فشة خلق / لو لم أكن مجرما ..لتمنيت أن أكون مجرما
بقلم / أديب الطهقان
في بداية المقال قد يتسأل البعض لماذا غبت عن الكتابة قرابة الشهرين؟! الجواب هو لسبب قوي حال بيني وبين تذوق الحرف.
وهنا سأروي لكم قصة معجونة بمقادير مضبوطة من المعاناة ، فهيا إلى الكلام ياسادة ياكرام والذي لا يحلو إلا بذكر النبي عليه أفضل الصلاة والسلام.
بعد مشاجرتي ذات مرة مع أحد المواطنين اعتقلت، وتم التحقيق معي في قسم الشرطة ، حيث حُكمت بالسجن لثلاثة أشهر، ولكي أكون صادقاً معكم ، أخبركم بأنني تعمدت الدخول في تلك المشاجرة لغرض في نفس يعقوب .
وبعد ترحيلي للسجن وصولي لإدارته رحب بي الحارس بابتسامة عريضة لم أتوقعها وأُخذت مباشرة إلى المدير وحيث استقبلني في غرفته بالأحضان وبترحيب كبير وكأنني لست بسجين ، تلك الابتسامة الدافئة جعلتني ارتبك وأشك في نواياهم.
أجلسني وسألني بكرم المضيف وبإصرار ماذا أريد أن أشرب فاقترح أن يقدم لي عصير البرتقال الطازج ونصحني بالابتعاد عن المنبهات خوفا على صحتي، الذهول هو سيد الموقف بالنسبة لي مما أرى وأسمع.
ومن بعد ذلك أخذتُ في جولة أشبه بالجولات السياحية ولكن كانت لمرافق السجن والذي يضاهي في رفاهيته فندق 5 نجوم ، فلكل سجين غرفة واسعة بها سرير 3 أمتار أي يتسع لعائلة كاملة دون أن يزعجها الحجم عند الحلم ، وماذا أقول عن الثلاجة ذات البابين والخزانة التي من طابقين والترفيه وما أدراك ما وسائل الترفيه لديهم ملعب جولف مفتوح، صالات للحديد والتدريب للمحافظة على اللياقة وملعب لكرة القدم والسلة والطائرة ومكتبة يصل رفها الأخير حتى السقف وقاعة للاسترخاء وصالة لمشاهدة التلفاز وقاعة لاستقبال الزوار من أقارب وأصدقاء وغرف ملاصقة لزنزانتك أشبه بالجناح إن جاز تسميته بذلك ليقيم فيها من يرغب بزيارتك والإقامة معك لأيام عدة مع توفير الغذاء والدواء ،،
أنت لست بسجين هنا فالجانب النفسي له الأولوية لديهم في التعامل معك وهذا يقودنا إلى الوحدة الطبية والنفسية لرعايتك وعلاجك على أحدث طراز..وأما بالنسبة لوجبات الأكل المقدمة فالبوفيه مفتوح لثلاث وجبات يومية مدروسة طبيا لزيادة السعرات الحرارية والكميات ومطهوة من أمهر الطهاة العالميين…مهما وصفت وذكرت ما رأيت بأم عيني فإن الكلمات تقف عاجزة والعقل يضيع ما بين علامة تعجب وتعجب، لن يفيدكم ماكتبت حتى تجربوا بأنفسكم يا من تجلسون خارج السجون، لذلك تمنيت منذ ذلك الوقت أن أكون سائحا إن صح الحلم في تلك السجون.
لقد بلغ بعض الأنظمة العربية ومنظوماتها العتة الاستخفاف بالعقول حد الإسراف قد تقشعر الأبدان عندما يتبدد غيم الخيال العلمي مما صور فالسيناريو هزيل جدا والإخراج بائس لقطات لسجن 5 نجوم وما يخفيه خلف قضبانه من رفاهية مفرطة ، ومنه وجدت مفتاحا لأسطري لتنساب تهكما وسخرية والحمد لله وجدنا متنفسا للتهكم والتندر.
ورغم أن التجربة كانت فاشلة في مهمتها بالاقناع فالمخرج فاشل والنص أيضا ، شاهدنا عرضا آخر في سيرك الضحك على الذقون حيث تكرر المشهد عند الشقيقة الكبرى أم الدنيا مصر أو لنقل الدولة المكفولة من شقيقتها المهلكة والسخية بالدفع، لإبقاء الفساد والاستبداد حيثما وجد وخصوصا إذا كان بقاء هذا النظام يخدمهم خدمة العبيد المأجورين لأسيادهم وطبعا تفاوت القدرات والإمكانيات المادية بين الدولتين في دولة نفطية تغدق في الصرف لنشر الأكاذيب وخداع السذج من عبيدها وأخرى تعيش على كفلائها في المنطقة.
ومايجعل المشهد أكثر عبثا وسطحية ، اقتصر المشهد على الكفتة والكباب وعلى صالة للتمرين وأخرى لمشاهدة التلفاز والتي في قناعتي لو كانت موجودة لقلبت العنابر لاستيعاب اكبر عدد من سجناء الرأي والمعارضين والزج بهم في غياهبها.
فالمثير للاشمئزاز من هذه الأنظمة الفاسدة والتي لا ترى شعوبها بشرا وتجردهم من إنسانيتهم وحقوقهم بقمعهم وإذلالهم وجعل أكبر همهم الركض وراء لقمة العيش فقط والبقاء على قيد الحياة، لن يتوانوا في تضييق ظروف السجون على من زج بذنب أو بدونه للتخلص منه لتقليل تكاليفهم وازعاجهم, لن يستطيعوا طمس الحقيقة وإخفائها مهما حاولوا وحتى لو عرضوا مسرحيتهم الهزلية ودعايتهم السمجة والمبالغ فيها والتي لم نشاهدها حتى في السينما الهندية….
فضحت كل ممارساتهم السادية في تقارير الأمم المتحدة والتي أظهرت مدى الإجرام المتأصل في انتهاكاتهم لأبسط حقوق الأدمية بالتحرش والاغتصاب وابتكار طرق للتعذيب أبدعوا فيها حقيقة ولهم فيها براءة اختراع ، لم نسمع سوى التدليس والكذب وتزوير الحقائق.
حاولوا تقليد التجربة السويدية من ناحية السجون لكن في خيالهم وإعلامهم فقط وأما على أرض الواقع لا تصلح إلا لمعيشة الحيوانات من قذارتها وظروفها اللانسانية…مهما حاولوا إخفاء هذه الصورة الحقيقة فلن يفلحوا .
والظاهر للعيان أن هاتين الدولتين فضحتا انتهاكاتهما المثبتة مسبقا، فالضوء مسلط عليهما ولا ننسى دولة الإمارات المتفرقة والتي لا تقل سجونها بشاعة وإجراما بشهادة من قبعوا فيها من الكثيرين لكن التكتيم الإعلامي ومحاربة حرية الصحافة والقبضة الأمنية في أجهزتها القمعية جعل من التسريبات بهذا الخصوص أمر شديد الصعوبة.
إن ما يحدث في السجون العربية استثناء لا يقل في أي دولة قمعية عن أخرى بل إن الأساليب الوحشية والإجرامية ذات منهاج موحد في امتهان كرامة الإنسان وإذلاله ، ولربما نكون تفوقنا فيه بدرجة امتياز على كثير من الأمم فنحن شعوب باسها شديد بينها وإذا حبس الأجنبي عندنا أكرم آخر كرم ولا يلبث إلا قليلا حتى تكشر دولته عن أنيابها وما نحن إلا سباقين بالإعتذار والندم على هذا الخطب الجلل .
فلولا خنوعنا وانسلاخنا عن ديننا وقيمنا ومبادئنا لما استأسد هؤلاء علينا وتجرأ أتباعهم علينا وتمادوا لدرجة الاستعباد فكما نكون يولى علينا…
فهل يا ترى ما حدث فيما يسمى بالربيع العربي كانت سكرات الموت؟ أم مخطط خارجي مدعوم لهدف أكبر وأبعد من رؤية المواطن العربي؟ تقسيم المقسم وتدمير المدمر حتى يرجع الاحتلال دون إراقة الدماء ولكي تستمر مسيره نهب الثروات في إطار جديد وبأقل الخسائر…يبدو أننا مقبلون على زمن لن ننشد فيه بلاد العرب أوطاني وإنما بلاد الغرب أحضاني ودمتم بخير حتى تنتحر العقول من عبودية أفكارها المهترئة والبالية.
المقالة لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي صاحبها