“فريكست”.. هل يمكن لفرنسا حقاً الخروج من الاتحاد الأوروبي كما فعلت بريطانيا؟ الأصوات المؤيدة تتعالى
“فريكست.. لم يفُت الأوان بعد أمام فرنسا”
في ضوء تخلُّف الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون في استطلاعات الرأي عن مارين لوبان -غير الودودة تجاه الاتحاد الأوروبي- قبل انتخابات الرئاسة العام القادم، يقول بارنييه: “يمكننا استنباط بعض الدروس عن بريكست لإفادتنا. لقد تأخر الوقت كثيراً لبريطانيا، لكن ليس لنا”.
وفي حديثه في مؤتمر حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ومستقبل الاتحاد الأوروبي في بلدية لو توكيه الفرنسية، حذَّر بارنييه من أنه “يجب تعلم الدروس من العوامل التي أدت إلى النتيجة 52-48 عبر قناة المانش”، (في إشارة إلى نتيجة التصويت البريطاني لصالح الخروج من الاتحاد).
وورد أنه أخبر وفوداً سياسية: “يمكننا أن نجد، ليس فقط في المملكة المتحدة، بل هنا في فرنسا، في المناطق الشمالية والشرقية… مواطنين يريدون مغادرة الاتحاد الأوروبي”.
وأضاف بارنييه: “يقولون إنَّ الاتحاد الأوروبي لم يستجب للرغبات المشروعة للمواطنين، ويمكننا القول إنَّ هناك اضطرابات اجتماعية، أو غضباً؛ لأنه لا توجد حماية للحدود الخارجية، بحسب رأي البعض، فإنَّ تدفقات الهجرة تؤثر فينا. وغالباً ما تُنتَقَد أوروبا أيضاً بسبب الروتين والتعقيد الذي تتسم به”.
واقعية خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي بعد المعركة التي خاضتها بريطانيا
لكن في حين أنَّ الاستياء من المشروع الأوروبي لا يزال مجرد مناقشات على أقصى طرفي الطيف السياسي في فرنسا، هدأ في السنوات الأخيرة الحديث الأكثر جدية عن مغادرة الاتحاد، بعدما كان في يوم من الأيام مهماً بما يكفي لكي يُقِّر ماكرون في عام 2018 بأنَّ الناخبين في بلاده إذا طُلِب منهم الاختيار مثلما حدث في المملكة المتحدة في عام 2016، فقد يعطون نفس الإجابة (أي الموافقة على الانسحاب من الاتحاد).
وعلى نحو لافت للانتباه، توقفت مارين لوبان، التي أطلقت على نفسها ذات مرة اسم “مدام فريكست”، عن حملتها الرامية لتحقيق هذه النتيجة بحلول موعد الانتخابات الرئاسية لعام 2017، وبدلاً من ذلك تدعو إلى إنشاء “أوروبا من دول”، وهو اسم قريب من ائتلاف الساسة اليمينيين المتطرفين المتشككين في الأوروبانية والمناهضين للهجرة الذي ساعدت مارين في تشكيله في البرلمان الأوروبي عام 2015.
وتحت هذا الغطاء، تدعي أنها تسعى إلى “تعديل جذري” للكتلة؛ وذلك بإلغاء المفوضية الأوروبية “غير الديمقراطية” وتنفيذ السياسات الحمائية التي تقول إنها كانت مستوحاة جزئياً من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
وتقول الصحيفة البريطانية، إن هذا الانخفاض الواضح في قيمة “فريكست” كعملة سياسية، يُعزَى إلى المشاكل التي جلبها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وفي الوقت الذي كابدت فيه رئاسة وزراء بريطانيا مللاً ساحقاً من محاولات التوصل إلى اتفاق انسحاب مناسب في عام 2019، اقترح مدير التحرير في صحيفة Le Monde، سيلفي كوفمان، أنَّ “خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي جعل فريكست مستحيلاً”، وضاراً سياسياً، لدرجة أنَّ لوبان استغرقت عاماً “للتعافي” من مناظرة “سحقها فيها ماكرون بإثبات مدى افتقار فكرتها عن الفردوس الفرنسي خارج منطقة اليورو للتناسق”.
لكن على الرغم من اضطرار مارين إلى إعادة ابتكار صورتها العامة بصفتها إصلاحية، لا يزال مدى عمق هذا التحول غير واضح. واقترحت في فبراير/شباط أنَّ “بريطانيا العظمى ربما تستطيع الانضمام إلينا بمجرد أن نبني شيئاً تحافظ فيه كل دولة على حريتها”، ومضت لتصف الكتلة بأنها “سجن”، سواء كان بإمكان الدول الأعضاء اختيار المغادرة أم لا.
الفرنسيون يتطلعون بحذر لتجربة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي
وبينما لا يزال يتعين رؤية نطاق إرث خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بما يحمله من تحذير للدول المتشككة في الاتحاد الأوروبي -إذ لم تتكشف بعد الآثار طويلة الأجل على التجارة والتمويل والقطاعات الأخرى بالكامل- أعطى انفصال المملكة المتحدة عن الكتلة، ونهاية الفترة الانتقالية، والمفاوضات الطاحنة العلنية في بداية هذا العام لهؤلاء المتشككين العديد من الأهداف الجديدة.
وأحد هذه الأهداف هو إطلاق لقاح فيروس كورونا المستجد، إذ قال زعيم المجموعة السياسية المتطرفة Generation Frexit، تشارلز هنري غالوا، هذا الأسبوع: “إذا كان هناك مثال صارخ على مدى عدم جدوى وضرر الاتحاد الأوروبي، فهو التعامل مع أزمة كوفيد-19. وعلى الجانب الآخر من القناة الإنجليزية، يمكن القول بحق إنَّ أحداث اللقاح هي أفضل إعلان ممكن لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”.
لكن على الرغم من أنَّ الوباء أدى إلى تغييرات واسعة في الأذواق السياسية، يظل تأثيره في التشكُّك الذي يشعر به الفرنسيون تجاه التكتل الأوروبي أقل وضوحاً، فقد أشار استطلاع، في مارس/آذار، أجرته شركة Kekst CNC الدولية إلى أنَّ الناخبين الفرنسيين كانوا أميل لانتقاد تعامل حكومتهم مع طرح اللقاح أكثر من الاتحاد الأوروبي.
علاوة على ذلك، وجد استطلاعان للرأي أجرتهما شركة OpinionWay في مارس/آذار وأكتوبر/تشرين الأول 2020، أنه فيما يتعلق باعتقادات المستجيبين بشأن ما يجب أن تكون عليه أولويات الاتحاد الأوروبي في العقد المقبل، فإنَّ منح الدول الأعضاء مزيداً من السيادة قد انخفض بمقدار أربع نقاط إلى المركز الخامس، ويتقدمه المخاوف بشأن الصناعة والرفاه الاجتماعي ورغبة أكبر في السياسات الحمائية.
ومع ذلك، يبدو أنه سيكون من الصعب تغيير جذور التشكيك في الأوروبانية التي تضرب عميقاً، فقد أشارت استطلاعات رأي أجرتها شركة Redfield and Winton البريطانية، في أغسطس/آب الماضي، إلى أنه لو كان اقتصاد المملكة المتحدة في حالة جيدة بعد خمس سنوات من “بريكست”، فإنَّ نحو 36 % من الفرنسيين سيصوتون لمغادرة الاتحاد الأوروبي؛ أي بزيادة قدرها 3% عن استطلاع أجراه مركز Pew Research Centre عام 2016.
“كل شيء محتمل”
وبالرغم من أنَّ هذا الشعور هو وجهة نظر أقلية، حرص بارنييه على تذكير الأوروبفيليين (عشاق الوحدة الأوروبية) بألا يعتبروا أي مسألة من المُسلَّمات.
وقال بارنييه لصحيفة The Financial Times الأمريكية: “أدرت منذ أربع سنوات ونصف السنة حدثاً بريطانياً كان بعيد الاحتمال، حتى في أعين مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومع ذلك فقد حدث بالفعل، وللأسباب نفسها التي نجدها في فرنسا اليوم، خاصة في أفقر المناطق التي شعرت بأنها مهجورة وغير محمية”.
ومستشهداً بالتهديد الذي يشكله تقدم مارين لوبان التاريخي غير المتوقع في استطلاعات الرأي، أضاف: “نحن في عالم من الأحداث غير المحتملة”.