“صفقة القرن المصرية”.. الأهداف السياسية لخطة القاهرة لشراء طائرات وفرقاطات من إيطاليا بمليارات الدولارات
“صفقة القرن المصرية” هكذا يمكن أن توصف الصفقة المصرية الإيطالية التي تحدثت عنها صحيفة “لاريبوبليكا” الإيطالية.
فعلى الطريقة الخليجية لا سيما السعودية، تستعد القاهرة لإبرام صفقة صخمة مع إيطاليا تشمل تضم فرقاطات ولانشات صواريخ ومقاتلات يوروفايتر تايفون الشهيرة.
الصفقة الكبيرة، وفق تقرير الصحيفة الإيطالية، سوف تضم فرقاطتين من نوع “فريم بيرجاميني” والموجودتين في البحرية الإيطالية، فضلاً عن 4 فرقاطات أخرى سوف يتم بناؤها لمصر خصيصاً.
بالإضافة إلى ذلك، تشمل الصفقة المتوقع إبرامها خلال الأيام القليلة المقبلة، حسب الصحيفة نحو 20 لانش صواريخ، وعدد 24 مقاتلة يوروفايتر تايفون، وعدد 24 طائرة إيرماكي إم-346 للقتال المتقدم، وقمراً للتصوير الراداري.
الهدف وراء صفقة القرن المصرية مع إيطاليا
الصفقة تعدّ بمثابة مهمة القرن، وفق تصريحات لمصدر برئاسة الوزراء الإيطالية؛ لما لها من أهمية في خلق صلابة بالعلاقات مع مصر والحفاظ على حوار سياسي بنّاء في كثير من الملفات المشتركة بالشرق الأوسط.
ولا يثير حجم الصفقة التي قد يصل إلى مليارات من الدولارات فقط، التساؤلات عن توقيت وهدف الصفقة التي تأتي في وقت تعاني فيه مصر كغيرها من دول العالم تراجعاً اقتصادياً من جراء جائحة كورونا، وهو تراجع تبدو آثاره واضحة على الجنيه المصري الذي بدأ يتقهقر رويداً بعد أشهر من الصعود.
وقالت الصحيفة نقلاً عن تصريحات لمصدر من رئاسة الوزراء الإيطالية، إنه رغم كثير من الصعوبات والمعوقات، ومن ضمنها مسألة مقتل الطالب الإيطالي ريجيني في مصر، فإن تلك الصفقة تعد بمثابة مهمة القرن، فهي لا تمثل قيمة تجارية وصناعية لإيطاليا فحسب، بل تأتي ضمن رغبة روما في الحفاظ على علاقات صلبة مع القاهرة، وكذلك الحفاظ على حوار سياسي يختص بعديد من الملفات المفتوحة بمنطقة شرق المتوسط.
محاولة لإبعاد روما عن تركيا
وبالفعل تبدو الصفقة ليست عسكرية فقط.
ومع أن بعض بنود هذه الصفقة قديمة إلا أن استهداف إيطاليا وحدها بهذه الصفقة المتعددة يبدو أن له علاقة بالمواقف الإيطالية الأقرب إلى تركيا وحكومة الوفاق، في الخلافات الدائرة بليبيا وشرق المتوسط.
ويبدو أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وداعميه الخليجيين وبالأخص الإمارات، يريدون استقطاب إيطاليا كما فعل السيسي عبر صفقة الرافال المليارية التي عقدها مع فرنسا عقب الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي والتي كان أحد أهدافها أن تقوم باريس بتطبيع علاقة النظام الجديد مع أوروبا والغرب عامة بعدما كانت الولايات المتحدة فرضت عقوبات على الجيش المصري عقب إطاحته بمرسي.
وعلى غرار أسلوب دول الخليج الثرية في تعبيد الممرات السياسية غير المهمدة بصفقات مليارية، تبدو صفقة القرن المصرية مع إيطاليا هدفها إبعاد روما عن أنقرة في ظل جهود القاهرة لخلق تجمُّع في شرق المتوسط معادٍ لتركيا، يضم فرنسا واليونان وقبرص الرومية وإسرائيل.
وسبق أن رفض وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، التوقيع على بيان صدر عن اجتماع عُقد بالقاهرة في مطلع العام، ضم لوزراء خارجية: مصر وفرنسا وإيطاليا واليونان والإدارة الرومية لجنوب قبرص، في القاهرة، ووصفه بـ”غير المتوازن للغاية”.
وآنذاك طالب الوزير الإيطالي نظراءه من الدول المجتمعة، بتخفيف موقفهم المتشدد حيال تركيا، ورئيس حكومة الوفاق الوطني الليبي، المعترف بها دوليا، فايز السراج.
منافسة إيطالية فرنسية والقاهرة تبحث عن بديل لـ”السوخوي” والـ”إف 35″
وتتقارب مواقف إيطاليا وتركيا في ليبيا، حيث يدعم كلاهما حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، كما تتناقض المصالح الإيطالية النفطية بليبيا مع فرنسا شريكة مصر والإمارات في دعم حفتر.
ومما يؤشر على أن الصفقة تحمل طابعاً سياسياً، أنها تتضمن شراء 25 طائرة من طراز يورو فايتر تايفون، وهي طائرة من إنتاج كونيسيرتوم مكون من أربع دول أوروبية هي ألمانيا والمملكة المتحدة وإسبانيا وإيطاليا.
ومعظم دول منطقة الشرق الأوسط التي اشترت الطائرة مثل الكويت والسعودية وقطر، اشترتها من بريطانيا.
كما يمكن النظر إلى هذه الصفقة المحتملة لشراء يورو فايتر على أنها بديل لطائرات سوخوي 35 التي أبدت مصر رغبة في شرائها من روسيا ولكنها جُوبهت بتهديدات بفرض عقوبات من قِبل الولايات المتحدة، وفي الوقت ذاته رفضت واشنطن تصدير طائرتها الشهيرة إف 35 إلى القاهرة.
من يدفع ثمن هذه الصفقة؟
ورغم تحسن المالية العامة للبلاد بعد التعويم، فإن الصفقة التي يمكن أن تصل إلى أكثر من بضعة مليارات دولار، قد تكون أكبر من إمكانات الميزانية المصرية بالنظر إلى أنها تضم فرقاطات بحرية وطائرات يورو فايتر التي تعد في الأغلب من أغلى الطائرات المقاتلة في العالم، حتى إنها أغلى من الطائرة الأمريكية الشهيرة إف 35.
وتبلغ قيمة الفرقاطتين اللتين كانتا مخصصتين للبحرية الإيطالية نحو 1.2 مليار دولار، كما تتضمن الصفقة عدد 4 فرقاطات فريم إضافية أي لو افترضنا أن الفرقاطات الأربع بنفس السعر، فإن إجمالي ثمن الفرقاطات سيصل إلى 3.6 مليارات دولار.
أما قيمة الطائرة اليورو فايتر الواحدة فقد تتعدى الـ120 مليون دولار، أي ما يقرب من ثلاثة مليارات دولار، أو أكثر لإجمالي الـ25 طائرة مما يصل بالصفقة إلى أكثر 6.6 مليار دولار.
ويصعب تقديم تقدير أولي لقيمة الـ20 لانش صواريخ، والـ 24 طائرة إيرماكي إم-346 للقتال المتقدم، والقمر الصناعي إلا أنه يمكن القول إن قد ترفع قيمة الصفقة إلى أكثر من 10 مليارات دولار.
أكد جوزيبي بونو Giuseppe Bono، رئيس شركة فينكانتيري Fincantieri لصناعات البحرية، وجود مفاوضات بين مصر وإيطاليا حول الفرقاطتين البالغة قيمتهما نحو 1.2 مليار يورو، ووجه نقده لمعارضي الصفقة، ويفيد بعدم وجود ما يمنع من إتمامها، مع تأكيد التزام الشركة بما ستقرّه الحكومة الإيطالية.
وقد يكون تمويل الصفقة عبر قروض كما فعل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في صفقة الرافال مع فرنسا، ومن المعروف أن مصر قد بددت دولارات ثمينة على حفر ما يُعرف بقناة السويس الجديدة وصفقات السلاح فور وصول الرئيس عبد الفتاحالسيسي إلى السلطة؛ وهو ما أدى إلى تفاقم أزمة العملة الصعبة وتراجع سعر الدولار في السوق الموازية، قبل أن يسهم صندوق النقد الدولي الذي قدّم مساعدات لمصر مشروطة بتعويم الجنيه، في إنقاذ البلاد، ولكن بعد أن تضاعف سعر الدولار أمام الجنيه ثلاث مرات، مما أثقل كاهل المواطنين بشكل هائل.
وقد يكون البديل أمام مصر جلب تمويل خليجي للصفقة سيكون في الأغلب إماراتياً، علماً بأن الإمارات تعاني كأغلب دول الخليج من تراجع عائدات النفط بشكل كبير.
ولكن الإمارات تتعامل مع هذه الصفقات باعتبارها وسيلة لمناوأة الدور التركي في المنطقة، وتصعيد التوتر بين القاهرة وأنقرة من خلف الستار دون أن تتورط هي في معارك مباشرة.
جدير بالذكر أن مصر أصبحت خلال السنوات الخمس الأخيرة، من أكبر مشتري السلاح في العالم، وذلك وفقاً لتقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام “سيبري” المتخصص في مراقبة حركة بيع وشراء السلاح بالعالم، فقد حلَّت في المركز الثالث عالمياً بعد الهند والسعودية، والثاني عربياً بصفقات بلغت قيمتها عشرات المليارات من الدولارات من فرنسا وروسيا وألمانيا.
وزادت واردات مصر من الأسلحة بنسبةٍ هائلة بلغت 215% في السنوات الـ5 الماضية منذ أن أصبح عبدالفتاح السيسي رئيساً للبلاد.
تأثير الصفقة على التوازن العسكري بالمنطقة
من المبكر معرفة تأثير الصفقة العسكري بشكل كامل.
ولكن الملاحظ أن الصفقة تركز على الفرقاطات البحرية، وهي تأتي في خضم توتر بين القاهرة وأنقرة في شرق المتوسط.
المفارقة أن هذا التوتر وما يصاحبه من محاولة القاهرة للحشد ضد تركيا يأتي في وقت تقول فيه أنقرة، إن اتفاقها لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا مفيد لمصر، ويعترف وزير الخارجية المصري، سامح شكري، بأن الاتفاق لا يمس حدود مصر.
كما أن تقارير إعلامية غربية تفيد بأن أنقرة لديها عروض لترسيمٍ الحدود مع مصر تمنح القاهرة شروطاً أفضل مما قدمته اليونان، كما يأتي ذلك في ظل حديث عن الاتفاقات التي عقدتها مصر مع اليونان وإسرائيل وقبرص الرومية، تنازلت فيها الحكومة المصرية عن حقول غازية، مما يؤشر على أن القاهرة يبدو أنها تضحي بمصالحها الوطنية لأسباب تتعلق بالعناد السياسي.
وبينما يلاحظ أن القاهرة خصصت وتخصص المليارات لشراء قطع بحرية مثلما فعلت عبر شرائها حاملتي المروحيات من فرنسا واللتين كانتا مخصصتين لروسيا، فإن تركيا تركز على الإنتاج المحلي لقِطعها البحري، حيث تقوم على سبيل المثال بتصنيع حاملات طائرات خفيفة بالتعاون مع إسبانيا تسمى TCG Anadolu.
هل اليورو فايتر أفضل من الرافال التي تمتلكها مصر؟
من الواضح أن صفقة الطائرات يورو فايتر تايفون Eurofighter Typhoon تمثل ركناً مهماً في صفقة القرن المصرية مع إيطاليا.
وتعتبر هذه الطائرة واحدة من أكثر الطائرات تقدماً في العالم، وهي تتفوق على الرافال التي اشترتها مصر من فرنسا، حسب بعض التقارير في قدرتها على القتال الجوي، خاصةً أن لديها محركاً أقوى وراداراً أكثر تقدماً.
ولكن في المقابل تتفوق الرافال في قدرات القصف التي تأخرت اليورو فايتر في الحصول عليها.
وهذا يجعل اليوروفايتر تتكامل مع الرافال.
ولكن مشكلة اليورو فايتر الرئيسية هي أنها طائرة باهظة الثمن حتى إنها تفوق في سعرها الـ”إف 35″ الأمريكية كما سبق الإشارة، رغم أنها تعتبر طائرة من الجيل الرابع والنصف، بقدرات شبحية جزئية، بينما الـ”إف 35″ طائرة من الجيل الخامس، أي إن لديها قدرات شبحية أعلى بكثير.
كما أن اليورو فايتر واجهت مشاكل من جراء تعدد مصنّعيها، إضافة إلى مشاكل في ارتفاع تكلفة الصيانة وقصر عمر البدن عن المتوقع.
وتؤدي هذه العوامل إلى أن أن هذه الطائرة الباهظة وقليلة الاعتمادية قد تمثل عبئاً على دولة ليست غنية كمصر، وهي عوامل عادة تكون مؤثرة للغاية في حال اتخاذ قرار على أسس فنية.