“كلاكيت للمرة الثانية”..قصة عزل ترامب من الألف للياء وما ينتظر الرئيس “المنبوذ”
أصبح دونالد ترامب أول رئيس أمريكي يتعرض لإجراءات عزله من منصبه مرتين في فترته الرئاسية، فكيف أدى اقتحام الكونغرس إلى هذه النتيجة؟ وما الخطوات التالية بالنسبة للعزل وللمعزول؟
الأحداث التي شهدتها العاصمة واشنطن يوم 6 يناير/كانون الثاني أو “الأربعاء الأسود” ستظل وصمة في تاريخ الديمقراطية الأمريكية، ويبدو أن ترامب نفسه أصبح الخاسر الأكبر مما آلت إليه. إذ جاء خطابه الناري في الحشد المناصر له قبيل الهجوم على مبنى الكابيتول، في قلب لائحة الاتهام المقدمة ضده في مجلس النواب الأمريكي بغرض عزله.
ورصدت صحيفة The Guardian البريطانية في تقرير لها ما تعنيه عملية عزل ترامب للمرة الثانية وما قد تشهده الأيام والأشهر المقبلة بالنسبة له وللبلاد، فقد أسفرت أحداث اقتحام الكونغرس عن وفاة ضابط شرطة في المبنى متأثراً بجروح أصيب بها خلال أعمال الشغب، كما قُتلت امرأة كانت الشرطة قد أطلقت النار عليها أثناء الحصار، علاوة على وفاة ثلاثة أشخاص آخرين فيما قالت السلطات إنها كانت حالات طوارئ طبية.
وصوّت مجلس النواب أمس 13 يناير/كانون الثاني 2021 على عزل ترامب بأغلبية 232 صوتاً مقابل 197 صوتاً، وانضم عشرة جمهوريين إلى الديمقراطيين في التصويت لصالح عزل ترامب، وهي المرة الأولى في التاريخ الأمريكي التي يُعزل فيها رئيس مرتين.
لائحة الاتهام التي قدمها الديمقراطيون لعزل ترامب
واجه ترامب تهمةً واحدة -“التحريض على العصيان”- في قرار العزل الذي صوّت عليه مجلس النواب يوم الأربعاء 13 يناير/كانون الثاني. ولا شك في أنها نهاية صاعقة لرئاسة ترامب، فقد أعلن الديمقراطيون وعدد لا يفتأ يتزايد من الجمهوريين أن ترامب غير لائق للمنصب، وأنه قد يلحق مزيداً من الضرر بالبلاد بعد تحريضه الغوغاء على اقتحام مبنى الكابيتول.
ونصَّ جزء من مشروع قانون العزل المكون من أربع صفحات على أن “ترامب عرّض أمن الولايات المتحدة ومؤسساتها الحكومية لخطر فادح. كما أنه سيبقى يشكّل تهديداً للأمن القومي والديمقراطية والدستور إذا سُمح له بالبقاء في منصبه”.
من جانبها، قالت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الديمقراطية، إن مسألة العزل ضرورية على الرغم من محدودية الأيام المتبقية في ولاية ترامب. وأضافت أن “تهديد ترامب لأمريكا تهديدٌ مُلحّ، وكذلك سيكون العمل” لمواجهة ذلك من جانبنا.
وجاءت تداعيات التصرفات التي سلكها ترامب شخصيةً على بيلوسي وعديدٍ من المشرعين الآخرين، فقد كانت من بين أولئك الذين أُجبروا على اللجوء إلى مخبأ أثناء أعمال الشغب التي عصفت بالكابيتول، وتعالت صيحات التوعُّد الساخرة بين المشاغبين المسلحين في وجه الموظفين: “أين نانسي؟”.
اجتمع مجلس النواب الأمريكي في الساعة 9 صباحاً بتوقيت شرق الولايات المتحدة (2 مساءً بتوقيت غرينتش)، قبل الاتجاه إلى المناقشة الأولية وبعض عمليات التصويت الإجرائية. ثم بعد بضع ساعات من النقاش حول مادة العزل، بدأ التصويت وانتهى بأغلبية 232 لصالح العزل، مقابل 197 ضدها. والآن، فإن الخطوة التالية من العملية هي إرسال مواد العزل إلى مجلس الشيوخ.
كم عدد النواب الجمهوريين الذين أيدوا العزل؟
هذه قائمة بأسماء النواب الجمهوريين العشرة الذين صوتوا لصالح عزل ترامب بتهمة “التحريض على العصيان”: 1- جون كاتكو، من ولاية نيويورك. 2- ليز تشيني، من ولاية وايومنغ. 3- آدم كينزينجر، من ولاية إلينوي. 4- فريد أبتون، من ولاية ميشيغان. 5- خايمي هيريرا بويتلر، من ولاية واشنطن. 6- دان نيوهاوس، من ولاية واشنطن. 7- بيتر ماير، من ولاية ميشيغان. 8- توم رايس، من ولاية كارولينا الجنوبية. 9- أنتوني غونزاليس، من ولاية أوهايو. 10- ديفيد فالاداو، من ولاية كاليفورنيا.
هذا العدد من أصوات الجمهوريين جعل عملية العزل تلك أكثر عملية عزل رئاسية تحصل على أصوات تأييد من الحزبين في التاريخ الأمريكي. ويأتي بعدها، تصويت خمسة ديمقراطيين لصالح عزل بيل كلينتون في عام 1998.
متى تبدأ محاكمة ترامب في مجلس الشيوخ؟
قال زعيم الأغلبية الجمهورية لمجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل -الذي يظل في منصبه حتى تولي الديمقراطيين للسلطة وأغلبية مجلس الشيوخ، حتى 20 يناير/كانون الثاني- إن أقرب موعد يمكن لمجلس الشيوخ أن يناقش فيه لائحة العزل التي صوت عليها مجلس النواب هو 19 يناير/كانون الثاني، أي قبل يوم من مغادرة ترامب لمنصبه وتنصيب بايدن في رئاسة البلاد رسمياً.
وقد حاول الديمقراطيون استكشاف سبلٍ لاستدعاء مجلس الشيوخ في وقت أبكر من ذلك، وإن كان ذلك لا يزال يتطلب تعاوناً من ماكونيل أيضاً. لذلك من المحتمل أن يجري أي تصويت على إدانة ترامب بعد تركه لمنصبه بالفعل، ومن المحتمل أن تجري المحاكمة في 20 أو 21 يناير/كانون الثاني.
ومع ذلك، فإن ثمة بوادر بأن مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون قد يؤجل إرسال لائحة العزل إلى مجلس الشيوخ، إلى ما بعد استقامة الأمور لإدارة بايدن والتصديق على اختياراته لمسؤولي إدارته من قبل مجلس الشيوخ، حتى لا تتسبب تلك الأحداث في تشتيت انتباهه في بداية عمله. واقترح بايدن أن يقسم مجلس الشيوخ وقته بين قضية العزل وجدول أعماله العادي.
ما إجراءات محاكمة مجلس الشيوخ والأغلبية المطلوبة للإدانة؟
يتضمن اليوم الأول وصول رئيس المحكمة العليا وقسم أعضاء مجلس الشيوخ اليمين جماعياً أمامه. ويخصص اليوم الثاني لتعيين قواعد المحاكمة. بعد ذلك، تتضمن المحاكمة التقليدية عرض الحجج من كلا الجانبين، ما يعني امتدادها إلى الأيام الأولى لإدارة بايدن. غير أن هناك أيضاً خيارات لمحكمة أشد اختصاراً، عن طريق التزام عروض مختصرة لحجج الطرفين، أو لنصف يوم في كل مرة، ما يسمح لمجلس الشيوخ بمواصلة أعماله الأخرى أثناء الفترة الانتقالية.
يجب تمرير قرار العزل بأغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ، ما يعني الحاجة إلى 67 صوتاً. والمفترض أنه بعد فوز الديمقراطيين بمقعدي انتخابات الإعادة في ولاية جورجيا، يصبح مجلس الشيوخ الجديد في وضع التقاسم بعدد مقاعد 50 إلى 50 بين الديمقراطيين والجمهوريين، إلى جانب مشاركة كامالا هاريس في التصويت.
وهذا يعني الحاجة إلى تصويت 17 من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين لصالح قرار عزل ترامب، لتمريره. وكان الرئيس المنتهية ولايته قد جرت تبرئته بسهولة من تهمتين في محاكمة عزله السابقة، إذ لم يصوت إلا سيناتور جمهوري واحد بإدانته، وفي تهمة واحدة من التهمتين.
هل سيصوت أي جمهوري مع إدانة ترامب هذه المرة؟
قد تكون الأمور مختلفة إلى حد ما في عام 2021. أولاً، التهمة أشد صراحة ووضوحاً، فترامب متهم بالتحريض على العصيان هذه المرة، وليس متهماً في معاملات معقدة وغامضة مع مسؤولين في أوكرانيا كما كان الأمر في المحاكمة الأولى.
كما صوت 10 أعضاء جمهوريين في مجلس النواب للتصويت لصالح قرار العزل، لكن دون أي أعضاء في مجلس الشيوخ إلى هذه اللحظة. ويصعب بالطبع تصور أن ينضم النواب المتشددون، مثل تيد كروز أو جيش هاولي، الذين صوتوا ضد التصديق على فوز جو بايدن في الانتخابات، إلى محاولة عزل ترامب.
ومع ذلك، تشير تقارير واردة من صحيفة The New York Times وموقع Axios الإخباري إلى أن مقربين من ماكونيل يعتقدون على ما يبدو أن زعيم الأغلبية يرى أن ترامب قد ارتكب جرائم تستوجب عزله، وقد يفكر في التصويت لإدانته في محاكمة مجلس الشيوخ. وإذا كان الأمر كذلك، فإن ذلك سيمهد الطريق أمام جمهوريين آخرين للقيام بذلك.
من سيمثل ترامب في المحاكمة؟
لا يُتوقع عودة أي من المحاكمين الذين مثلوا ترامب في المحاكمة الأولى لعزله. وهو ما يعني أن الخيارات المتبقية تتضمن رودي جولياني فقط، وهو جزء من الفريق القانوني الشخصي لترامب، وآلان ديرشوفيتز، الذي يدعم ترامب على أساس حقه في حرية التعبير، وفقاً لمجلة Politico.
إذا ثبتت إدانة ترامب، فهل يمنعه ذلك من الترشح للرئاسة مرة أخرى؟ ليس مباشرةً، ومع ذلك، ففي حال إدانة ترامب، يمكن لمجلس الشيوخ أن يتبع ذلك بتصويت آخر لمنعه من الترشح للمنصب مرة أخرى، وهو قرار يتطلب أغلبية بسيطة لتمريره. ومن المتوقع أن يستند هذا التصويت إلى التعديل الرابع عشر، الذي يمنع أي شخص يشارك في أعمال عصيان أو تمرد من تولي منصب فيدرالي أو حكومي. ويعود تاريخ تبني هذا القرار إلى ما بعد الحرب الأهلية الأمريكية، وهو ينص على أنه يُمنع من تولي منصب رسمي في الولايات المتحدة أي شخص كان قد “انخرط في عصيان أو تمرد” ضد الولايات المتحدة أثناء انتخابه مسؤولاً.
هل يمكن استخدام التعديل الرابع عشر حتى لو تمت تبرئة ترامب؟
في حين أنه من المؤكد أن أي قرار كذلك في هذه الحالة سيكون محل خلاف وعرضة للطعن القانوني، فإن بعض الخبراء القانونيين يعتقدون أنه يمكن استخدام التعديل الرابع عشر لمنع دونالد ترامب من الترشح لمنصب الرئاسة مرة أخرى، حتى إذا تمت تبرئته. ومرة أخرى، لا يتطلب هذا القرار سوى التصويت بأغلبية بسيطة في مجلس الشيوخ، وهو ما يُرجح أن يتم تمريره تحت سيطرة الديمقراطيين.
كيف سيرد ترامب؟ حتى الآن، لم يقر ترامب بأي مسؤولية له أو دور في إثارة أعمال العصيان العنيفة التي وقعت، وذلك على الرغم من تعليقاته التي حرّض فيها أنصاره صراحة على السير في اتجاه مبنى الكابيتول، كما أشاد بهم أثناء قيامهم بالهجوم. وقال مرة أخرى يوم الثلاثاء 12 يناير/كانون الثاني: “الناس يعتقدون أن ما قلته كان مناسباً تماماً”.
ومع ذلك فإن ثمة اختلافاً بارزاً عن أول محاكمة لعزل ترامب: فهو لم يعد لديه حساب على تويتر للرد أولاً بأول.
تعزيز الأمن استعداداً لتنصيب بايدن
وفي بادرة تشير إلى التوترات المتزايدة في أعقاب اقتحام الكونغرس، سيُطلب من المشرعين في الكونغرس لأول مرة المرور عبر جهاز الكشف عن المعادن قبل السماح لهم بدخول قاعة المجلس.
ومن المفترض أن هذا الإجراء الأمني الجديد سيبقى ساري المفعول كل يوم تُعقد فيه جلسة لمجلس النواب في المستقبل المنظور، وفقاً لتوجيهات من تيموثي بلودجيت، القائم بأعمال المسؤول عن أمن الكابيتول، وقد حل بلودجيت محل الضابط المسؤول لفترة طويلة عن تأمين الكابيتول، بعد استقالته إثر انتقادات واسعة النطاق فيما يتعلق بسوء التخطيط الأمني لجلسة التصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية في 6 يناير/كانون الثاني.
كما أخبر بلودجيت المشرعين أنه يجب عليهم ارتداء أقنعة طبية أثناء أزمة كورونا، وأنهم قد يتعرضون للإبعاد من قاعات المبنى إذا امتنعوا عن ذلك.
هل شهدت أمريكا أحداثاً مماثلة من قبل؟
عزلت لجنة بمجلس النواب الرئيسَ الأمريكي السابق أندرو جونسون في غضون 10 أيام في عام 1868، وذلك لانتهاكه قانون “حيازة المنصب”. لكن محاكمة مجلس الشيوخ استمرت لفترة أطول، وتمت تبرئة جونسون بفارق صوت واحد. وفي عام 1834، تحرك المشرعون أيضاً لفرض رقابة على أندرو جاكسون لحجبه وثائق رسمية.
وفي حين أن المناقشات في الكونغرس غالباً ما تكون حماسية، فإن المشاعر كانت محتدمة على نحو غير عادي حين ناقش المشرعون قرار العزل الأخير. وليست هذه هي المرة الثانية التي يصوت فيها النواب على إجراء كهذا فحسب، بل أيضاً تأتي هذه المناقشة بعد أسبوع واحد بالضبط من اعتراض غالبية بين الجمهوريين في مجلس النواب على التصديق على فوز بايدن بالانتخابات، وهي الاعتراضات التي مهدت الطريق للهجوم الذي استمر لساعات على الكابيتول وصدم الأمة كلها.
كما أدى تفشي فيروس كورونا مؤخراً بين نواب احتُجزوا خلال الأحداث الأخيرة مع آخرين رفضوا ارتداء الأقنعة إلى تفاقم التوترات واحتدامها.