صراع قضائي يشتعل بين مصر وإيطاليا.. القاهرة ترد على قضية ريجيني بـ”تهريب الآثار”، فمن ينتصر؟
محاكمة غيابية بإيطاليا لمتهمين مصريين بقتل ريجيني
القضية الأولى المعروفة إعلامياً “جوليو ريجيني”، لباحث إيطالي عثر على جثمانه مقتولاً بالقاهرة في فبراير/شباط 2016. وتسبب ذلك في استدعاء إيطاليا سفيرها لدى القاهرة ماوريتسيو مساري بعد شهرين من الواقعة لإجراء مشاورات، قبل أن تسمي روما آخر هو “جامباولو كانتيني”، ليصل القاهرة في سبتمبر/أيلول 2017.
وقاد كانتيني، بالتزامن مع المباحثات بين المدعي العام بمصر وإيطاليا جولات تعزيز ثقة بين البلدين، بلقاءات وتصريحات فصلت بشكل لافت بين ملف ريجيني والعلاقات.
وكان أبرز تصريحاته في 31 يوليو/تموز الماضي، عقب لقاء وزير الصناعة المصرية نيفين جامع، حيث قال كانتيني سفير إيطاليا بالقاهرة، إن العلاقات الثنائية المصرية الإيطالية عميقة وتاريخية خاصة في المجال الإقتصادي.
غير أن قضية ريجيني عادت لتتصدر الواجهة لاسيما في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، حيث أكد النائب العام المصري المستشار حمادة الصاوي، في بيان مشترك مع السلطات الإيطالية، أن الشخص الذي قتل ريجيني لا يزال مجهولاً وجارٍ البحث عنه، وسيُغلق ملف التحقيقات مؤقتاً.
بينما أعلنت نيابة روما “نيتها عرض المشتبه فيهم من أفراد منتمية لأجهزة أمنية بتصرفات فردية منهم، دون صلة بأية جهات أو مؤسسات حكومية مصرية، على قاضي التحقيقات الأولية في روما لتقييمه واتخاذ الإجراءات القضائية بشأنه”.
في هذا الصدد، “تحفظت النيابة المصرية تماماً على هذا الاشتباه ولا تؤيده”، مؤكدة أنه “مبنيٌّ على غير أدلة ثابتة، وتؤكد تفهمها للقرارات المستقلة التي سوف تتخذها نيابة روما”، وفق البيان المشترك.
وفي 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري، سمّى ممثلو الادعاء الإيطاليون 4 من عناصر الأمن المصري كمتهمين مشتبه بهم، في قضية ريجيني.
في السياق، أصدر البرلمان الأوروبي قراراً ينتقد الملف الحقوقي بمصر في 18 ديسمبر/كانون الأول، ويدعم موقف روما القضائي بخصوص اتهامه لعناصر الأمن المصري. فيما كان الرفض المصري على عدة مستويات، بينها مجلس النواب المصري (الغرفة الأولى) الذي اعتبر القرار الأوروبي ” مسيساً ويحمل مغالطات ولا يلائم الشراكة الاستراتيجية المصرية – الأوروبية”.
القاهرة ترد على روما بقضية “تهريب الآثار الكبرى”
بعد نحو أسبوع من بيان الإدعاء العام بإيطاليا، طالب الإنتربول المصري وفق تقارير محلية روما بتسليمه دبلوماسيين إيطاليين سابقين كانا قد عملا في القاهرة، على خلفية القضية المعروفة إعلامياً “تهريب الآثار الكبرى“، والتي تعود لمنتصف عام 2018.
وكان من بين الدبلوماسيين الإيطاليين الذين طالبت القاهرة تسليمهم، سكاكال أوتاكار، القنصل الإيطالي السابق في الأقصر. وأوتاكار أدين غيابياً في 24 يناير/كانون الأول الماضي؛ بتهريب نحو 22 ألف قطعة أثرية تاريخية إلى إيطاليا خلال الأعوام 2016-2018 التي عمل فيها في مصر.
وأشارت وسائل إعلام مصرية إلى أن أوتاكار تلقى حكماً بالسجن لمدة 15 عاماً مع تشديد العقوبة وغرامة قدرها مليون جنيه مصري (حوالي 66 ألف دولار). مشيرة إلى أن الدبلوماسي الآخر الذي طالبت به القاهرة يدعى ماسيميليانو سبونزيلي، الذي عمل سابقاً في السفارة الإيطالية كمفوض تجاري، الذي ساعد أوتاكار.
وفي 24 ديسمبر/كانون الأول، قررت محكمة النقض (أعلى محكمة للطعون بالبلاد/ أحكامها نهائية)، حجز طعن تقدم به بطرس غالي المتهم المصري بالقضية مع أوتاكار على سجنه 15 عاماً، لجلسة 14 يناير للنطق بالحكم، وفق صحيفة الأهرام المملوكة للدولة.
لم تشرِ الصحيفة المصرية لموقف الدبلوماسي الإيطالي السابق والذي يرجح أن تؤيد المحكمة الحكم ضده بشكل نهائي لعدم تقديمه طعناً، على أن يعاد محاكمته حال تسلميه نفسه أو القبض عليه.
وليس بعيداً، كانت هناك محاولات مصرية مع روما لفتح التحقيق في قضية اختفاء مصري بإيطاليا، حيث ظهرت في منتصف مارس/آذار 2016، قضية اختفاء عادل معوض في إيطاليا، بالتزامن مع “ضجة” ريجيني.
وآنذاك اعتبر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في مقابلة له مع صحيفة “لاريبوبليكا” الإيطالية، واسعة الانتشار (غير حكومية)، أن حادث مقتل ريجيني في مصر، واختفاء المواطن المصري عادل معوض في إيطاليا، “حوادث فردية”، قبل أن يختفي الحديث عن تلك القضية.
وفي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، نشرت صحف مصرية خاصة تقارير فقدان 7 مصريين في إيطاليا دون العثور عليهم، منتقدة عدم الحديث الحقوقي عنهم مثل ريجيني، ونقلت عن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان (غير حكومية) مطالبات للمجتمع الدولي والحكومة الإيطالية ووزارة الخارجية المصرية بإجلاء مصير المصريين المختفين قسرياً.
نظام السيسي يحاول مقاومة الإدانات الأوروبية
يرى متابعون أن جريمة مقتل ريجيني في الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير في مصر، جعلت نظام السيسي في وضع صعب للغاية، لاسيما أن مصر على موعد لاستقبال الذكرى العاشرة لثورة يناير/كانون الثاني 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك.
بينما تأتي عبارة “دون صلة بأية جهات أو مؤسسات حكومية مصرية”، التي ذكرها البيان المشترك المصري الإيطالي لتصل إلى إجابة أولى عن ماهية مستقبل تلك القضية ونظيرتها الخاصة بتهريب الآثار، إذ لا يمكن فك الارتباط بينهما لاسيما في توقيتهما ووجود مسؤولين متهمين بكلا البلدين.
إذ إن النيابة الإيطالية وفق مراقبين فصلت بين النظام والمتهمين وجعلته مسبقاً “تصرفاً فردياً”، لن يسفر عن تأثير جذري في العلاقات في ضوء أن القاهرة وروما شريكان اقتصاديان وهناك ملفات كثيرة تهم الاتحاد الأوروبي تجمعهما بمصر.
غير أنه لا يزال الأفق يحتمل مزيداً من الانتقادات الأوروبية ضد القاهرة دون أن تترجم لتأثير مباشر على العلاقات مع النظام المصري بشكل مباشر أو غير مباشر.
والأسبوع الماضي، أعاد البرلمان الأوروبي ملف انتهاكات حقوق الإنسان في مصر إلى الواجهة مرة أخرى بتبنّيه قراراً يدعو دول الاتحاد إلى اتخاذ إجراءات حازمة للضغط على النظام المصري لوقف الانتهاكات المتراكمة، نصّ قرار البرلمان الذي تم إقراره الجمعة 18 ديسمبر/كانون الأول بأغلبية 434 عضواً على أن وضع حقوق الإنسان في مصر “يتطلب إعادة النظر في الدعم المادي والتنموي المقدم من قبل دول الاتحاد إلى مصر”.
وشمل القرار 19 توصية جميعها ترصد وتدين “انتهاكات حقوق الإنسان في مصر واعتقال المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني”، وركز على “قضية تعذيب وقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني وموقف السلطات الإيطالية ومطالبتها بالمشتبه فيهم، كما طالب القرار بـ”ضرورة الإفراج الفوري عن عدد من المعتقلين السياسيين”.
وتظل السيناريوهات مفتوحة بخصوص تنفيذ الأحكام المرتقبة، إذ إنه في ظل غياب معاهدة لتسليم المجرمين بين مصر وإيطاليا بحسب ما تقول تقارير محلية، يستلزم الأمر احتجازهم في بلادهم سواء بالقاهرة أو إيطاليا، ولا يمكن إجبار أي منهما على تسليمهما لبلد ثالثة ولو يقر القانون ذلك، فذلك احتمال مستبعد في ظل علاقات البلدين.