كارلوس غصن… سر الهروب وتضارب التصريحات اللبنانية اليابانية
يلف قضية هروب رئيس مجلس إدارة شركة “نيسان” السابق، كارلوس غصن، من اليابان ووصوله إلى لبنان الكثير من الغموض، خاصة فيما يتعلق بطريقة هروبه رغم خضوعه للاعتقال الإداري.
ووصل غصن إلى لبنان صباح اليوم، قائلا إنه تحرر أخيرا من القيود المفروضة عليه، ولم يعد أسيرا لقضاء “مزور”، فيما لم تصدر أية تصريحات حكومية من اليابان، خاصة أن معظم الهيئات الحكومية فيها لإجازة رأس السنة.
والتقى المدير التنفيذي السابق لشركة “نيسان” كارلوس غصن، اليوم الثلاثاء، الرئيس اللبناني ميشال عون، بعد ساعات من وصوله إلى لبنان.
ورغم تأكيد لبنان على أن غصن دخل بطريقة شرعية، تشير مصادر في اليابان إلى أن فريق الدفاع يحتفظ بجوازات سفره، بموجب الحكم القضائي الأخير، الأمر الذي يمثل تناقضا كبيرا ويزيد من غموض القضية.
مفاجأة يابانية
وقال هشام الرجباني، المحلل السياسي المقيم في طوكيو، إن “الإعلام الياباني تفاجئ اليوم بهروب رئيس مجلس إدارة شركة نيسان السابق كارلوس غصن من اليابان، وانشغلت الصحف لتحليل تداعيات الهروب رغم البرامج القائمة والاحتفالات المقامة بمناسبة رأس السنة”.
وأضاف في تصريحات صحفية أن “نهاية العام الماضي قامت الشرطة اليابانية بالقبض على غصن ووجه له العديد من التهم، أبرزها الخيانة الجسمية لأمانة الشركة، والتي اعتبروه اختلس من أموالها لمصالحه الشخصية، إضافة إلى عدم تصريحه عن العائدات التي كان يتحصل عليها على صورة مكافآت”.
وعن طريقة هروبه، يقول الرجباني: “دخل وخرج غصن في الاعتقال الإداري عدة مرات، وخرج في نهاية شهر أبريل المنصرم بكفالة قدرها 14 مليون دولار، لكن كانت هناك العديد من الشروط للإفراج عنه، منها حظره من السفر خارج لبنان، وضرورة حصوله على إذن قضائي في حين أراد القيام بجولة داخلية في البلاد تزيد مدتها عن 3 أيام”.
في حين، ذكر وزير الدولة لشؤون الرئاسة اللبناني، سليم جريصاتي إن غصن الهارب من الإقامة الجبرية في اليابان، دخل لبنان بشكل شرعي، وأنه سيعقد مؤتمرا صحفيا.
وتابع: “كل ما توافر لنا أنه دخل لبنان بطريقة شرعية عبر مطار رفيق الحريري بواسطة جواز سفره الفرنسي وهويته اللبنانية، وهو في صدد عقد مؤتمر صحفي في نقابة الصحافة”.
لغز الهروب
ولفت الرجباني إلى أن هروب غصن، كان يحوي في طياته لغزا محيرا، وهو كيف تمكن الرئيس التنفيذي السابق لـ”نيسان” من الهروب من كاميرات المراقبة المحاط بها منزله، والتي ترصد كل تحركاته.
ووتابع: “من العجيب أيضا في قصة هروبه أن المحكمة اشترطت تركيب كاميرا أمام منزله لرصد تحركاته، ومنعه من استخدام الإنترنت، وتسليم كل جوازات السفر التي بحوزته لفريق الدفاع”.
وبشأن تصريحات لبنانية وزارية عن دخوله البلاد بجواز سفر فرنسي، قال إن “إدارة الهجرة اليابانية أكدت أنه لا يوجد في سجلاتها ما يدل على خروج غصن من اليابان بأي من جوازات سفره، بالإضافة إلى أن محامي الدفاع نفى ضلوعه في قصة الهروب، وأكد أن جوازات سفر غصن ما زالت لديهم، ولم يتحصل عليها، ولا يعلمون كيف خرج من البلاد”.
وعن التحركات اليابانية المتوقعة، قال المحلل المقيم في طوكيو: “معظم الدوائر الحكومية مغلقة في اليابان، بسبب إجازة رأس السنة، ونتوقع أن تظهر الأخبار والتوضيحات تباعًا، وأن تحل مسألة الغموض في هروب غصن بالأيام القليلة المقبلة”.
لبنان واليابان
أما عن احتمالية تسليم لبنان غصن إلى اليابان، فأجاب الرجباني قائلا “لا يوجد اتفاقية تسليم مطلوبين أمنيا بين اليابان ولبنان.
ولكن عاد وقال: “هناك حديث في اليابان حول هذا الأمر، لكن المشكلة هنا في عدم توقيع طوكيو أي اتفاقية مع بيروت لتسليم المجرمين، وفي حال رفض لبنان تسليمه لليابان لم يعد بمقدور الحكومة اليابانية استعادته مرة أخرى”.
وأنهى حديثه قائلًا: “الآن القضاء والحكومة اليابانية أمام مشكلة كبيرة، أن سلطتهم لن تستطيع أن تطال كارلوس غصن، طالما في دولة لا يوجد بينهما اتفاق لتسليم المطلوبين، والكرة الآن في ملعب لبنان”.
سر الدخول
أما عن سر دخول كارلوس غصن إلى الأراضي اللبنانية، رغم أنه مطلوبا على ذمة قضايا في دولة أخرى، فقال النائب في البرلمان اللبناني قاسم هاشم، إنه بحسب كل المعطيات فدخول غصن كان قانونيا 100%.
وتابع هاشم، في تصريحات خاصة، “بحسب المعطيات والمعلومات المتاحة دخل كارلوس غصن إلى لبنان بشكل قانوني، وبجواز سفر حقيقي، ليس لبنانيًا، وغالبًا كان فرنسيًا حيث جنسيته الثانية التي يحملها”.
وواصل النائب اللبناني قائلا “الأجهزة الأمنية هي التي تحققت من قانونية دخول غصن إلى الأراضي اللبنانية، لكن الأمر يحتاج إلى تحقيق وتحقق بشكل أكبر، لاستكمال المعطيات وعدم التسليم فقط بالتحليلات المطروحة”.
وبشأن إمكانية تسليم لبنان لكارلوس غصن لليابان، قال: “هذا الأمر خاضع للأصول القانونية، وفقًا لقوانين الدولة اللبنانية المعمول بيه، وما تم توقيعه من اتفاقيات بين اليابان على مستوى المبادلات”.
وعن إمكانية أن يتسبب استقبال الرئيس ميشال عون لغصن إلى توتر العلاقات اليابانية اللبنانية، قال: “لا أعتقد ذلك، الدخول كان بشكل قانوني، والأمر يحكمه الأصول القانونية، وليس فقط التوجهات السياسية”.
ملابسات القضية
وكانت القضية قد تفجرت صباح اليوم، بعدما أصدر غصن بيانا من لبنان، قال فيه إنه تمكن من الهروب من اليابان، وعاد إلى موطنه الأصلي، قائلا إنه “لن يكون رهينة لنظام قضائي مزوِر”، وما أثار تساؤلات بشأن كيفية فرار أحد أشهر المديرين التنفيذيين في العالم من اليابان، قبل أشهر من محاكمته.
من جانبه، قال أحد أفراد فريق الدفاع عن غصن، إن “جوازات سفره الثلاثة في حيازة فريق المحامين ولم يكن يستطيع استخدام أي منها للفرار من اليابان”، مضيفا أن أفعال موكله “لا يمكن تبريرها”.
ويواجه المدير السابق لشركة نيسان موتورز، اتهامات بالفساد المالي وخيانة الأمانة، بعد مزاعم بعدم الإفصاح عن نحو 82 مليون دولار من راتبه، وبتحويل خسائر مالية شخصية إلى حسابات “نيسان” خلال الأزمة المالية.
ويحمل كارلوس غصن، الجنسيات الفرنسية واللبنانية والبرازيلية، ونفى الاتهامات الموجهة إليه، ودعا الحكومة الفرنسية إلى مساعدته.
وقالت هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية “إن إتش كيه”، في إبريل/ نيسان الماضي، إن ممثلي الادعاء يشتبهون بأن غصن اختلس جزءا من هذه الأموال من خلال شركة تعمل فيها زوجته كارول، مسؤولة تنفيذية لشراء يخت وقارب.
وبموجب القانون الياباني، يمكن للادعاء احتجاز غصن فترة تصل إلى 22 يوما، دون توجيه اتهام له. وأفرج عنه بكفالة قدرها 9 ملايين دولار في شهر مارس/ آذار، وقال إنه ضحية انقلاب في مجلس الإدارة.
وكشفت مصادر لبنانية مختلفة لموقع “إم تى في” اللبناني تفاصيل عملية الانتقال السرية والأمنية، من منزله المراقب في اليابان وصولا إلى مطار بيروت، وانتقاله إلى القصر الجمهوري في منطقة بعبدا، ولقائه رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون.
ووفقا للمعلومات اللبنانية، فإن عملية نقل غصن اتسمت بالسرية والأمنية، وشاركت فيها مجموعة عسكرية خاصة، دخلت إلى منزله تحت غطاء فرقة موسيقية لعشاء ميلادي، بسبب وضعه وبيته المراقب والمحاصر من قبل السلطات الأمنية اليابانية منذ اتهامه بالفساد.
وقامت المجموعة العسكرية بإخفاء غصن في أحد الصناديق المخصصة لنقل الآلات الموسيقية، وخرج غصن مع المجموعة بعد انقضاء الوقت المنطقي للحفلة دون أن تكشف السلطات اليابانية عملية هروبه مع الفرقة.
وأشارت المصادر اللبنانية، أن غصن انتقل من اليابان إلى تركيا، ومنها بطائرة خاصة إلى لبنان، بواسطة جواز سفر فرنسي كان بحوزته.