عدوانية ترامب سلاحه لشحن بطاريات مناصريه، لكن ماذا عن الأغلبية الصامتة التي يحتاجها للفوز؟
ربما لا تكون المناظرة الأولى بين دونالد ترامب وجو بايدن قد غيّرت شيئاً يذكر في السباق الانتخابي الذي تظهر استطلاعات الرأي أن بايدن يتقدم بشكل واضح، ويبدو أن الحسم يملكه قطاع الناخبين المستقلين الذين لم يقرروا بعد، فكيف جاء رد فعل هؤلاء على المناظرة؟
وكالة The Associated Press الأمريكية نشرت تحليلاً بعنوان: “ترامب يستخدم نبرة تصد الناخبين الذين يحتاج إليهم”، ألقت الضوء على التأثير المتناقض لعدوانية ترامب وألفاظه الحادة وهجومه الشخصي على منافسه، فهذا الأسلوب يعجب مناصريه لكنه ينفر المستقلين.
الطبع يغلب التطبع
كان من المفترض أن يجعل الرئيس دونالد ترامب أول مناظرة رئاسية عامة عن منافسه الديمقراطي جو بايدن، ولكنه بدلاً من ذلك، وكما يفعل أغلب الوقت، جعلها عن نفسه.
لجأ الرئيس من البداية إلى نبرة تجعلها واحدة من أقبح المناظرات الرئاسية العامة في ذاكرة التاريخ الحديث، ما أغضب بايدن بسبب مقاطعة ترامب له مراراً وتكراراً، وتراوح رد فعل بايدن بين تجاهل الرئيس وإظهار غضبه المتزايد بشكل واضح، واضطر منسق المناظرة كريس والاس إلى التدخل وتحذير ترامب أكثر من مرة ومناشدته للسماح لمنافسه بالحديث.
ربما يبدو موقف ترامب العدواني جذاباً لمؤيديه المتحمسين، ولكن بنهاية المناظرة، لم يكن من الواضح إن كان ترامب نجح في اكتساب أي أرضية لتوسيع ائتلافه أو كسب أصوات الناخبين المترددين، خاصة فئة النساء البيض المتعلمات والمستقلين الذين صدّهم أسلوب ونبرة ترامب على منصة المناظرة.
وقال أليكس كونانت، المستشار الاستراتيجي الجمهوري: “احتاج ترامب إلى إقصاء بايدن بالضربة القاضية، ولكنه ربما ذكر الناخبين المستقلين بأسباب انقلابهم عليه”.
قضايا حساسة وخطيرة.. ولكن
ورغم مجموعة القضايا المعقدة والموضوعية في أجندة النقاش؛ مثل المنصب الشاغر في المحكمة العليا، واستجابة الحكومة لجائحة فيروس كورونا، وقضايا التمييز العنصري ووحشية الشرطة، ظهر الاختلاف الكبير في رؤى المرشحين من خلال ازدرائهما الواضح لبعضهما البعض.
وكان أكثر تبادل نقاشي لفتاً للنظر في هذه الليلة عندما لم يُقدم ترامب على إدانة جماعات التفوق العرقي الأبيض بوضوح، وعندما طلب منه بايدن توجيه كلمة إلى منظمة “Proud Boys”، وهي مجموعة من الفاشيين الجدد من الذكور فقط يصفون أنفسهم بأنهم “شوفينيون غربيون” ومعروفون بالتحريض على العنف، استجاب الرئيس بشكل محير جداً؛ إذ قال ترامب: “Proud Boys، تراجعوا، واستعدوا”.
وظهرت أيضاً فجوات صارخة في الخطوط العريضة لمخططات ترامب للتعامل مع مستقبل تغطية الرعاية الصحية في أمريكا والسيطرة على الوباء الذي أودى بحياة أكثر من 200,000 شخص في الولايات المتحدة هذا العام، كما رفض الاعتراف بمسألة التغير المناخي، رغم احتدام حرائق الغابات في الغرب خلال الآونة الأخيرة.
الرئيس لا يزال متأخراً في السباق
ورغم كل التحديات السياسية التي واجهها ترامب هذا العام العصيب، اختار ترامب على مدار العام أن يشن هجوماً مستمراً على بايدن.
والنتيجة: مع تبقي خمسة أسابيع تفصلنا عن يوم الانتخابات والتصويت الجاري بالفعل في بعض الولايات الرئيسية، لا يزال ترامب خلف بايدن باستمرار في استطلاعات الرأي الوطنية، كما يحتل بايدن الصدارة في بعض الولايات الرئيسية والمهمة، بينما تبدو الأصوات متقاربة جداً في بعض الولايات الأخرى.
ومع نفاد الوقت لتغيير مسار السباق، وصل ترامب إلى المناظرة متسلحاً بالهجوم المتواصل على خصمه. إذ أطلق وابلاً من تهم الفساد ضد نجل بايدن بسبب عمله في أوكرانيا، إلى جانب معاناته من الإدمان، حتى إنه في إحدى المرات قال ترامب موجهاً كلامه لبايدن: “لا تحاول أن تستخدم ذكاءك معي، إنك لست ذكياً على الإطلاق”.
ورد بايدن على هجمات الرئيس مراراً وتكراراً باستخدام كلماته الخاصة؛ واصفاً ترامب بـ”المهرج”، و”العنصري” و”الكاذب”. وفي مرحلة ما عندما واصل ترامب مقاطعة بايدن، صرخ فيه بايدن قائلاً: “ألا تصمت يا رجل؟”.
بايدن أيضاً لم يكن متألقاً
ومما لا شك فيه أن هذه المناظرة منخفضة المستوى تلقي بظلال الشك على بايدن أيضاً، الذي تحتاج حملته إلى إقبال قوي من الناخبين الشباب والسود وأصحاب الأصول اللاتينية، وهي الجماعات ذات معدلات الإقبال المنخفضة بشكل عام، لتحويل تقدمه في استطلاعات الرأي إلى انتصار في انتخابات نوفمبر.
ولكن بدا نائب الرئيس السابق مدركاً لحاجته إلى تجاوز ترامب والتحدث إلى تلك الفئات من الشعب الأمريكي عندما تُتاح له الفرصة، في بعض الأحيان، كافح بايدن لتجاهل هجوم ترامب ووجه كلامه مباشرة للكاميرا وملايين الناخبين الذين يشاهدون المناظرة في منازلهم.
عندما حاول ترامب توجيه تهم الفساد التي لا أساس لها ضد نجل بايدن، قال نائب الرئيس السابق إن القضية والمناقشة لا تتعلق بعائلته أو عائلة ترامب، ثم تحول إلى الكاميرا مخاطباً المشاهدين: “بل تتعلق بعائلاتكم”.
لم يبذل الرئيس أي جهد حقيقي في محاولة التحدث إلى كل الأمريكيين، لا سيما من عارضوا رئاسته بشدة ويرون أن توليه فترة رئاسة ثانية يمثل تهديداً للأنظمة الديمقراطية في البلاد، كما لم يسع بأي شكل إلى التفكير في ضحايا فيروس كورونا الذي توفوا هذا العام، مصراً فقط على أن عدد الضحايا سيكون أعلى بكثير إذا كان بايدن في منصب الرئيس.
يبدو أن النتيجة النهائية للمناظرة لم تترك مجالاً كبيراً للإعجاب بالرئيس، بما في ذلك بعض حلفاء ترامب الذين اعترفوا فيما بينهم أن الرئيس كان عدوانياً للغاية، ولكن يصر بعض مؤيديه المتحمسين في العلن على أن الشعب الأمريكي حصل على ما يريد من الرئيس في تلك المناظرة.