كواليس قرار وقف إطلاق النار في ليبيا.. اقتراح أمريكي بجهود تركية ألمانية، وحفتر مضطر للقبول بسبب التأييد المصري
أصدر رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق المعترف بها دولياً، فائز السراج، ورئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، بيانين، الجمعة 21 أغسطس/آب 2020، أعلنا كل طرف في بيانه وقف إطلاق النار بكل الأراضي الليبية، في أعقاب اتصالات سياسية دولية مكثفة بشأن الأزمة الليبية شهدها الأسبوع.
وتضمَّن البيانان الدعوة إلى استئناف إنتاج النفط وتصديره، وتجميد إيراداته في حساب خاص بالمصرف الليبي الخارجي، ولا يتصرف أي طرف فيها إلا بعد التوصل إلى تسوية سياسية وفق مخرجات مؤتمر برلين، وبضمانة البعثة الأممية والمجتمع الدولي.
وأشار بيان رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق المعترف بها دولياً، فائز السراج، إلى أهمية جعل سرت والجفرة منطقتين منزوعتَي السلاح، ودعا إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في مارس/آذار المقبل، فيما طالب عقيلة بجعل سرت عاصمة مؤقتة للمجلس الرئاسي الجديد.
وشهد الأسبوع الماضي تحركات واتصالات دولية مكثفة في إطار السعي نحو التوصل إلى حل سياسي للأزمة الليبية، تمثلت في زيارة وزير الخارجية الألماني هايكو ماس لطرابلس الإثنين الماضي، وتبنِّيه طرح “الحل منزوع السلاح”، الذي يسوّق له السفير الأمريكي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند.
مقترح أمريكي بنزع السلاح في سرت والجفرة والجنوب
وقال مصدر رفيع المستوى لـ”عربي بوست”: “إن أمريكا تقدمت بمقترح اتفاق جديد لكل من تركيا وحكومة الوفاق، ينص على نزع السلاح من مدينتي سرت والجفرة، وإن حكومة الوفاق وتركيا وافقتا على المقترح بشروط، كان أبرزها أن يكون الاتفاق مكملاً لاتفاق برلين”.
وأكد المصدر أن وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، حصل على موافقة الإمارات وقطر وتركيا على جعل المنطقة الوسطى والجنوبية منطقة منزوعة السلاح، عقب زيارة مفاجئة يوم الإثنين 17 أغسطس/آب 2020 لطرابلس ومنها إلى أبوظبي.
من جانب آخر كشف الكاتب والباحث السياسي التركي أيوب صاغجان، عن مقترح اتفاق جديد تقدمت به أمريكا لكل من تركيا وحكومة الوفاق الوطني الليبية، وأن تركيا وافقت عليه بشروط.
وقال صاغجان في تصريح، الخميس 20 أغسطس/آب، للموقع الإخباري “وكالة أنباء تركيا”: “إن الاتفاق الأوَّلي ينص على نزع السلاح من مدينتي سرت والجفرة ومن مدينة سبها وجنوبي ليبيا ووسطها، وأن يشارك حفتر شخصياً في التوقيع عليه مع بقية الفرقاء الليبيين”.
وأضاف: “تركيا توافق من حيث المبدأ على الاتفاق، شرط أن يكون اتفاقاً مكملاً لاتفاق برلين”، وإن تركيا تشدد على هذا الشرط؛ كي لا يكرر حفتر ما فعله في موسكو عندما فرَّ هارباً من التوقيع على الاتفاق”.
وأشار صاغجان إلى أن تركيا وأمريكا تناديان بنزع السلاح من وسط وجنوبي ليبيا ومن سرت والجفرة، عكس المقترح الفرنسي الذي يقترح نزع السلاح من سرت والجفرة فقط، وشدد على أن هذا المقترح غير مقبول من تركيا ولا حتى من حكومة الوفاق الليبية.
ترحيب مصري وإيطالي وأمريكي
وفي أول رد فعل محلي، أكد آمر غرفة عمليات سرت والجفرة التابعة لحكومة الوفاق، العميد إبراهيم بيت المال، الامتثال لأوامر السراج بصفته القائد الأعلى للجيش، مطالباً قوات القيادة العامة التابعة لحفتر بـ”الانسحاب الفوري من سرت والجفرة”.
وتوالت ردود الفعل على مبادرتي السراج وعقيلة، إذ رحبت مصر بإعلان وقف إطلاق النار وجميع العمليات العسكرية في جميع الأراضي الليبية، فقد وصفه عبدالفتاح السيسي بأنه خطوة مهمة على طريق تحقيق التسوية السياسية، وطموحات الشعب الليبي في استعادة الاستقرار والازدهار بليبيا، وحفظ مقدرات شعبها.
واعتبرت إيطاليا “وقف إطلاق النار في ليبيا تطوراً مهماً وخطوة شجاعة باتجاه حل الأزمة”، مؤكدةً أنها تضمنت التوافق على بعض المبادئ المؤسِّسة لمسار مشترك لتجاوز الجمود في البلاد.
كذلك رحبت سفارة الولايات المتحدة في ليبيا، ووصفت ما دعا إليه السراج وعقيلة بالخطوات المهمة لجميع الليبيين، وأردفت: “سيكون لدى الولايات المتحدة المزيد لتقوله قريباً”.
كما رحبت السفارة الكندية التي حثت جميع أطراف الصراع الليبي على تنفيذ وقف إطلاق النار واستئناف العملية السياسية.
تركيا قادرة على إنهاء الوجود الروسي في ليبيا
ويرى الكاتب والمحلل السياسي الليبي عمر عبدالله، أن بيانَي السراج وعقيلة مؤشر على توافق الدول المحورية في الملف الليبي، مشيراً إلى أهمية الدور الذي تلعبه ألمانيا وتركيا في تحقيق الاستقرار بليبيا، واصفاً الموقف الفرنسي من البيان بالهلامي؛ لمعارضتها سحب حفتر من المشهد قبل إيجاد البديل.
وتابع عبدالله أن بياني السراج وعقيلة لا يعتبران الحل النهائي للأزمة الليبية، لكنهما خطوة أولى باتجاه الاستقرار ورأب الصدع بين الفرقاء الليبيين، منوهاً إلى أن عراقيل جديدة قد تظهر في طريق هذا التوافق.
وأضاف عبدالله أنَّ وقف بيع النفط والتغلغل العسكري الروسي في ليبيا كانا الهدف الرئيسي للدول الأوروبية وأمريكا لإنهاء الصراع في ليبيا بضمان وجود حليف محلي قوي متمثل في حكومة الوفاق، يضمن عدم عودة الإرهاب بالمنطقة، مع ضامن دولي لهذا الحليف متمثل في تركيا.
وشدد على أن المرتزقة الروس لن يخرجوا من الجفرة وسرت بأوامر من عقيلة صالح ولا من خليفة حفتر، مؤكداً أن المصالح التركية الروسية هي الوحيدة الكفيلة بإخراج مرتزقة فاغنر من ليبيا إذا تمكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من تلبية طلبات روسيا، في الاجتماع المزمع عقده في سبتمبر/أيلول المقبل، بين وزير الدفاع التركي ورئيس المخابرات التركية، ووزير الدفاع الروسي بروسيا حول الملف الليبي والسوري.
واستبعد عبدالله حدوث أي فوضى في المنطقة الشرقية، بسبب بيان عقيلة صالح المنافي لرغبات حفتر، وذلك بسبب دعم مصر للبيان، ولعدم سماحها بحدوث انفلات في المنطقة الشرقية من شأنه أن يتسبب في فوضى بالمنطقة قد تؤثر على أمنها القومي.
وأشار إلى أن دور خليفة حفتر العسكري والسياسي في برقة قد انتهى منذ خسارته بطرابلس وانسحابه منها.
وتخوَّف عبد الله من شكل الانتخابات التي يطالب بها الطرفان في مارس/آذار القادم، من حيث إنها توحي برغبة الأطراف في الانتقال إلى مرحلة انتقالية جديدة، قد تنتهي بانسداد سياسي بعد حين.
وطالب المجلسُ الرئاسي بتكليف مفوضية الانتخابات إصدار قانون الاستفتاء على مسودة الدستور التي أنجزتها لجنة صياغة الدستور، العام الماضي؛ لتحقيق استقرار حقيقي.
وأكد عبدالله أنَّ تعنُّت خليفة حفتر أمام رغبة أمريكا والدول الأوروبية بحجة محاربة الإرهاب، قد يعرِّضه لعقوبات دولية تجعله مطلوباً دولياً، بسبب جرائم الحرب التي ارتكبها في ليبيا، فضلاً عن جرائم الفساد وتهريب البشر والذهب والنفط.