كيف بدأ كورونا، وهل أتى من سوق ووهان حقاً؟ قصة الجائحة من البداية حتى الآن!
في الوعي العام، تبدو قصة أصل فيروس كورونا مكتملة الأركان: وهي أنه في أواخر عام 2019، أصيب شخص في سوق هونان الشهير للمأكولات البحرية في ووهان بفيروس من أحد الحيوانات.
والبقية جزء من تاريخ مروع ما يزال يتشكل، بعد انتشار كوفيد-19 من هذه المجموعة الأولى المحدودة في عاصمة مقاطعة هوبي الصينية، وتحوُّله إلى جائحة أودت بحياة أكثر من 100 ألف شخص حتى الآن.
غير أن بعض الصور الأرشيفية لحيوان البنغول -وهو حيوان ثديي حرشفي يشبه آكل النمل- وصلت إلى نشرات الأخبار، التي أشارت إلى أن هذا الحيوان كان نقطة انطلاق الفيروس قبل انتقاله إلى البشر، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
قصة كورونا
ولكن ثمة هالة من الغموض تحيط بجوانب عدة من قصة أصل كوفيد-19، يحاول العلماء جاهدين كشفها، ومنها أنواع الكائنات الحية التي نقلت هذا المرض إلى الإنسان. وهم يجتهدون في ذلك، لأن معرفة الطريقة التي بدأت بها جائحة هي المفتاح لمنع الجائحة التالية لها.
يقول البروفيسور ستيفن تيرنر، رئيس قسم علم الأحياء الدقيقة بجامعة موناش في ملبورن، إن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن الفيروس جاء من الخفافيش.
لكنه استدرك قائلاً إن الحقائق المؤكدة تتوقف عند هذا الحد.
ويقول تيرنر عن فرضية أن الفيروس ظهر بسوق الحيوانات الحية في ووهان من تفاعل بين أحد الحيوانات والإنسان: “لا أعتقد أنها قاطعة بأي حال”.
ويقول: “جزء من المشكلة هو أن المعلومات لا تفوق ما تأتي به مراقبة المرض”، مضيفاً أن الفيروسات من هذا النوع تنتشر طوال الوقت في مملكة الحيوان.
ويقول إن حقيقة أن الفيروس أصاب نمراً بحديقة حيوان في نيويورك تُظهر قدرة الفيروسات على الانتقال بين الأنواع المختلفة من الكائنات الحية. وقال: “فهمُ حجم الأنواع التي يمكن أن يصيبها هذا الفيروس أمر مهم، لأنه يساعدنا على تضييق نطاق البحث عن مصدره المحتمل”.
يقول العلماء إنه من المرجح للغاية أن الفيروس جاء من الخفافيش ولكنه مر أولاً عبر حيوان وسيط بالطريقة نفسها التي انتقل بها فيروس كورونا آخر-فيروس سارس الذي تفشى عام 2002- من خفاش حدوة الفرس إلى الزباد الذي يشبه القطط قبل أن يصيب البشر.
وأحد الحيوانات التي قد تؤدي دور الوسيط المضيف بين الخفافيش والبشر هو البنغول، الذي يقول الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة، إنه “أكثر الثدييات التي يتاجَر بها بشكل غير قانوني على مستوى العالم”. وهي حيوانات ثمينة، بسبب لحومها والفوائد الطبية المزعومة لحراشيفها.
وأفادت مجلة Nature بأن حيوان البنغول لم يكن مسجلاً بقائمة الحيوانات التي تباع في ووهان، رغم أن عدم إدراجه قد يكون متعمَّداً، لأنه من غير القانوني بيعه.
هل انتقل المرض عبر حيوان وسيط؟
يقول تيرنر: “لا نعرف على وجه الدقة أكان حيوان البنغول المسكين هو النوع الذي أصابه الفيروس أم لا. فإما أنه تطور في شيء آخر، في بنغول مسكين، وإما أنه قفز إلى البشر وتطور داخلهم”.
كان البروفيسور إدوارد هولمز، من جامعة سيدني، أحد القائمين على دراسة مجلة Nature التي فحصت الأصول المحتملة للفيروس بدراسة شريطه الوراثي (الجينوم). وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، شدد على أن هوية أنواع الكائنات الحية التي أدت دور المضيف الوسيط للفيروس “ما تزال غير مؤكدة”.
وركزت إحدى الدراسات الإحصائية على خاصية الفيروس التي تطورت لتمكّنه من التعلق بالخلايا البشرية. وحيوان البنغول بإمكانه تطوير هذه الخاصية، وكذلك القطط والجاموس والماشية والماعز والأغنام والحمام.
وزعمت دراسة أخرى أنها استبعدت بالكامل أن يكون البنغول حيواناً وسيطاً، لأن عينات الفيروسات المماثلة المأخوذة من البنغول لا تحوي سلسلة الأحماض الأمينية التي رُصدت في الفيروس المنتشر الآن بين البشر.
وأشارت الدراسة التي عمل عليها هولمز، إلى أن سيناريو تفاعل الإنسان في سوق ووهان مع حيوان يحمل الفيروس ليس سوى نسخة واحدة محتملة من قصة أصل كوفيد-19. ومن السيناريوهات الأخرى المحتملة انتقال سلالة من الفيروس إلى البشر ثم تطورها مع انتقالها من إنسان إلى آخر.
وقالت الدراسة: “وتؤدي هذه التطورات فور اكتساب الفيروس لها إلى وباء وظهور مجموعة كبيرة بدرجة كافية من الحالات لتشغيل نظام المراقبة الذي اكتشفه”.
هل سوق ووهان هو السبب؟
ووجد تحليل لأول 41 شخصاً أصيبوا بكوفيد-19، نُشر في دورية Lancet الطبية، أن 27 منهم تعرضوا بشكل مباشر لسوق ووهان. لكن التحليل نفسه وجد أن أول حالة معروفة من المرض لم تفعل.
وقد يكون هذا سبباً آخر للتشكك في القصة المعروفة.
يقول البروفيسور ستانلي بيرلمان، عالم المناعة الرائد بجامعة أيوا والخبير في أمراض فيروسات كورونا السابقة التي جاءت من الحيوانات، إن الفكرة القائلة بأن الرابطة بين الفيروس وسوق ووهان مصادفة “لا يمكن استبعادها”، لكن هذه الفرضية “تبدو أقل ترجيحاً”، لأنهم عثروا على المادة الوراثية للفيروس في بيئة السوق.
وقال بيرلمان لصحيفة Guardian Australia، إنه يؤمن بوجود حيوان وسيط، ولكنه يضيف أنه لم يثبت أن حيوانات البنغول هي “الوسيط الرئيسي”، رغم أنها أحد المرشحين المحتملين.
وقال: “أشك في حدوث أي تطور للفيروس بالحيوان الوسيط في حالة وجوده. إذ لم تحدث تغييرات كبيرة في الفيروس بالأشهر الثلاثة التي تفشت فيها الجائحة، وهو ما يشير إلى أن الفيروس متكيف مع البشر جيداً”.
ويُشار إلى أن ما يسمى بالأسواق الرطبة -حيث يجري تداول الحيوانات الحية- كانت سبباً لتفشي أمراض سابقة لفيروسات كورونا، لا سيما مرض سارس.
تقول الدكتورة ميشيل بيكر، خبيرة المناعة في هيئة البحوث الأسترالية CSIRO التي تدرس الفيروسات بالخفافيش، إن بعض الأبحاث حول أصول كوفيد-19 جاءت مما كان معروفاً من الماضي.
لكننا “لا نعرف حقاً” مدى دقة قصة أصل الفيروس، وتقول: “إنه مرتبط بشكل ما بسوق ووهان، وقد أصيب به أشخاص ذهبوا إلى هناك”.
تقول ميشيل إن السيناريو “المرجح كثيراً” هو أن الفيروس نشأ في خفاش. وتقول: “هو سيناريو محتمل ولكن لا يمكننا الجزم به مطلقاً. إذ إنهم نظفوا السوق بسرعة كبيرة. ولذا ليس بوسعنا سوى التكهن”.
وتقول: “اعتُبرت هذه الأسواق الرطبة مشكلة، لأنه تحدث بداخلها تفاعلات بين أنواع مختلفة من الكائنات الحية. وهي فرصة لتسليط الضوء على مخاطرها وفرصة لإنهائها”.
ويضيف تيرنر: “لقد وجدنا أسلاف الفيروس، ولكن اكتساب قدر أكبر من المعرفة عن فيروس كورونا في أنواع أخرى من الكائنات الحية قد يعطينا فكرة عن تطور هذا الشيء وكيف وصل إلينا”.