دراسة
سليم الزريعي
تمهيد
النظام الملكي وتزييف الوعي
إن قضية اليهود المغاربة تفتح الباب أمام سؤال لم أقدمت المؤسسة الملكية المغربية على المشاركة في تهجير اليهود المغاربة بالتعاون مع الحركة الصهيونية والأجهزة الأمنية للكيان الصهيوني؟ وهل ذلك السلوك المفارق له علاقة بالمنطق والأخوة العربية الإسلامية، خاصة وأن فلسطين هي بلد القدس والأقصى؟ أم أن هذه القيم لا مكان لها عندما تحضر المصالح الخاصة لرأس النظام الملكي حسن الثاني قي ذلك الحين بصرف النظر عن مشروعيتها الأخلاقية؟ ويمكن القول إن الحسن عندما رفد المشروع الصهيوني بالقوى البشرية كان صهيونيا بامتياز، وهذا التوصيف ليس تقييما أخلاقيا ولكنه توصيف فكري سياسي عملي يحدد أين يقف هذا الشخص أو ذاك من قضية الشعب الفلسطيني الذي هو محل عدوان صهيوني غربي وصهيوني عربي؟.
ومن ثم فالصهيوني سواء كان يهوديا أو مسيحيا أو عربيا مسلما فهو من يتبنى مجموعة من المعتقدات التي تهدف إلى تحقيق برنامج المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في بازل عام 1897م تحقيقاً عملياً وعلي ذلك فالصهيونيين:
هم أولئك الذين يعدون الطائفة المعروفة باسم اليهود شعبا قوميا مستقلا ينبغي إعادة توطينه في كيان سياسي مستقل في فلسطين، لكي يقيم فيها دولة قومية خاصة باليهود وحدهم (الدولة اليهودية) تحت ثوابت ثلاث لا اختلاف عليها وهى:
أ. إن اليهود هم شعب الله المختار !
ب. إن الله وعد اليهود وملكهم أرض الميعاد، أرض كنعان من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات .
ج. إن ظهور الماشيح مرتبط بقيام صهيون (يسرائيل) وبتجميع اليهود من شتاتهم بأنحاء العالم في أرض الميعاد (أرض يسرائيل) حتى يتحقق ظهوره (1).
وتوصيف الصهيوني والحال هذه ينطبق على كل من يتبني مثل هذا البرنامج ويعمل على تطبيقه وهو الدور الذي قام به ملك المغرب الحسن الثاني عندما بدأ ما بين 1961 و1964 العمل مع “إسرائيل” سراً، على تهجير ونقل 100 ألف من اليهود المغاربة – عبر أوروبا – بعد أن عقد صفقة مع الموساد الإسرائيلي يتقاضى بموجبها مبلغاً يراوح بين 50 و100 دولار أميركي نظير كل يهودي مهاجر. وفي المقابل قدّم الموساد للملك والجيش والأمن المغربي خدمات استخبارية وأمنية مهمة.
وهجرة نحو 30 ألفاً من يهود المغرب إلى “إسرائيل”، بعد عام 1967 وفي السبعينيات والثمانينيات استمرت هجرة اليهود، ولكن بوتيرة بطيئة، وعلى أساس فرديّ. واللافت أن الجنسية المغربية لم تسقط عن اليهود الذين هاجروا إلى “إسرائيل”، كما لم تصادر أموالهم ولا ممتلكاتهم في المغرب.(2)
ومن ثم لا يمكن للباحث عزل ما جرى من استئناف لعلاقات المملكة مع الكيان الصهيوني في ظل أشد فترات تغول قطعان مستوطنيه ومؤسسته العسكرية والأمنية في مواجهة الشعب الفلسطيني ، مع التواطؤ الشخصي للحسن الثاني
بعد جلوسه على عرش المملكة، كون ما جرى ويجري هو تعبير عن نهج سياسي له جذره الأيديولوجي، ولذلك يمكن التقدير أن الابن هو سر أبيه الذي ساهم في رفد الكيان الصهيوني بعشرات آلاف الصهاينة المغاربة، ويمكن للشعب الفلسطيني وقواه الحية المتضررة من خطوة النظام الملكي الأخيرة تكييفها على أنها تواطؤ مغربي موصوف مع الكيان الصهيوني خاصة وهو يحمل كل هذا الكم من التدليس لتبرير استئناف علاقاته مع الكيان الصهيوني.
ومع ذلك إذا جاز القول إن استئناف علاقات الملك المغربي مع الكيان الصهيوني هو أمر سيادي له علاقة بخياراته السياسية والفكرية، وهي خيارات يحددها الملك المغربي وليس الهيئة المنتخبة من الشعب، ودون النظر إلى الضرر المادي والمعنوي الذي يمكن أن يلحق بالآخرين بشكل مباشر أو غير مباشر فإنها هذه المرة وخاصة عندما برر النظام هذا الاستئناف بأنه ” يأتي “نظرا للروابط الخاصة التي تجمع الجالية اليهودية من أصل مغربي، بمن فيهم الموجودين في إسرائيل، بشخص جلالة الملك”.(3)
فإن هذه الخطوة هي بمثابة اصطفاف مغربي إلى جانب الكيان الصهيوني في حربة المستمرة ضد الشعب الفلسطيني. وضوء أخضر لقطعان جاليته باستمرار عدوانهم.
لكن ما هو مستفز في بيان الديوان الملكي هو الإشارة إلى الجالية اليهودية في فلسطين المحتلة كعامل مقرر في استئناف العلاقات مع كيان الاحتلال، هنا يبدأ النظام الملكي محاولة كي الوعي بتمرير مثل هذا المفهوم وإذا كان ذلك جائزا مغربيا فإنه بالنسبة للشعب الفلسطيني تدليس موصوف لأن ما تسمى جالية مغربية، هي في الجوهر مكون أساس في المؤسسة الصهيونية الأمنية والعسكرية والسياسية التي هي وفق القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة تمارس احتلالا على الأقل للأراضي المحتلة عام 1967، وتمارس عدوانها على مدار الساعة ضد الشعب الفلسطيني.
وبهذا المعنى فإن جالية محمد السادس رئيس لجنة القدس هم أعداء ومغتصبون ولا مجال للتعامل معهم إلا كأعداء طالما كانوا محتلين حتى لو كانوا جالية الملك المغربي.
ولا تقف محاولة تزييف الوعي عند حدود الجالية بل يذهب نحو الحديث عن التقريب بين الشعوب والسؤال هل في فلسطين المحتلة شعب أم تجميع كمي لما يقارب الـ100 إثنية عجزت مؤسسات الكيان عن صهره حتى بات بعض الباحثين الصهاينة يشككون في انطباق مفهوم المجتمع على مجموع السكان غي “إسرائيل” ويستعيضون عن تعبير مجتمع (بتجمع) ليكون السؤال أين هذا الشعب الذي يتحدث عنه الديوان الملكي المغربي؟ وكان المؤرخ اليهودي الإسرائيلي شلومو ساند قد دحض مقولة الشعب اليهودي في كتابه الذي عنوانه خرافة الشعب اليهودي. مؤكدا أن اليهودية دين وليست قومية، ولا بأس هنا من السؤال هل تنطبق مقولة الشعب على أمازيغ المغرب سكان البلاد الأصليين الذين اعتنقوا اليهودية؟ أم أنها خرافة صدقها المغرب فيما يكذبها بعض اليهود؟
لقد حاولت الدراسة التي عنوانها” صهاينة المغرب اليهود.. مغتصبون.. لا جالية”ـ رصد علاقة ملوك المغرب بتهجير صهاينة المغرب إلى فلسطين واستمرار علاقتهم بالنظام بوسائل مختلفة حتى أنهم يحتفظون بالجنسية المغربية ويواصلون الاتصال والتواصل مع المغرب، مهما كان مستوى إجرامهم وعدوانيتهم ضد الشعب الفلسطيني ، وهي من تمهيد وأربعة فصول وخاتمة.
الهوامش
1- أشرف بدر، الخلاص، الهيكل، وصعود الصهيونية الدينية( 18-05-2022)، https://alqudscenter.info/articles
2- حسام عبدالكريم، دور الحسن الثاني في هجرة اليهود المغاربة إلى “إسرائيل”،21/2/2022/ https://www.almayadeen.net/
3- خالد محجوب، استئناف علاقات المغرب نع إسرائيل، 12/12/2020ـ https://www.aa.com.tr