ضغوط بالكونغرس لرفع السرية عن تحقيقات اغتيال خاشقجي، ماذا يعني ذلك للسعودية؟
يعمل الديمقراطيون في مجلس النواب الأمريكي على تشريع جديد لإجبار إدارة ترامب على نشر نتائج سرية، حول المدى الكامل لدور السعودية في القتل الوحشي للصحفي الراحل جمال خاشقجي، الكاتب السابق بصحيفة واشنطن بوست.
ونص مشروع قانون الميزانية العسكرية الضخمة، الذي أُقرِّ في ديسمبر/كانون الأول 2019، على أن يرسل كبير مسؤولي الاستخبارات في البلاد إلى الكونغرس تقريراً يُحدِّد هوية المسؤولين عن مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في عام 2018. لكن هذا المسؤول، وهو مدير الاستخبارات القومية الأمريكية، فشل في فعل ذلك قبل المدة الزمنية المحددة عند منتصف يناير/كانون الثاني؛ مما دفع المُشرِّعين لتقديم شكاوى.
وبحسب موقع BuzzFeed News الأمريكي، ففي شهر فبراير/شباط، رد مكتب مدير الاستخبارات القومية على ذلك بإرسال خطاب للكونغرس يقول فيه إنَّ المكتب لا يمكن أن يزودهم بأية معلومات غير سرية عن مقتل خاشجقي، ولا بملف سري مُرفَق بنتائج مسؤولي الاستخبارات. وعلى الرغم من أنَّ قانون الميزانية العسكرية سمح في جزء منه بإرسال هذا المُلحَق، قال المُشرِّعون إنَّ مكتب مدير الاستخبارات القومية لم يلتزم بالنصوص المحددة في القانون.
سيكون أول اعتراف علني من الإدارة الأمريكية بتورط الحكومة السعودية
وكشفت تقارير صحفية نقلاً عن مسؤولين أمريكيين، أن وكالة المخابرات المركزية خلصت إلى أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أمر بقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول. لكن ولي العهد أنكر تورطه، فيما تجاهل ترامب هذه النتائج بشكل كامل. وبحسب ما ورد تعرض خاشقجي، أحد منتقدي النظام السعودي، للتعذيب والقتل والتقطيع بمنشار عظم من قبل فرقة تضم أكثر من 12 رجلاً.
وإذا تم الإفراج عن هذا الملحق السري لمكتب رئيس الاستخبارات الوطنية الأمريكية، فإنه يمكن أن يوفر أول اعتراف علني من الإدارة الأمريكية باتساع دور الحكومة السعودية في وفاة خاشقجي.
وقال عضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب توم مالينوفسكي هذا الأسبوع: “لا يمكنني التحدث عن المحتوى، ولكن يمكنني أن أخبركم أنها محاسبة شاملة للمسؤولية عن مقتل جمال خاشقجي، وهو الشيء المطلوب الذي يجب أن يكون متاحاً أمام الجمهور بالضبط، حتى نتمكن من إجراء نقاش مستنير حول علاقتنا مع السعودية”.
لكن الكونغرس لم يتلق بعد الملحق الذي تم رفع السرية عنه. الآن ، يعمل شيف وفريقه على تصعيد جهودهم، بحثًا عن تدابير إضافية، لإرغام مدير الاستخبارات الوطنية، على رفع السرية عن الوثيقة، والتي ستسمح للكونغرس بنشرها على الملأ.
نشر الوثيقة على الملأ سيكشف أسماء جميع المسؤولين السعوديين المتورطين
وفي هذا الصدد، قال رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب آدم شيف إنَّ رفع السرية عن المُلحَق وإدخال بعض التعديلات عليه من شأنهما أن يساعدا مكتب مدير الاستخبارات الوفاء بالتزاماته من دون الإضرار بالأمن القومي للبلاد.
وقال شيف لموقع BuzzFeed News: “لا يمكن أن يُحاسَب المسؤولون عن القتل الوحشي لجمال خاشقجي حتى تعلن الإدارة الأمريكية ما تعرفه عن هوية الأشخاص في الحكومة السعودية الذين أصدروا الأمر بالقتل ومن نفذه ومن حاول التستر على الجريمة. وبما أنَّ مكتب مدير الاستخبارات القومية فشل في الامتثال للقانون، فإنَّ الكونغرس سيحتاج إلى اتخاذ المزيد من الخطوات التشريعية والمتعلقة بالميزانية لضمان رفع السرية عن تقرير قدمه مجتمع الاستخبارات إلى الكونغرس في وقت سابق من هذا العام”.
وسبق للكونغرس أن نجح بإجبار إدارة أوباما على رفع السرية عن وثائق هجمات 11 سبتمبر
وفقاً لمسؤول في لجنة الاستخبارات، هذه الخطوات التشريعية يمكن مقارنتها بجهود بذلها الكونغرس طوال عام للضغط على إدارة أوباما لرفع السرية عن وثيقة أخرى مُصنَّفة عن المملكة العربية السعودية كانت مخفاة عن الجمهور لأسباب تتعلق بالأمن القومي: وهي 28 صفحة من تقرير للكونغرس عن هجمات 11 سبتمبر/أيلول تفيد بوجود صلات مزعومة بين الحكومة السعودية وأولئك الذين نفذوا الهجمات الإرهابية. ورفعت الإدارة السرية عن الصفحات، مما مكَّن لجنة الاستخبارات في مجلس النواب من نشرها في يوليو/تموز 2016 في أعقاب حملة ضغط عامة من الحزبين تضمنت سلسلة من مشاريع القوانين والقرارات.
وقال مسؤول لجنة الاستخبارات، الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لموقع BuzzFeed: “تنظر اللجنة في اتباع نهج تشريعي مماثل للمطالبة برفع السرية عن تقرير مُصنَّف عن مقتل خاشقجي قدمه مكتب مدير الاستخبارات القومية للكونغرس في فبراير/شباط 2020. وسيتطلب التشريع قيد النظر من مكتب مدير الاستخبارات القومية، رفع السرية عن هذا التقرير، بما يتفق مع أحكام قانون إقرار ميزانية الدفاع الوطني لعام 2019 و[قانون تفويض الاستخبارات] التي تشترط من مكتب مدير الاستخبارات القومية تقديم تقرير غير مُصنَّف بالسري للكونغرس”.
من جانبه، أعرب متحدث باسم مكتب مدير الاستخبارات الوطنية عن اعتقاد المكتب بأنَّ “رده يلبي طلبات الكونغرس المحددة. وقال إنَّ الأحكام الواردة في قانون ميزانية الدفاع سمحت بتقديم ملحق سري وتقرير يحمي المصادر والأساليب الحساسة التي يستخدمها مجتمع الاستخبارات. وكتب نائب مساعد مدير الاستخبارات الوطنية للاتصالات الاستراتيجية، مات لار: “لقد زوَّد مجتمع الاستخبارات لجان الرقابة لدينا باستمرار، بجميع المعلومات الاستخباراتية ذات الصلة. وهذا السؤال بالتحديد يطلب منا إتاحة هذه المعلومات للجمهور، وهو ما لا يمكن فعله من دون تعريض المصادر والأساليب الاستخباراتية للخطر”.
المشرّعون جادون في تحركاتهم، ويجادلون الاستخبارات
لا يتفق المشرعون مثل شيف ومالينوفسكي مع ادعاء الاستخبارات بأنها أوفت بالتزاماتها بموجب القانون، كما أنهم يجادلون بأنه يمكن رفع السرية عن الملحق دون الإضرار بالمصادر والأساليب.
ويرى شيف بأنه يمكن رفع السرية عن الملحق، مع تصويبات مناسبة، بما لا يغير أو يحجب بأي شكل من الأشكال النتائج التي توصلت الاستخبارات، أو تحديد الأشخاص المعنيين، حسبما يقتضي القانون.
يقول شيف: “الفشل في رفع السرية عن المرفق وإصدار تقرير غير مصنف يمكن أن يثير مخاوف من أن الاستخبارات تستخدم عملية التصنيف بشكل غير مسموح به من أجل حماية المعلومات ذات المصلحة العامة، من النشر العام”.
ويرغب السناتور في ولاية أوريغون رون وايدن، وهو عضو ديمقراطي منذ فترة طويلة، وشارك في جهود رفع السرية عن الصفحات الـ28 الخاصة بهجمات 11 سبتمبر/أيلول، في أن يخطو خطوة للأمام في هذا الشأن من خلال تفعيل آلية نادراً ما تُستخدَم، وهي تسمح لمجلس الشيوخ بنشر معلومات سرية. وفي هذه الحالة، ستحتاج لجنة الاستخبارات -وربما مجلس الشيوخ بأكمله- إلى موافقة من أعضاء الحزبين على أن الكشف عن المعلومات سيصب في المصلحة العامة. ومع ذلك، غاب أعضاء مجلس الشيوخ عن مبنى الكابيتول بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد؛ مما أدى إلى تأخير بدء هذه العملية.
أحدهم يعمل على قانون آخر.. يمنع المسؤولين السعوديين من دخول أمريكا
من ناحية أخرى، قرر السيناتور توم مالينوسكي، وهو مسؤول كبير سابق في وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي، سلوك طريق مختلف. وقال إنه تحدث مع وزارة الخارجية بشأن تطبيق قانون موجود بالفعل يمنع المسؤولين الأجانب الذين ارتكبوا انتهاكات تتعلق بحقوق الإنسان من دخول البلاد. ويريد مالينوفسكي منع أي مسئولين سعوديين على صلة بوفاة خاشقجي من الحصول على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة، لكنه قال إنه لم يتلق رداً من الوزارة إلى الآن.
ولم ترد وزارة الخارجية مباشرةً على طلب بالتعليق. وأضاف مالينوسكي أنه “سيدعم بالتأكيد” طرح آدم شيف تشريعاً جديداً بخصوص مقتل خاشقجي، وقال إنه تحدث إلى النائب الديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا وموظفيه بعد تلقيهم للملحق السري في فبراير/شباط. وتابع مالينوسكي: “لقد شجعناهم على متابعة المسألة”. لكن مالينوسكي، الذي يفضل اللجوء إلى تشريعات ملزمة، أشار إلى صعوبة تمرير مشاريع القوانين خلال الجائحة الحالية. (إذ ليس لدى مجلس النواب حالياً خطط للعودة إلى واشنطن، لكنه أنشأ لجنة من الحزبين لإلقاء نظرة على إمكانية التصويت عن بُعد).
في حين لم يقل النائب الجمهوري عن ولاية كنتاكي توماس ماسي، الذي كان مؤيداً صريحاً للإفراج عن الصفحات الـ28، ما إذا كان سيدعم تشريعاً جديداً من آدم شيف يتعلق بوفاة خاشقجي. لكن ماسي، الذي شارك في رعاية قرار في أوائل عام 2015 يحث إدارة أوباما على رفع السرية عن الصفحات الـ28، أعرب عن دعمه التدابير المتعلقة بالميزانية التي ذكرها شيف. يُذكر أنَّ لجان الاستخبارات في الكونغرس تتولى كل عام مسؤولية إقرار التمويل للوكالات الاستخباراتية في البلاد.
دور الجمهوريين في حملة الضغط
سوف يحتاج أي تشريع جديد إلى دعم من الحزبين للوصول في النهاية إلى مكتب الرئيس -أو ممارسة ضغط عام كاف على الإدارة لإعادة النظر فيه- بينما يسيطر الجمهوريون على مجلس الشيوخ. ومن غير الواضح كم عدد الجمهوريين الذين قد يدعمون مشروع قانون جديد يدعو الاستخبارات لرفع السرية عن تقرير خاشقجي، لكن جهود الـ28 صفحة حظيت بدعم واسع، وقد انشق العديد من أعضاء مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري بشأن مسألة خاشقجي.
في ديسمبر/كانون الأول 2018، بعد شهرين من وفاة خاشقجي، تلقى أعضاء مجلس الشيوخ إحاطة خاصة من وكالة المخابرات المركزية حول مقتله، وألقى العديد من الأعضاء باللوم على ولي العهد محمد بن سلمان. ثم صوت المجلس بالإجماع لإدانة دوره في المخطط. كما صوت أعضاء مجلس الشيوخ، بمن فيهم سبعة جمهوريين، على إنهاء الدعم الأمريكي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن.
وقال السيناتور ليندسي غراهام في ذلك الشهر: “ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عبارة عن كرة حطام، وأعتقد أنه متواطئ في قتل خاشقجي إلى أعلى مستوى ممكن”.