عزلة لبنان المالية.. كيف ضربت الأزمة الاقتصادية قطاع البنوك في مقتل؟

يبدو أن الأزمة السياسية الحالية في لبنان لن تقف حدودها عند الخلاف بين الفرقاء السياسيين، بل وصل مداها إلى الاقتصاد الذي بات يتهاوى بشكل مخيف، والذي قد يُدخل البلاد في حالة كبيرة من التدهور والانحدار، وربما الإفلاس.

وبسبب الأزمة الاقتصادية الراهنة، قرر عدد من البنوك الأجنبية، من بينها “إتش.إس.بي.سي” و”ولز فارجو” قطع العلاقات مع مصرف لبنان المركزي، مما يسلط الضوء على عزلة دولية يعيشها البلد في خضم أزمة اقتصادية، بحسب مصادر لوكالة رويترز.

وكان رياض سلامة، حاكم البنك المركزي، حذر في خطاب للمدعي العام اللبناني الأسبوع الماضي، من أن بنوك المراسلة الأجنبية تشرع في تقليص علاقتها بالنظام المالي المحلي، في حين أغلق “ولز فارجو” حساباً دولارياً للبنك المركزي، وأغلق “إتش.إس.بي.سي” حسابه بالجنيه الإسترليني، وذلك بحسب ثلاثة مصادر من القطاع المصرفي والقضاء.

لبنان بيروت ألمانيا
الرئيس اللبناني العماد ميشال عون مع رئيس تيار المستقبل سعد الحريري/رويترز

وقال مصدر قضائي إن سلامة تحدث عن “صدمات سلبية” في العلاقة بين البنك المركزي وبنوك المراسلة الأجنبية، وهو ما قال إنه سيجعل من الصعب على لبنان تحويل المدفوعات الأجنبية واستيراد السلع الأساسية.

ولم يرد البنك المركزي على طلب للتعقيب. وامتنع “ولز فارجو” و”إتش.إس.بي.سي” عن التعليق.

وقالت مصادر مصرفية إن البنكين، إلى جانب بنك أوف أمريكا ودويتشه بنك، كانا من البنوك التي قلصت أيضاً أنشطتها مع البنوك اللبنانية في مجالات مثل المدفوعات العابرة للحدود وخطابات الاعتماد.

لكن المصادر قالت إن بنوكاً أخرى مثل جيه.بي مورغان وبنك أوف نيويورك ميلون وسيتي وكومرتس بنك مازالت نشطة.

وامتنع دويتشه بنك وجيه.بي مورغان عن التعليق. ولم ترد البنوك الأخرى حتى الآن على طلبات للتعقيب.

حذر

تتوخى البنوك الأجنبية الحذر تجاه لبنان منذ تعثر الحكومة في سداد ديونها العام الماضي، وصارت أكثر قلقاً مع انهيار العملة وأزمة في تشكيل الحكومة الجديدة تفاقمت خلال الأشهر الأخيرة، مما يبدد الآمال في إنعاش محادثات تمويل مع صندوق النقد الدولي.

وقال أحد المصادر، وهو مصرفي كبير: “في هذه البنوك، عندما يبحثون في جوجل عن “لبنان” ويرون المستويات المنخفضة للاحتياطيات الأجنبية والتعثر في السداد… وتضرر السمعة والفساد وهذا الوضع المثير للاشمئزاز الذي نعيشه، فماذا عساهم قائلون؟ بالطبع يقولون إن من الأفضل عدم التعامل معهم”.

وتدور تقديرات المصرفيين لفاقد أنشطة البنوك الأجنبية منذ 2019 بين 20 و80%.

لبنان ألمانيا بيروت
الأزمة الاقتصادية أدت إلى تراجع القدرة الشرائية لمعظم اللبنانيين/رويترز

وتأتي تحذيرات سلامة في وقت يواجه فيه تدقيقاً متزايداً، سواء في الداخل أو في أوروبا، بخصوص دوره في الأزمة المالية. وثمة تحقيق سويسري مرتبط بمصرف لبنان المركزي.

وفي كلمة في وقت متأخر من الأربعاء، ألقى الرئيس ميشال عون بالمسؤولية على البنك المركزي في الانهيار المالي وتعطل تدقيق جنائي ضروري للحصول على مساعدات خارجية.

ولم يرد البنك المركزي على تصريحات عون.

وأضاف مصدر قضائي أن خطاب سلامة أورد أن جيه.بي مورغان مازال يقدم خطابات اعتماد ضرورية لمساعدة لبنان على استيراد الوقود وسلع أخرى. وامتنع جيه.بي مورغان عن التعقيب.

لكن دعم السلع الأساسية، الذي تغذيه الاحتياطيات الأجنبية الشحيحة، غير مستقر بالفعل. وقال وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال لرويترز هذا الأسبوع إن الأموال المخصصة لتمويل واردات القمح والوقود والأدوية ستنفد بنهاية مايو/أيار.

وقال خالد عبدالمجيد، مدير صناديق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى شركة استشارات الاستثمار سام كابيتال بارتنرز في لندن: “في ظل هذا الوضع، انسحاب بعض البنوك من لبنان ليس مفاجأة. السؤال يتعلق أكثر بعدم وجود أموال لشراء أي شيء. أعتقد أن بلوغ هذه المرحلة سيكون قبل انسحاب البنوك الأخرى”.

خطر

تفيد أحدث البيانات من بنك التسويات الدولية بأن ودائع البنوك اللبنانية لدى بنوك نشطة دولياً بلغت 16.7 مليار دولار في نهاية سبتمبر/أيلول 2020، وهو أقل من نصف مستواها قبل ذلك بعامين.

وأظهرت الأرقام أن الجزء الأكبر من الودائع تحتفظ به بنوك من سويسرا، ثم بريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا.

تحاكي أزمة لبنان ما تعيشه فنزويلا التي تتخلى عنها البنوك الدولية أيضاً في وقت يكابد فيه البلد أزمة اقتصادية وعقوبات.

وبسبب دور حزب الله المدعوم من إيران في لبنان، تُعتبر بعض بنوك البلاد منذ وقت طويل مكمن خطر بالنسبة للبنوك الدولية، إذ يواجه بعضها عقوبات أمريكية على خلفية التعامل مع إيران.

مؤسسة القرض الحسن التابعة لحزب الله أصبحت آلة لتقديم قروض بدون فوائد تعجز الدولة اللبنانية نفسها عن تقديمها/ مواقع التواصل

وزاد الإحجام عن المخاطرة بعدما تدهور تصنيف لبنان الائتماني السيادي في السنوات الأخيرة، إذ يتنامى القلق حيال القدرة على خدمة الدين العام. وتحوم نسبة دين لبنان إلى الناتج المحلي الإجمالي قرب 200% حالياً.

ومنذ ذلك الحين، تتبادل الدولة المثقلة بالديون والبنك المركزي الاتهامات بالمسؤولية عن الأزمة، الأسوأ للبنان خلال عقود.

وحالت البنوك المصابة بحالة من الشلل – وهي أكبر دائني الحكومة – بين المواطنين وودائعهم بموجب قيود غير رسمية على حركة رؤوس الأموال مفروضة دون تشريع منذ أواخر 2019، مما أضر بصورة القطاع المصرفي اللبناني كدعامة للاستقرار.

وقال مصرفي كبير إن بعض البنوك الأصغر حُرمت من علاقات المراسلة المصرفية، مما جعلها تعتمد على بنوك لبنانية مازالت تحتفظ بمثل تلك العلاقات إذا أرادت، على سبيل المثال، تسوية تحويل دولي دولاري.

وقال المصرفي نفسه إن بنوكاً عديدة ممنوعة من فتح خطابات اعتماد مع البنوك الأجنبية، إذ يتعين عليها تقديم ضمانات مقابل كامل مبلغ التسهيل.

وعلى الرغم من ذلك، قال مصدر بأحد أكبر البنوك اللبنانية لرويترز إنه لا يواجه أي صعوبات مع بنوك المراسلة. وقال مصدر مصرفي آخر: “نحن على ما يرام حتى الآن… لكن إذا توقف عدد كبير من بنوك المراسلة عن العمل مع البنوك اللبنانية، فسنواجه مشاكل خطيرة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى