صمت على غير العادة.. لماذا لم تعلّق أمريكا على الحكم بسجن عمران خان لـ3 سنوات؟
بعد التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، في يوليو/تموز، بدا أن الأزمة السياسية في باكستان تهدأ مؤقتاً، لكن اعتقال رئيس الوزراء السابق عمران خان مؤخراً، وصدور حكم بالسجن لثلاث سنوات ضده، قد يعيد الأزمة إلى دائرة الضوء، لكن لماذا لم تعلق أمريكا حتى اللحظة على الحكم بسجن عمران خان لثلاث سنوات؟
عمران خان وتحدي المؤسسة العسكرية
يبدو أن حزب حركة الإنصاف الباكستانية، الذي أسسه عمران خان، تفكك كلياً، فلم يقتصر الأمر على حظر قائده صاحب الكاريزما الكبيرة من الظهور إعلامياً، بل ومُنع كذلك من المشاركة في السياسة، ولكن في المشهد السياسي الباكستاني فإن القادة الذين أُطيحوا والذين خرجوا من السلطة، بل وحتى الذين سجنوا، أظهروا درجة مدهشة من المرونة والعودة المحتملة. والعامل الوحيد الثابت هو العجز المتأصل عن التنبؤ بسياسات البلاد نفسها، كما يقول موقع Responsible Statecraft الأمريكي.
يُزعم أن الاعتقال والاتهامات الجنائية المرتبطة به تتعلق بالفساد والاحتيال، لكن هناك اعتقاد منتشر بين كثير من الباكستانيين، بما في ذلك الكثير من نقاد خان، بأن اعتقاله أكثر ارتباطاً بتحديه المؤسسة العسكرية في البلاد.
ويبدو أن غالبية المحللين خارج باكستان يتفقون على أن التفكيك الممنهج لحزب حركة الإنصاف الباكستانية -الذي تحقق عبر اعتقال القادة الرئيسيين في الحزب، الذين استقالوا منه وغادروا الحياة السياسية، وعبر محاكمة العاملين في الحزب وأنصاره في محاكم مكافحة الإرهاب- يتعارض مع المبادئ الديمقراطية، وتسبب فعلياً في حرمان قطاع كبير من الناخبين الباكستانيين.
واشنطن صامته على غير عادتها
لكن أفضل وصف يمكن أن توصف به استجابة واشنطن هو الصمت، حيث أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية سلسلة من البيانات الفاترة التي أعربت فيها عن أملها في أن تكون باكستان “متسقة” مع سيادة القانون ودستورها.
في استجابتها لاعتقال خان مؤخراً، وصف متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية الأمر بأنه “شأن داخلي” في باكستان. وأعرب بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي عن قلقهم إزاء الموقف، وأرسلوا خطاباً إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن يعربون فيه عن قلقهم، وذلك عندما كانت الأزمة في أوجها في مايو/أيار.
بيد أن القلق المتقطع، الذي يُعرب عنه المشرعون الأمريكيون بين الحين والآخر، ودعوات الدفاع من جانب الباكستانيين الأمريكيين من أنصار حركة الإنصاف الباكستانية، لن يغير على الأرجح موقف واشنطن من القضية.
فلماذا لم ترد إدارة بايدن بقوة أكبر على الأمر؟ يُعزى أحد الأسباب إلى أن واشنطن ربما تدرك حقاً، بعد أن ألقى عقدان من الحرب في أفغانستان بظلال طويلة على العلاقات الأمريكية الباكستانية، أنه أياً ما تكون كمية البيانات أو التهديدات الصادرة من واشنطن، فلن يغير هذا كثيراً من حسابات المؤسسة الأمنية الباكستانية.
فالأرجح أن إدارة بايدن مترددة في المخاطرة بعلاقتها مع الدولة الباكستانية، بسبب مصير حزب سياسي واحد يقوده رجلٌ ربما يرون أنه “غير متوقع”. كذلك من غير المرجح أن يفيد إصدار البيانات الأمريكية القوية رموز حزب حركة الإنصاف الباكستانية في واقع الأمر، أو أن يعزز الحريات المدنية.
ويجدر أن نتذكر أنه بعد إطاحة عمران خان من منصب رئيس الوزراء عبر تصويت على حجب الثقة، في أبريل/نيسان 2022، استخدم خان نظرية مؤامرة تتعلق بمساعٍ أمريكية لتغيير النظام، وحوَّلها إلى شعار رئيسي في حملته.
وقبل حوالي عام من ذلك، خلال مقابلة أُجريت في يونيو/حزيران 2021، مع موقع Axios، وأُذيعت على شبكة HBO، سُئل رئيس الوزراء حينها عمران خان إذا كانت باكستان يمكن أن تسمح لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA) بأن تستخدم أراضيها، وأجاب بشكل قاطع: “بالتأكيد لا”.
“تدخلات محفوفة بالمخاطر”
صارت هذه الإجابة أيضاً شعاراً لحملته، وظهرت على اللافتات وعلى سيارات أنصاره. كذلك قد يكون أي إظهار قوي للدعم من جانب واشنطن- حتى لو كان هذا الدعم يستند إلى المعايير الديمقراطية- مضراً بأي حزب سياسي في باكستان، بالنظر إلى الشعور المنتشر من الاستياء والشك تجاه الولايات المتحدة، ويمكن أيضاً لهذا الدعم أن يخلق صعوبات لنشطاء الحريات المدنية، الذين يُتهمون دائماً بأنهم وسائل لممارسة النفوذ الأجنبي.
يُرجح أن تكون ممانعة واشنطن عن إصدار تعليق قاطع حول الأزمة السياسية الدائرة في باكستان، نتيجة لكل هذه العوامل المذكورة سلفاً. إذ إن محاولة التأثير على السياسات الداخلية أو المعايير الديمقراطية في الخارج تكون محفوفة بالمخاطر، والتاريخ يبين أن المحاولات تجلب نتائج عكسية في كثير من الأحيان، وتؤدي إلى عواقب غير مرجوة.
بالإضافة إلى أن واشنطن تطبق مثل هذه المعايير بصورة غير متسقة. ففي حالة باكستان، يبدو أن واشنطن استوعبت أخيراً أنها لا تستطيع تغيير حسابات بلد آخر بطريقة جيدة، عندما يتعلق الأمر بالشؤون الداخلية. ويا حبذا لو تنجح في تعلم نفس الدرس في مكان آخر، يقول الموقع الأمريكي.