حماس في بعده الانتهازي في التعاطي مع القضايا الوطنية، وحذق مسؤوليها في التلون لتبرير مواقفها السياسية بالاتكاء على كونها حركة ربانية كما يقول شيوخها وقادتهاـ  وهذا وحده يكفي لقبول هذا التلون المغطى بعباءة أيديولوجية.

ولا أدل على خطاب حماس الشعبوي البعيد عن المصداقية من خطابي السنوار في مايو 2021  وأبريل 2023 ، فالسنوار الذي أكد  في يوم القدس 14 أبريل 2023 “أن محور القدس يعلن جهوزيته للدفاع عن القدس والأقصى”، كما وجه زعيم حماس في غزة آنذاك رسالة إلى أهالي القدس، أكد فيها  أن قيادة المقاومة ومحور القدس ستؤازرهم وتحميهم، وهي تتابع تفاصيل رباطهم وتراقب سلوك قوات الاحتلال ضدهم كما حدث في الأيام السابقة. كما حذّر من أنّ أيّ أذىً يُصيب المرابطات في الأقصى “سيؤدي إلى سيل دماء كثير” .

هنا ينتهي الاقتباس، لكن  تبقى وعود وتحذيرات السنوار مجرد “كلام”  أي جعجعة بلا طحن، ما لم تترجم إلى فعل، وقد سبق أن جرب أهل القدس والضفة وعد وتعهد السنوار عندما هدد  وتعهد في رمضان  (مايو) 2021  في ذكرى إحياء يوم القدس العالمي في مدينة غزة، وأخلف،مع أنه وقتها كان قد  حذر كما اليوم، وبنفس اللغة والمفردات، من قيام المتدينين اليهود من اقتحام الأقصى في ما يسمى بمسيرة الأعلام ومناسبة نزول التوراة،  بأن حماس سترد على الكيان الصهيوني بـ1111 صاروخ كرشقة أولى من أجل تخليد ذكرى الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، مؤكدا أن هذا الأمر سيكون البداية.

لكن رشقات السنوار وتهديده ووعيده لم يترجم في حينها إلى فعل، مع أن  الصهاينة وقطعان مستوطنيهم نفذوا مسيرة الأعلام ، وعاثوا فسادا في الأقصى والقدس وأهلها ، ولم ترد حماس،  بل إن السنوار ابتلع لسانه ، أي غابت حماس ومحور المقاومة مع تمادي استباحة قطعان المستوطنين للقدس والأقصى بعد  ذلك  فيما سمي بمناسبة نزول توراتهم ، وذهبت وعود وعهود حماس أدراج الرياح مما خلف حالة من الغضب والإحباط لدي أهالي القدس والضفة الذي صدقوا  للأسف أن هناك محور مقاومة وأن حماس ستفي وبوعدها وتنتصر لهم. ولسان حالهم يقول للسنوار لماذا تحذر وتهدد إذا كنت لا تستطيع؟

ومن مفارقات السنوار أيضا في يوم القدس مابو 2021 أنه زف بشري لأهل غزة في خطابه ذلك اليوم، أن حماس كونها سلطة الأمر الواقع في غزة ستبدأ “خلال الفترة القريبة القادمة تشغيل الخط البحري لقطاع غزة، بالتنسيق مع “محور القدس” بهدف كسر الحصار كسرا كاملا، مشيرا إلى أن المشاورات والاستعدادات والتجهيزات تجرى على قدم وساق. لكن بشرى السنوار لأهل غزة بقيت كـ” مواعيد عرقوب” ، بعيدة عن الصدق .. في حين أن المطلوب من حماس أن تتواضع قليلا  وأن لا تعد بما لا تستطيع فالنوايا وحدها لا تصنع واقعا، وإنما الفعل هو العامل الأساس وهو  الذي يتحدث عن نفسه.  ويبدو أن حماس من خلال التجربة لا تجيد ذلك!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى