كواليس اجتماع الرئيس الفرنسي مع القوى الإسلامية تكشف رفض ثلث الحاضرين “لميثاق الجمهورية”
في خطوة مفاجئة وغير منتظرة، اجتمع، يوم أمس الأربعاء، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مع مسؤولي المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية بغرض تشكيل مجلس وطني للأئمة، يكون مسؤولاً عن منح اعتماد لرجال الدين المسلمين في البلاد أو سحبه منهم، بالإضافة إلى وضع “ميثاق للقيم الجمهورية” في أجل أقصاه 15 يوماً.
الاجتماع الذي عقد الأربعاء يُعد الرابع من نوعه مع الرئيس الفرنسي وحضره وزير الداخلية جيرالد دارمانان، ورئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية محمد موسوي، وعميد مسجد باريس شمس الدين حافظ، وممثلون عن الاتحادات التسعة المنتمون للمجلس باستثناء اتحاد واحد غاب عن الاجتماع لظروف شخصية.
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية أُسس سنة 2003، عندما كان الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي، وزيراً للدفاع، ومنذ 17 سنة تعاقب على رئاسته فرنسيون مسلمون من أصول عربية وتركية، واليوم يترأسه المغربي محمد موسوي.
كواليس الاجتماع
عُقد الاجتماع بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية بالتزامن مع اليوم الذي عرض فيه مشروع قانون ضد “الانفصال الشعوري”، بهدف “مكافحة من يوظفون الدين للتشكيك في قيم الجمهورية”، وهو مشروع القانون الذي فكر فيه الرئيس الفرنسي في بداية ولايته وطرحه، في فبراير/شباط 2020، لكن انتشار وباء كورونا في العالم أوقفه.
وطالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، خلال اجتماع الأربعاء، أن يتم تشكيل “ميثاق الجمهورية” بتعاون مع وزارة الداخلية والاتحادات التسعة التابعة للمجلس الفرنسي للديانة الفرنسية، على أساس أن يُسطر الميثاق الجديد على “احترام قيم الجمهورية، والاعتراف بالإسلام كدين وليس كحركة سياسية، ويقطع مع تدخل الدول الأخرى في تكوين أو تخريج الأئمة في فرنسا”.
وحسب مصادر “عربي بوست” فإن الميثاق الجديد سيكون داعماً لمشروع قانون “الانفصال الشعوري”، كما أنه سيساند في مضامينه أغلب البنود التي من المنتظر المصادقة عليها بعد أسابيع.
وحسب المعلومات المتوفرة فإن “ميثاق الجمهورية” المنتظر “سيقطع بشكل نهائي مع الراديكالية والإسلام السياسي، كما أنه سيُنهي وجود 300 إمام أجنبي في غضون 4 سنوات مقبلة، استقدموا من المغرب والجزائر وتركيا”.
مصادر “عربي بوست” حضرت الاجتماع مع الرئيس الفرنسي، قالت إن ماكرون أعطى مدة 6 أشهر للمجلس الوطني للأئمة لتحضير “مرجع تدريب” يتم اعتماده بشكل رسمي لتدريب الأئمة، سواء أئمة الصلاة أو محاضرين (خطباء) أو دعاة، بالإضافة إلى ضرورة تمكنهم من اللغة الفرنسية والحصول على دبلومات تؤكد ذلك، وإمكانية حصولهم على تدريب جامعي وعلى المجلس أن يلائم الأئمة الحاليين على هذا النموذج.
وقالت مصادر الموقع إن المجلس الوطني للأئمة سيكون مجلساً لإعطاء “الأوامر” مثل مجلس المحامين في فرنسا، ولن تكون له صلاحية اختيار الأئمة، وتمكينهم من رخصة ممارسة الإمامة، فقط الأمر غير موجود حالياً، ولكن يمكنه أن يُسحب منهم الرخصة في حالة مخالفتهم لميثاق الجمهورية، أو القانون “الأخلاقي” المنتظر إصداره.
وبخصوص تفاصيل الميثاق المقبل كشفت مصادر الموقع أنها “ستستجيب قطعاً لمتطلبات السلطات الفرنسية، ولن تخرج عن مضامين ما سُطر في مشروع القانون، إذ سيتضمن “نبذ الكراهية عبر الإنترنت” وذلك بعد حادث مقتل المدرس الفرنسي صامويل باتي، في 16 من شهر أكتوبر/تشرين الأول، على يد طالب شيشاني، وقبل ذلك تعرضه لمضايقات عبر شبكة الإنترنت بمجرد عرضه لرسوم للنبي محمد في الفصل.
أيضاً أعضاء مجلس المسلمين في فرنسا مطالبون بتأييد مشروع القانون الذي وضعه الرئيس الفرنسي لمحاربة الإسلام المتطرف و”الانفصالية”، والذي عُرض على البرلمان لمناقشته والمصادقة عليه في التاسع من شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل.
وينص مشروع قانون ماكرون على “مواجهة ما يسيء إلى التماسك والإخاء الوطنيين بين الفرنسيين”، وضمان “شفافية شروط ممارسة العبادة”، وذلك من خلال تعديل قانون سنة 1905 الخاص بفصل الكنيسة عن الدولة بما يخص التمويل، ومراقبة التمويلات الخارجية التي تتجاوز 10 آلاف يورو لدور العبادة، ومنها المساجد.
وبناء على الميثاق الجديد سيتم تعزيز القانون المنتظر المصادق عليه، وذلك بـ”منع مدارس الجمعيات السرية، ووضع حد للتعليم المنزلي لجميع الأطفال من سن 3 سنوات، باستثناء الحالات الخاصة، والإشراف على النظام التعليمي للمدارس”.
تخصيص معرف وطني لكل طفل في سن المدرسة يسمح للسلطات الأكاديمية بفرنسا بضمان عدم حرمان أي طفل من حقه في التعليم، خصوصاً بعد تصريح وزير الداخلية الذي قال إن “عدداً من الأطفال يصبحون عبارة عن أشباح، الأمر الذي يطرح سؤال أين يذهب هؤلاء خصوصاً في الأحياء الهامشية، الأمر الذي يُعزز فرضية استغلالهم من طرف المتطرفين”.
الميثاق سيفرض على الموقعين عليه احترام اللغة الأولى في الجمهورية، وهي اللغة الفرنسية، واحترام حرية التعبير، والمساواة بين الرجل والمرأة، ودعم الاختلاط في الأماكن العمومية بما في ذلك الأماكن الرياضية.
معارضة الميثاق
الاجتماع الذي احتضنه قصر الإليزيه تحدث فيه رئيس الجمهورية ماكرون بنبرة تهديدية مع المعارضين لخطته، وقال حرفياً كما علم “عربي بوست” “أنا على علم بمواقف المعارضين المتلبسة، هؤلاء وجب عليهم الخروج من هذا اللبس، ومن لم يُوقع على الميثاق فليتحمل نتيجة عمله”.
ومن بين المواقف المعارضة 3 اتحادات من أصل 9 تابعين لمجلس المسلمين في فرنسا، والذي قال عنهم الرئيس الفرنسي “لا يحملون قيم الجمهورية”، وهم حسب مصادر “عربي بوست” اتحاد “ميلي كوروس” التركي، و”مسلمي فرنسا”.
وقال فيصل فيليز، المتحدث الرسمي لمبادرة مسلمي أوروبا للتماسك الاجتماعي المنتمي لاتحاد، “ميلي كوروس” المعارض لـ”ميثاق الجمهورية” في حديثه لـ”عربي بوست” إن “الميثاق الجديد لن يبتعد عن الأُسس العلمانية التي تُريد فرنسا توظيفها، رغم أن الأمر يمس بالحقوق الكونية للمسلمين، من حرية التعبير وأيضاً حرية المعتقد والإدراك”.
وأضاف المتحدث “أن الميثاق الجديد سيخدم قيم الجمهورية كما تطالب فرنسا، لكنه سيمس المسلمين، وسيقيد حريتهم، لأنه سيتمضمن عوارض ليست مفصلة، ولن يتحدث مثلاً عن “السماح بارتداء الحجاب في الأماكن العامة، ولا حتى إعادة المحلات التي تبيع الأكل الحلال للمسلمين”.
من جهته يرى ياسر، ناشط حقوقي، رئيس لجنة العدل والحريات للجميع، في فرنسا أن “المساجد في فرنسا هي دائماً تحت المراقبة، وكل الأئمة يشتغلون مع الدولة والمخابرات التي تتوفر على المعطيات المفصلة على ما يقع في المساجد، والأحداث الإرهابية التي حصلت، فالدولة هي المسؤولة عنها، لأنها فشلت بآلياتها المتوفرة في رصد الإرهابيين”.
وأضاف المتحدث أن “الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم يتواصل مع المسلمين كأقلية، ولكنه اختار المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، وهي مؤسسة لا تُمثل إلا نفسها، لأنها غير منتخبة وتحت سلطة الدولة ولا تمثل المسلمين في فرنسا، والأكيد أنها ستطبق خطة ماكرون”.
وأشار المتحدث إلى أن “8 ملايين مسلم في فرنسا لم يختاروا يوماً من يمثلهم، واستغلال ماكرون مجلس الأئمة هو مخالفة للدستور، الذي يمنع الدولة من التدخل في الشؤون الدينية حسب دستور الجمهورية وقانون العلمانية، الذي يمنع موظف الدولة حتى من التدخل في الشؤون الدينية”.