” قراءة بسيطة عن الرسالة الإعلامية البريطانية للإمارات “
جمال جابر الحميدي
الفيلم الذي بثته قناة بي بي سي البريطانية بعنوان “المرتزقة الأمريكان لدى الإمارات في اليمن” يتناول قضية الاغتيالات التي طالت شخصيات سياسية ودينية في جنوب اليمن بعد حرب عام 2015 م .
يخلص الفيلم إلى أن الإمارات العربية المتحدة ، عبر مرتزقة امريكان في شركة سيبر وعبر بعض الأجهزة الأمنية المحسوبة على المجلس الانتقالي الجنوبي كانت مسؤولة عن تنفيذ هذه الاغتيالات .
تقول بي بي سي إن الإمارات كانت تسعى من خلال هذه الإغتيالات إلى تصفية معارضيها ، وفرض نفوذها على جنوب اليمن .
الفيلم تحدث عن معلومات عن هذه القضية ، وقدم صورة موجهة إعلامياً عن دور الإمارات في جنوب اليمن ولطالما عملت جهات سياسية يمنية التأكيد عليها بشتى الطرق والوسائل ومع كل ذلك ، هناك كثير التساؤلات والإنتقادات التي وجهت إلى الفيلم ، منها :
أولاً : عن سبب بث الفيلم في هذا التوقيت :
هناك عدة احتمالات لتفسير توقيت وبث قناة بي بي سي فيلم عن دور المرتزقة الأمريكيين في إغتيالات عدن :
الاحتمال الأول : أن يكون ذلك نوعًا من الإبتزاز البريطاني للإمارات لرفضها القيام بدور معين ، يتصور البعض أنه قد يكون لرفض الإمارات المشاركة في عملية البحر الأحمر ضد الحوثيين ، وفي هذا الإحتمال ، والبعض يضع مثالا اخر ضمن هذا الاحتمال لكن بصورة أخرى وهو أنه قد تكون بريطانيا تحاول الضغط على الإمارات لإجبارها على تغيير سياستها في جنوب اليمن وعدن بالذات ، أو على الأقل لتقليل تعاونها مع الولايات المتحدة الأمريكية .
الاحتمال الثاني : أن يكون ذلك نوعًا من الصراع الأمريكي البريطاني على النفوذ في عدن في هذا الإحتمال ، قد تكون بريطانيا تحاول إثبات دورها في اليمن ، وأنها ليست مجرد تابعة للولايات المتحدة ، وقد تكون أيضًا تحاول إرسال رسالة إلى الولايات المتحدة بأنها ليست راضية عن الدور الذي تلعبه في اليمن .
الاحتمال الثالث : أن يكون الغرض من الفيلم إحراق بعض الشخصيات المحسوبة على الإمارات ، مثل عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ، وفي هذا الإحتمال ، قد تكون بريطانيا تحاول إبعاد الزبيدي عن السلطة ، أو على الأقل إضعافه ، وقد تكون أيضاً تحاول إفساح المجال لظهور شخصيات محسوبة على بريطانيا وأطراف سياسية يمنية أخرى .
الاحتمال الرابع : أن يكون الفيلم اعتراضاً لحدث معين ، مثل تشكيل جهاز أمني معين ، ومن هذا الإحتمال قد تكون بريطانيا ترى أن الجهاز الأمني الجديد لا يخدم مصالحها على المستوى القريب والبعيد ، وقد تكون أيضًا تحاول إرسال رسالة إلى الإمارات بأنها ليست راضية عن هذا التشكيل .
الاحتمال الخامس : أن يكون الهدف من الفيلم تلميع بعض الشخصيات التي ظهرت فيه، مثل أنصاف مايو القيادي الإخواني في حزب الاصلاح اليمني في هذا الإحتمال ، قد تكون بريطانيا تحاول دعم هذه الشخصيات ، أو على الأقل إبرازها .
قد يكون الفيلم نتيجة لمجموعة من العوامل ، بما في ذلك الإبتزاز والصراع على النفوذ وإحراق الشخصيات وإفساح المجال لآخرين وتلميع شخصيات معينة .
ثانياً : مصداقية المصادر والشهود :
إن الفيلم يعتمد على مصادر غير موثوقة ، مثل اعترافات لمرتزقة شركة سبير الأمنية وهذا بدوره يشكك في مصداقية اعترافاتهم أن المرتزق الذي قام بالقتل لأجل المال فليس مستبعدا أن يقوم بإدلاء إعترافات مجانية قد تكون صحيحة فمن الطرف السياسي الذي دفع لهم المال الذي جعلهم يظهرون في شابة بي بي سي وقد الشهادات التي نقلتها قناة بي بي سي كانت لشهود عيان مجهولين وهذا بحد ذاته يفقد التقرير والتحقيق مصداقيته .
ثالثاً : التجيير الإعلامي للصراع السياسي :
أن الفيلم يركز على دور الإمارات دون أن يتناول دور الأطراف الأخرى في الصراع اليمني ، مثل الأطراف السياسية اليمنية الشمالية بشتى مشاربهم وتوجهاتهم واجهزتهم الأمنية والعسكرية واذرعتهم الدينية وكذا الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً .
بشكل عام ، يرى الكثيرين أن الفيلم سعى لتأكيد تورط الإمارات في الإغتيالات التي طالت شخصيات سياسية ودينية في جنوب اليمن ، وأن هذه الإدلاءات لا تزال غير كافية لإثبات هذه الإتهامات بشكل قاطع وواضح ، وترى أطراف أخرى أن الفيلم كان كافياً لإثبات وتأكيد ما كانوا يطرحونه أن الإمارات والمجلس الانتقالي يتحملون مسؤولية الاغتيالات السياسية التي حدثت في عدن ما بعد عام 2015 م .
ختاماً صار جلياً وواضحاً أن حلبة الصراع السياسي والأمني لايراد له إلا أن يكون في الجنوب وهذا يقودنا لتساؤلات عديدة وهي : من المستفيد من كل ما يجري في الجنوب وماهو السيناريو القادم المخطط له من قبل القوى الدولية وماهي خطوط التقاطع بين الأطراف الدولية والأطراف المحلية الشمالية والجنوبية ، ومن الطرف السياسي المستهدف إزاحته ، وماالمفترض القيام به حيال كل ذلك .