قناع بلون السماء ….
رواية تبحث عن كنز الهوية واستمرارية الوجود
رواية تخترق القضبان الى فضاء أوسع , مغادرة عتمة السجون , كتبت بين جدران الزنازين الصهيونية بقلم فلسطيني وردي الرؤية وهو الذي لم يزل يقبع في زنازين الاحتلال , اسيرا مثقفا ممتلئ في وطنيته , ذو ادراكات فكريه وسياسيه , عميق التحليل والرؤية , واسع الاطلاع , فلسطيني الهوية والموقف , مسه حب الأرض , ومسته الأرض ببوحها السري , وهي الأرض التي كما يقول لا تثرثر بأسرارها إلا للذين ينجحون في مداعبتها بأناملهم الخبيرة , والدغدغة بالصبر والهدوء والعناد , كي ترتعش الأرض بالنهاية صارخة بأسرارها . ذاك كان نور بل ذاك هو كاتب الرواية الأسير باسم خندقجي ….
هذا هو كاتبنا الذي يبحث عن الوجود والهوية عبر اسرار الأرض الي يعشقها بما تخفيه من آثار وتاريخ , مطلقا العنان لمشوار فلسطيني متخيل لا ينفصل عن الواقع بقدر ما هو تجسيد له , فهو يعاين الواقع عبر ذلك الحوار بين نور الفلسطيني المأسور بالتاريخ والاثار باحثا عن المسكوت عنه للوصول الى الحقيقة المطلقة المطمورة لإثبات الوجود , وبين مراد الأسير الفلسطيني الذي يبحث في تفاصيل الكولونيالية الصهيونية ومواجهتها لإثبات الهوية والوجود أيضا . هما صنوان في الهدف مختلفان في الطريق …..
كما يعاين الواقع في حوار متخيل بين نور المغامر الباحث عن الحقيقة بخلفية وطنيه وبين قناعه ” أور شابيرا ” الذي يعكس العقل الكولونيالي الصهيوني ..كان قناعا للكشف عن سرديتهم وتأكيد سردية فلسطينية في الزمان والمكان اريد لها أن تنزاح من التاريخ والحاضر .
رواية متخيله في أحداثها ومجرياتها وحواراتها , لكنها جدل في الواقع الفلسطيني بمستوياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتاريخية والكفاحية .. وتجيب على أسئلة الواقع السياسية وراهنيته ….
هي رحلة بحث في فضاء معقد أدواتها تخيلية وفكرية وسياسية ووطنيه وتاريخيه ونفسيه , عن حقيقة وطنيه تاريخيه أريد لها ان تختفي من التاريخ , عبر مصادرة الأرض والتاريخ معا ..
رواية من ألفها إلى يائها كفاح وتضحية ووعي وموقف وثقافة ..
نور الصامت والكاتم لم يولد في المخيم ولم يترعرع فيه ..! بل ولد منه , هو ابن المخيم , كاتبنا يريد أن يقول أن هناك فرقا بين أن تولد في المكان وبين أن تكون من رحم المكان .. وتلك دلالة اجتماعية وهوية مركبه , تعكس وعيا اجتماعيا ووعيا
لسيسيولوجيا المخيم , فأن تكون ابن المخيم فوعيك وتفكيرك في بنيته مختلف وعقلك نتاج بيئتك ولست مأسورا بالاساطير …وافعالك نتاج مأساتك التاريخية وواقعك الراهن ..
وفي إشارة لا تخلو من الدلالات يلقي نور ابن المخيم الضوء على حالة البؤس التي يعيشها واسرته ليس بسبب بيته المحشور بين الف زقاق وزقاق بالمخيم , بل بسبب الوجع والحالة النفسية والانطوائية التي ساهمت في خلقها السلطة الفلسطينية بخذلانها للمناضلين وخذلان الاب مهدي المناضل الذي امضى خمس سنوات بمعتقلات الاحتلال بعد تحرره ولم يجد من يحترم تاريخه وتجربته بعد ان انطفاء الانتفاضة الثانية، فيلجأ المكلوم الى عربة الشاي والقهوة والسحلب هروبا من الخذلان على ألا يستجدي احدا , وهنا يناقش الكاتب حالة سياسيه اجتماعيه ما بعد انطفاء الانتفاضة الثانيه حالة الخذلان التي مارستها السلطة وتركها للمناضلين في حالة من العوز والحاجه …
* ماهي طبيعة العلاقة بين البحث عن الهويه وعن في قرية اللجُون المهجرة التي اقيم على انقاضها مستوطنة مجدو ..وبين البحث عن المجدلية في الاناجيل الاربعة المسيحيه والاناجيل الغنوصيه ..؟؟
يدرك الكاتب أن العلاقة هي علاقة المكان الواحد والتاريخ الواحد المصادر , وعلاقة حجب الحقائق أو دفنها أو تشويهها كالتي تصور القديسة المجدلية بنت الجليل ومسقط رأسها بالخاطئة او الزانيه التي رافقت السيد المسيح وكانت شاهدة على قيامته والتي أثارت بعضا من تلامذته …
و وفي هذا السياق يطرح الكاتب موقفا سياسيا راهنا برمزية سياسيه بدواخل نور بان علاقته مع القدس هي علاقة عشق حيث يسبح باسماءها قصائد واغاني وصلوات أما علاقته برام الله فهي علاقة قئ ولفظ وقذف متبادلين , وهنا تبدو الاستعارة الرمزية واضحة كموقف سياسي من سلطة رام الله التي تخذل المناضلين …
ولا يبتعد كثيرا في النقد إذ يتبدى في رفضه لمنطق التضامن مع الشعب الفلسطيني وأهالي الشيخ جراح وذلك عبر حواره مع الاسير مراد متسائلا بأي هيئة سيتضامن ..! بهيئة نور أم بهيئة أور ..! وهل سمعتم ان شعبا يتضامن بعضا منه مع البعض الاخر ..!! في اشارة واضحة لإعتراضه على منطق رام الله في الدعوة للتضامن مع اهالي الشيخ جراح كأننا شعبين مختلفين , بل الصحيح هو المشاركة في المواجهة …..
** ويضيئ الكاتب في متن روايته على قضايا فكريه دون الخوض في حواراتها ,حيث يختذل فكرة خضعت لمطارحات فكريه وثقافيه في المغرب العربي تحت عنوان هل اللغة الفرنسية غنيمة حرب ..!! ويستعير هذا الاصطلاح ليشير الى ان نور قد اكتشف ملامحه الاشكنازيه ” السكناجي ” ليعبر بها الى تل ابيب , بيد ان هذه الملامح تحتاج الى ” غنيمة حرب ” لغة عبريه كي يستكمل قناعه ويخترق الاسرار , لكنه يستدرك ليقول ان العبرية لم تكن الا لغة ظل نور بينما العربية هي لغة قلبه …,
* الموقف من المحرقه : وفي توضيح لسؤال الموقف من ضحايا المحرقة اليهوديه كما تطلق عليها .الحركة الصهيونيه تأتي الاجابة على لسان اسماء اسماعيل في مقارعتها مع أيالا اليهوديه بأنها متضامنة مع ضحايا المحرقة ولكن ضمن رؤية انسانيه فحسب وأنها ضد صهينة الهولوكست وتحويله الى منظومة قيم اخلاقيه وسياسيه تشرع التطهير العرقي للشعب الفلسطيني , وتلك المفارقة بين الوشم الآسر على ذراع اسماء ” حيفا 1948 ” الذي يرمز صمودا ويظهر هوية متأصله , وبين وشما عدديا طبعه النازي على اذرعة نازلي معسكرات اوشفيتز وداخاو ويجري أستخدامه في صناعة هولوكست عليه الف علامة استفهام ..وفرقا بين ضحية فلسطينية تمسكت بهويتها وارضها وتاريخها وبين ضحية يهودية تخلت وباعت مواطنيتها ورحلت واباحت لنفسها ان ترتكب تطهيرا عرقيا في حق الاخرين ….
* يرفض الكاتب اطلاق اصطلاح الكيبوتس على المستعمرات , فالكيان يحاول بهذا الاصطلاح أن يضفي مسحة انسانيه اجتماعيه مبنية على قيم العمل والعيش المشترك والمساواة والاشتراكيه كمجتمع زراعي وتجريد الكويبوتس من كولنياليته كأساس للاستيطان والاستعمار ومصادرة الاراضي ..
* نور يخاطب الاسير مراد ويقول له أنقذني أين أنا ..؟ أين أبي ..؟ أيالا كانت في دبي ..!! أما انا فلم أكن … أنقذني ..!!!!
اسئلة بها من الاستهجان والاستغراب والادانة , كيف لهذة الصهيونية أن تستوطن بلدي ويسمح لها ان تزور دبي وتتنزه في شوارعها أما أنا مطرود من وطني وممنوع من عروبتي ..!!!!!
* انتهت الراوية وانتهت الرحلة المجنونه , وانتهت المهمه , وازيل القناع الوسيله ,وأنتهى التشبه , وانتهى الاستئناس , وعاد نور الى فلسطينيته برمزيتها سماء اسماعيل هاتفا : انت هويتي ومالي , ولم تنتهي الروايه بعد …فهل تنزع ” رام الله الرسميه ” قناعها الازرق وتعود رام الله الهوية والاصل وتتجمل بملامحها الحقيقيه ….
ابو علي حسن. عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين