قصة تلقي جرعتين من لقاحين مختلفين وتأثير ذلك على المناعة..الحاجة أمّ الاختراع
الاتجاه الأحدث في رحلة التطعيم ضد فيروس كورونا الآن هو إمكانية الخلط بين لقاحين مختلفين في الجرعة الأولى والثانية، فما قصة هذا الخلط؟ وماذا يقول خبراء الأوبئة عنه؟
والمقصود هنا هو أن عدداً متزايداً من الناس يتلقون جرعات متنوعة من لقاحات كورونا، بعد أن كان التوجه العام هو الحصول على جرعتين من نفس اللقاح بفاصل زمني كان ثلاثة أسابيع في البداية ثم رفعته بعض البلاد إلى ثلاثة أشهر أحياناً.
لكن بعد مرور أكثر من 7 أشهر على بداية حملات التطعيم ضد الوباء القاتل، تغيرت كثير من المفاهيم الخاصة بالجائحة نفسها وباللقاحات أيضاً. ومؤخراً تزايد التوجه نحو إمكانية أن يتلقى شخص جرعته الأولى من لقاح ما والثانية من لقاح آخر، فهل السبب طبي أم لوجستي؟ بمعنى هل هناك فوائد للخلط بين اللقاحات؟ أم أن التوجه يندرج تحت بند “الحاجة أمّ الاختراع”؟
لماذا حصلت ميركل على لقاحين مختلفين؟
تناولت صحيفة The New York Times الأمريكية هذا التوجه في تقرير لها، انطلق من حقيقة أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد تلقت جرعتين من لقاحين مختلفين.
تم تطوير لقاحات فيروس كورونا المستجد الأكثر استخداماً على أنها تطعيمات ثنائية اللقاح، وتلقى كل شخص تقريباً في جميع أنحاء العالم، ممن حصلوا على الجرعتين، اللقاح نفسه في المرتين.
لكن هذا النمط يتغير؛ إذ بدأ يسمح مزيد من البلدان – وحتى في بعض الحالات، يشجِّع- بالتلقيح المُختلَط والمُنسَّق، مع تلقي الأشخاص الجرعة الأولى من نوع لقاح والثانية من لقاح مختلف. وكشفت الحكومة الألمانية، يوم الثلاثاء 22 يونيو/حزيران، أنَّ ميركل تلقت لقاحين مختلفتين؛ ما يضيف إلى الاهتمام المتزايد بهذه الممارسة.
وتحمي ألمانيا بشدة الخصوصية الطبية لمواطنيها، وحتى تلك الخاصة بقادتها، لكن المتحدث باسم ميركل، ستيفن سيبرت، أشار إلى أن اختياراتها للقاح كانت في جزء منها محاولة لإعطاء قدوة.
ورغم ذلك، عندما حصلت ميركل على حقنة أسترازينيكا في أبريل/نيسان، ظل كثير من الناس متشككين بشدة؛ ما أدى إلى إبطاء حملة التطعيم.
وفي حديث للصحفيين يوم الأربعاء 23 يونيو/حزيران، قال سيبرت: “مع تلقي أول جرعة تطعيم لها بأسترازينيكا، من المحتمل أن المستشارة استطاعت تشجيع العديد من الناس على الحصول على هذا اللقاح”.
وأوصت لجنة اللقاحات الألمانية في أبريل/نيسان بأن أي شخص أقل من 60 عاماً حصل على الجرعة الأولى من أسترازينيكا يجب أن يُلحِقها بجرعة من شركتي فايزر أو موديرنا. وخفف المنظمون من قوة هذا التوجيه خلال الشهر الجاري، لكن ميركل، البالغة من العمر 66 عاماً، حصلت على لقاح موديرنا قبل بضعة أيام. وقال سيبرت: “ربما يمكنها (ميركل) أيضاً تخفيف مخاوف الناس بشأن ما يسمى التطعيم العابر، من خلال الحصول على اللقاح بنفسها”.
وجربت بعض الدول هذا النهج بدافع الضرورة، عندما نفدت إمدادات لقاح معين، أو بدافع الحذر عندما أثيرت أسئلة حول سلامة لقاحات معينة بعدما تلقى بعض الأشخاص جرعاتهم الأولى بالفعل. لكن يشعر المنظمون الأمريكيون حتى الآن بالتردد من تشجيع هذه الممارسة.
لكن العلماء وصُنّاع السياسات الصحية مهتمون بإمكانية أن يكون لإعطاء جرعات مختلفة لنفس الشخص مزايا كبيرة.
ما هي المنافع المحتملة؟
يفترض العلماء منذ فترة أن إعطاء الناس لقاحين مختلفين قليلاً قد يُولِّد استجابة مناعية أقوى، ربما لأنَّ كل لقاح يُحفِز أجزاءً مختلفة قليلاً من جهاز المناعة، أو يُعلِّمه التعرُف على أجزاءٍ مختلفة من العامل المُمرِّض الذي يغزو الجسم.
وقال جون مور، عالم الفيروسات في كلية طب وايل كورنيل لنيويورك تايمز: “الحجة هي أن الكل أكبر من مجموع الأجزاء. لكن سنحتاج إلى الحكم على مدى صحة هذه الحجة في الممارسة العملية في ما يتعلق بكوفيد من خلال البيانات الفعلية”.
وبجانب الفوائد المناعية المحتملة، فإن ممارسة المزج والمطابقة “يوفران أيضاً المرونة التي تشتد الحاجة إليها عندما تكون إمدادات اللقاح غير متكافئة مع الحاجة أو محدودة”، كما قال تشو شينغ، اختصاصي المناعة في جامعة ماك ماستر في كندا.
ما الذي تقوله البيانات؟
لا تزال معظم الدراسات في مراحلها المبكرة، لكن بعضها أصدر نتائج أولية واعدة. في الشهر الماضي، على سبيل المثال، أعلن فريق من الباحثين الإسبان أن الأشخاص الذين تلقوا جرعة من لقاح أسترازينيكا، تليها جرعة من لقاح فايزر، أظهروا استجابة مناعية قوية.
وتشير البيانات الأولية من دراسة Com-Cov البريطانية إلى أنَّ مواءمة اللقاحات وخلطها قد يزيد من احتمالات ظهور آثار جانبية خفيفة ومتوسطة، بما في ذلك الحمى والتعب والصداع.
وتلفت البيانات إلى أنَّ النظام غير المتطابق للجرعات “قد يكون له بعض العيوب على المدى القصير”، كما كتب الباحثون، على الرغم من أنه من الممكن أيضاً أن تكون الآثار الجانبية علامة على استجابة مناعية قوية. ووجدوا أنَّ معظم الآثار الجانبية تلاشت في غضون 48 ساعة.
وإجمالاً، يتوقع العلماء أن تظهر البيانات أمان هذا النهج. قال دانيال ألتمان، عالم المناعة في إمبريال كوليدج لندن، في رسالة بريد إلكتروني: “كما تعلمنا خلال 18 شهراً من صدمات كوفيد-19: لا ترفض شيئاً أبداً، لكن من الصعب حقاً تبرير أي خطر جديد مرتبط بما هو في الواقع نهج مناعي أساسي ومُجرب ومُختبَر”.
أي الدول تخلط جرعتي اللقاح؟
تسمح السلطات الصحية في مجموعة متنوعة من البلدان بدرجة معينة من التنسيق والخلط. وبدأت المملكة المتحدة في السماح بخلط اللقاحات في الأيام الأولى من طرحها.
وقال مسؤولون في عدد من البلدان -بما في ذلك ألمانيا وكندا والسويد وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا- إن الأشخاص الذين تلقوا جرعة واحدة من لقاح أسترازينيكا -الذي وُجِدَت علاقة بينه والإصابة باضطراب نادر في تخثر الدم- يمكنهم تلقي لقاح مختلف في جرعتهم الثانية.
واستجابةً للتأخير في تسليم حقنة أسترازينيكا، أعلنت كوريا الجنوبية الأسبوع الماضي أن العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين تلقوا الجرعة الأولى من هذا اللقاح يمكنهم تلقي جرعة فايزر في الثانية. كما قالت اللجنة الاستشارية الكندية للقاحات أنه يمكن استخدام لقاحي فايزر وموديرنا بالتبادل.
لكن كانت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية أكثر تحفظاً. وتقول الوكالة إن الأشخاص الذين حصلوا على جرعة واحدة من لقاح فايزر أو لقاح موديرنا قد يتلقون جرعة ثانية من الأخرى في “حالات استثنائية”، مثل عدم توفر اللقاح الأصلي.
وقال جون مور، عالم الفيروسات في كلية طب وايل كورنيل: “لا أتصور أن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية سوف تسمح بهذا النوع من استراتيجية المواءمة والخلط دون تقييم بيانات التجارب السريرية بشكل صحيح”.