كان لإثيوبيا ما أرادت بمجلس الأمن.. مصر والسودان في “مأزق وجودي” وهذه خياراتهما الصعبة في مواجهة “سد النهضة”
وخلص أعضاء مجلس الأمن، بما فيهم الدول الكبرى فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا والصين وروسيا، على أن الاتحاد الإفريقي هو المكان الأنسب لحل الخلاف بين الدول الثلاث، مؤيدين جهود الوساطة التي يجريها الاتحاد، كما حثوا جميع الأطراف على استئناف المحادثات، التي سبق أن أكدت القاهرة أنها “وصلت إلى طريق مسدود”. فما التالي بالنسبة للقاهرة والخرطوم الآن؟
العودة إلى الاتحاد الإفريقي.. كان لإثيوبيا ما أرادت
لا شك أن ما توصل له مجلس الأمن يصب في صالح إثيوبيا التي رفضت توجه مصر والسودان إلى المجلس، مؤكدة أن أي حوار يجب أن يكون تحت مظلة الاتحاد الإفريقي.
وكان وزير الري الإثيوبي قال في مجلس الأمن: “إن مناقشة أزمة سد النهضة في المجلس تضيّع وقته ومجهوده، كما تضيّع وقت وموارد الأمم المتحدة”، موضحاً أن “بلاده شاركت في المفاوضات بحسن نية برعاية الاتحاد الإفريقي، لكن مصر ترفض أي حلول مقترحة”، على حد وصفه.
مطالباً بإعادة ملف سد النهضة إلى الاتحاد الإفريقي، وطالب القاهرة والخرطوم بالدخول في مفاوضات جادة، من أجل الوصول إلى حل عادل للدول الثلاث.
لكن في الوقت نفسه، أبلغ وزير الخارجية المصري سامح شكري، مجلس الأمن، أن الجهود التي يقودها الاتحاد الإفريقي بشأن “سد النهضة” الإثيوبي “وصلت إلى طريق مسدود”.
مضيفاً أن “ما تريده مصر هو اتفاق ملزم قانوناً يحمي مصالحنا، ونحن جئنا إلى مجلس الأمن بحثاً عن حل سلمي ولكي نتجنب العواقب الوخيمة التي قد تنجم في حال عدم التوصل لاتفاق”.
كما طالب شكري بأن “يضطلع المجلس بمسؤولياته ويتخذ الإجراءات اللازمة لضمان انخراط الأطراف في تفاوض فعال يُفضي إلى اتفاق يحقق المصالح المشتركة”.
وقال في ختام كلمته: “نحن نطرح عليكم قراراً سياسياً ومتوازناً وبنّاء، يتمثل في إعادة إطلاق المفاوضات بقيادة الاتحاد الإفريقي وبما يمكّن الأمم المتحدة من استخدام خبراتها ذات الصلة”. وتابع: “في حال تضررت حقوقنا المائية فلا يوجد أمام مصر بديل إلا أن تصون حقها الأصيل في المحافظة على الحياة”، بحسب تعبيره.
مصر والسودان في مأزق وجودي
كانت إثيوبيا قد نفذت مخططها بالملء الثاني لسد النهضة، مما وضع مصر والسودان في مأزق وجودي، بعدما كانتا تعولان بشكل كبير على إيجاد حل عبر مجلس الأمن.
وأرسلت وزارة الري الإثيوبية، الإثنين 5 يوليو/تموز، خطاباً رسمياً إلى نظيرتها المصرية، يفيد بأن إثيوبيا بدأت الملء الثاني لخزان سد النهضة، وردّت القاهرة على أديس أبابا “بالرفض القاطع للإجراء الأحادي”.
ولا يعتبر هذا التطور الخاص ببدء الملء الثاني لسد النهضة مفاجئاً لأي من الأطراف أو المتابعين لأزمة السد، فإثيوبيا تواصل مخططها للانتهاء من تشييد السد، والبدء في تعبئة خزانه الضخم بالمياه، دون أن توقّع على اتفاق قانوني مُلزم يحافظ على الحقوق المائية لدولتي المصب، اعتماداً على إعلان المبادئ الذي وقَّعته الدول الثلاث في الخرطوم عام 2015، وسلسلة ممتدة من الأخطاء وسوء التقدير ارتكبتها مصر على مدى عقد من الزمان.
وبشكل عام، يُشكّل سد النهضة تهديداً وجودياً لمصر، بحسب وصف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي نفسه من على منبر الأمم المتحدة، في سبتمبر/أيلول 2019. وتتضاعف خطورة هذا التهديد في ظل التعنت الإثيوبي في تشييد السد وتعبئة خزانه، دون تنسيق مع دولتي المصب، حيث تتمسك أديس أبابا بإعلان المبادئ الذي وقّعه السيسي نفسه، في مارس/آذار 2015، وهو الإعلان الذي أضعف موقف مصر والسودان تماماً في هذا الملف، بحسب خبراء القانون الدولي.
ولا يمكن أيضاً تجاهل البعد السياسي والقومي الذي اتخذته أزمة سد النهضة في العامين الأخيرين، في ظل توظيف رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد للملف كمشروع وطني، يسعى من خلاله لترميم الجبهة الداخلية الممزقة بشدة. ويمثل تعرض قوات آبي أحمد للهزيمة في إقليم تيغراي مؤخراً دافعاً آخر يجعل أي مرونة من جانب حكومته في ملف سد النهضة أمراً مستبعداً تماماً.
هل لا يزال الحل العسكري قائماً بالنسبة لمصر؟
ترسم كل هذه التطورات صورة قاتمة تماماً بشأن المأزق الذي تواجهه الآن مصر والسودان، بعدما فشلت مصر والسودان في رحلة مجلس الأمن، وبعد أن ضربت أديس أبابا عرض الحائط بالتهديدات التي أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي أكثر من مرة، منذ نهاية مارس/آذار الماضي، وإعلانه أن “مياه النيل خط أحمر”.
وقال الرئيس المصري نصاً، يوم 30 مارس/آذار الماضي: “أنا مبهددش حد، وعمرنا ما هددنا، وحوارنا رشيد جداً”، وتابع: “محدش هيقدر ياخد نقطة مياه من مصر، واللي عاوز يجرب يجرب.. وإلا هيبقى في حالة من عدم الاستقرار في المنطقة لا يتخيلها أحد، ومحدش يتصور إنه يقدر يبقى بعيد عن قدرتنا”.
تصريحات السيسي التي كررها في أكثر من مناسبة خلال الأشهر الماضية، ربطها الجميع بالملء الثاني للسد، وأطلقت سيلاً من التحليلات انصبت على الخيار العسكري وتوقيتاته وآليات تنفيذه، خصوصاً أن تلك التصريحات تزامنت مع تحركات عسكرية على الأرض، وتدريبات مشتركة بين الجيشين المصري والسوداني، حملت أسماء ذات مغزى مثل “حماة النيل”، “ونسور النيل”.
لكن الآن، وقد بدأت إثيوبيا بالفعل في الملء الثاني للسد، أصبحت مسألة توقيت الخيار العسكري بمثابة معضلة حقيقية، إذ إن غالبية الخبراء العسكريين كانوا قد أكدوا على خطورة توجيه ضربة عسكرية للسد، بعد أن ترتفع كميات المياه المحجوزة في خزانه مع بداية الملء الثاني.
وكانت التعبئة الأولى للسد، التي نفذتها إثيوبيا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قد نتج عنها حجز نحو 5 مليارات متر مكعب من المياه، ومن المفترض أن يتم حجز 13.9 مليار متر مكعب من خلال الملء الثاني، لكن تقارير إثيوبية ومصرية تحدثت أن عدم إكمال تشييد الجزء الأوسط من السد للارتفاع الذي كان مخططاً له (595 متراً، تم فقط تشييد 573 متراً منها) يعني أن الكمية المستهدف حجزها لن تكون كاملة.
فهل يعني ذلك أن نافذة الخيار العسكري قد تظل مفتوحة رغم بدء تنفيذ الملء الثاني؟ وهل يوافق السودان على الخيار العسكري، رغم مخاطر تعرضه لكميات هائلة من المياه ربما تمثل تهديداً وجودياً له؟ وهل هناك سيناريوهات عسكرية تمتلكها القيادة المصرية بالفعل في هذه المرحلة؟ هذه الأسئلة وغيرها كثير تظل معلقة بلا إجابة محددة بالطبع، فمن غير المرجح أن تقدم القاهرة أو الخرطوم أي إجابات علنية عن أي منها.