عام على غزة..بين صرخات لا تُسمع وصمودٍ لا يكسر
على الهواء مباشرة يحترق سكان الخيمة إثر قصف صاروخي لم يستأذنهم..وقبل هذا الموت الحي تقطع المذيعة حديث ضيوفها لتخبرنا بأن شريط الأخبار لا يزال أحمرا منذ عام، فنخرج منهكين ومثقلين بالعبارات ذاتها التي رافقتنا طوال العام هم ليسوا أرقاما وإيّاك أن تعتاد المشهد..
والغريب أن التغطية لاتزال مستمرة من غزة منذ 369 يوما من تلك البقعة التي لا تتجاوز مساحتها 365كم
ومن فنلندا إلى غزة نفتح هذه المساحة لأهلها و لمن يعيشون بيننا فيما يتلمسون وجع أهل القطاع من بعيد.. وجع أهلهم أحياء وشهداء.. وحديث من القلب..لتكون الكلمة الأولى فيها للمتضامنة البريطانية راشيل هورويتز والتي عجزت في بداية حديثها عن إيجاد كلمات مناسبة للتعبير عن ما حدث لأهل غزة خلال العام .
واكتفت راشيل بقولها “أن ما حدث في العام الماضي أمر مشين، وأن مقتل الكثير من الناس في غزة أمر مروع، متمنية أن يتوقف هذا قريباً وأن يُحاكم كل من ارتكب أي جرائم” .
وفي حديثنا معه عن معاناة غزة، أشار الكاتب الفلسطيني سليم الزريعي إلى عجز اللغة رغم ثرائها أن تحيط بما عاناه وما يزال يعانيه أهل غزة، الذين وجدوا أنفسهم بعد حصار استمر 17 عاما، في معتقل كبير، في مواجهة حرب إبادة تستهدف الإنسان الفلسطيني في ذاته باعتباره هدفا، لأنه من الصعب تصور معنى الحياة فيما يلقي الكيان الصهيوني على أهل غزة عشرات آلاف الأطنان من المتفجرات.. فيما بلغت نسبة الفقر 100 % ولذلك كان هناك مخططا صهيونيا لجعل الإنسان الفلسطيني يموت جوعا ، كي تقول له إن الحياة في غزة باتت مستحيلة لدفعه للهجرة ، ولكنه مع ذلك يقول نموت ولا نرحل أو نهاجر.. وفيما يموت الأطفال جوعا سقط العالم في امتحان الإنسانية في عزة..
وخاطب الزريعي أهل غزة بقوله : “يا أهلنا في غزة كل الكلام يصبح تافها أمام نبل حزنكم وألمكم وصبركم وتحملكم.. فيما أنتم تقولون ما قاله صاحب هذا المنزل الذي دمر واستشهدت أسرته فيما هو يصر على أن تستمر في غزة الحياة ..مقطع من قصيدة ” ليس بهذا الثمن”
ويتساءل صوت جديد لشهيد حي يجلس على أنقاض بيته..
ماذا يساوي المال؟ نقدا أو ذهبا عند فقد رغيف الخبز؟
وماذا يساوي كل المال أمام شربة ماء نظيفة؟
وماذا يساوي الذهب ودار صباك وشبابك
ألتي كانت شاهدا على أحلام
رسمتها بلا نهاية عبر امتداد أطفالك قي الزمان
وذكرياتك المحفورة في الذاكرة كالوشم
لصراخ طفلك الأول البكر
يعانق الحياة في دارك التي باتت أطلالا
بعد أن اغتالها صاروخ أو قذيفة..؟
وهي التي كانت مقاما وسكنا
بينما يداهمك شريط الذكريات الموجعة..
في .. هذا الركن من بقايا البيت
الذي كان عامرا ببنات وبنين
كانت أمي تستقبل القبلة وتصلي
وفي تلك الزاوية زرعنا شجرة زيتون
باتت الآن أثرا بعد عين ..
وهنا خلف بقايا هذه النافذة زرعنا نبته ياسمين
وتحت بقايا تلك النخلة قلنا سنزرع
باسم كل مولود جديد غرسة تين
لكن.. ذهب البيت، وأهل البيت
وبقيت الذكريات وإصرار على أن
تستمر الحياة
في مواجهة حرب الإبادة”
عذرا أهل غزة، نحن صغار جدا أمام هذا الدم والوجع النبيل والعزة لغزة وأهلها.
وترى الصحفية الفلسطينية هناء يونس..أن وهم المناصرة بعد عام من الإبادة، هو سبب من أسباب استمرار الإبادة حتى اليوم في غزة، فأين المساحات الآمنة كما يدعون..وأين سقف الممكن في حرب لا تعرفه .. ويكفي أن تتخيل أنهم يعيشون حياة لا يمكننا تحمل مشاهدتها على شاشات التلفاز بينما يتنافس المحللون العسكريون والسياسيون على تحليل الموت المؤكد في غزة..
وتوقف الكاتب لؤي عوض الله عند رسائل الشجب والاستنكار قائلا: “دائما ما كنا نتساءل هل الشجب والتنديد هو أقصى ما يمكن أن تقوم به الدول العربية، عند قيام الكيان الصهيوني بجرائم ضد شعبنا الفلسطيني رغم امتلاكهم أوراق الضغط الفعالة.
وأشار عوض الله إلى أنه الآن وبعد مرور عام على الإجرام والإرهاب الصهيوني في غزة وعلى شعبها، بدأنا نفهم السبب وراء اختفاء تلك البيانات الرنانة من إدانات صادرة من هنا وهناك, لوزراء خارجية ورؤساء دولهم لتتأكد لدينا الشكوك والتي كانت تراودنا من حين لآخر بأن الخيانة متجذرة فيهم منذ ظهورهم على خارطة الكرة الأرضية، وان الأنظمة العميلة ساهمت بدورها في تأسيس الدولة المسخ منذ أن وطأت أقدامهم ترابها لتنجسه والثمن دم أبنائها والتهجير والتدمير، يبدو أن ما حدث في السابع من أكتوبر كان ضروريا ليفضح حجم التآمر العربي قبل الغربي المتشدق بحقوق الإنسان والديمقراطية وحرية الرأي والتي تلاشت عندما اصطدمت بمصالحهم ولينهمر الدعم من كل حدب وصوب بجميع أنواعه العسكري في المقام الأول والمعنوي والاقتصادي والاستخباراتي وتسخير كل الإمكانيات المتاحة دون أي مواربة وفي تحدي وتبجح غير مسبوق والذي دونه لن تجد لهذا الكيان قائمة لينهار في وقت قياسي، ومهزلة أممية لمنظومة مـأزومة تتلقفها ٥ دول لتتحكم في مصير شعوب العالم حينا بحسب مصالحها وتوجهاتها وتحالفاتها وتارة لتصفية حساباتها فيما بينها، لتصدر قرارات بعد جولات وصولات واعتراضات خاوية من مضامينها لإيقاف حرب لا مثيل لها منذ عقود لم تميز بين الأحياء والأموات في قبورهم، وبين طفل ولد منذ سويعات او أيام او ممن حوله من أقرباء وربما غرباء لا شيء يربطهم سوى سقف وحائط جمعهم ظنا منهم أنه سيحميهم من صاروخ او اكثر ليغشاهم دون سابق انذار، لتختلط اشلائهم ببقايا الردم ودمائهم وفتات بضع أرغفة فرحوا بها لكن الفرحة تناثرت مع بقاياهم، مشهد تكرر على مدى عام كامل وكأنه أصبح مألوفا لمن يرونه ولا يعيشونه، وكأنه من المفترض على الفلسطيني أن يتعايش معه كواقع طبيعي، دمر الكيان المسعور ٨٠ % من غزة وقتل الالاف من المدنيين ثلثيهم نساء وأطفال ، وجوع وعطش واعتقل وعذب وهجر ومنع الدواء والمستلزمات الطبية ولم تبقى نقيصة الا مارسها في حق الشعب المكلوم والمخذول، تحمل مالا تطيقه الجبال ، صرخاته لم تعد تسمع ولم تعد تتجاوز حنجرته لذلك لم يعد ينوح او يبكي بل ليكفكف دمعه ويكتم اهانة ويلملم جراحه رغم آلامه ويدفن شهداءه دون أن يلتفت وراءه وانما يرفع عينيه إلى السماء للدعاء حيث هناك يستمع نجواه دون نداء بكلمات بل تمتمات متلحفهةبأمل وبقايا روح تائهة في معمعة أثقلت كاهل صاحبها فما حدث ويحدث في غزة هو جريمة حرب بكل المقاييس
وختم عوض الله حديثه بتحية وجهها لأهل غزة بقوله لم يصب أهل غزة لا بهشاشة العظام، ولا بهشاشة الانتماء، فأهلنا ما زالوا على قيد المحبة لوطنهم ، ولنا ذاكرة عربية فلسطينية تأبى أن تغفر، وتأبى النسيان.
واختارت داليا غريب أن تشكر أهل غزة على صمودها، فشكراً وألف شكر غزّة على شهادةٍ حيةٍ على قوة الإيمان. رأينا فيكِ كيف يتحول اليأس إلى أمل، والألم إلى قوة، فبارك الله في صبركم وعزّكم