كيف تهزّ الحرب الروسية الأوكرانية الاقتصاد العالمي؟ 3 سيناريوهات تنتظر الأسواق يحددها نطاق الصراع

حطم الاجتياح الروسي لأوكرانيا، الذي انطلق في 24 فبراير/شباط 2022، بقرار من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الآمال في انتعاش الاقتصاد العالمي على المدى القصير على الأقل، حيث لم يتعافَ العالم بشكل كامل بعد من صدمة الوباء الذي أنهكه منذ مطلع العام 2020. ويتوقع المحللون والخبراء أن يرتفع التضخم بشكل أكبر حول العالم، ما يهدد النمو ويهز كذلك الأسواق المالية غير المستقرة بالأساس، وسيعتمد حجم “الزلزال الاقتصادي” القادم على مدى استمرار هذه الحرب واتساع نطاقها.

كيف تهز الحرب الروسية الأوكرانية الاقتصاد العالمي؟

يقول تقرير لوكالة bloomberg الأمريكية، إن الاجتياح الروسي يحمل مخاطر هائلة على الاقتصاد العالمي، إذ يبدو الصراع بالفعل وكأنه أخطر حرب في أوروبا منذ عام 1945.

وجاء الهجوم بعد أسابيع من التوترات التي أرسلت بالفعل هزات في الاقتصاد العالمي من خلال رفع أسعار الطاقة. تسارع ذلك يوم بدء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، في 24 فبراير/شباط، وقفز النفط متجاوزاً 100 دولار للبرميل للمرة الأولى منذ 2014، بينما قفز الغاز الطبيعي الأوروبي بنسبة تجاوزت 60%.

بينما تكافح أوكرانيا أمام الاجتياح الروسي تتخذ الحكومات الغربية خطوات لمعاقبة روسيا، رغم أنها تدرك أن القيام بذلك سينعكس على اقتصاداتها. وفرضت أمريكا وأوروبا وبريطانيا عقوبات قاسية تستهدف عصب الاقتصاد الروسي، فيما يؤدي ارتفاع أسعار البنزين بالفعل إلى تآكل شعبية الرئيس الأمريكي جو بايدن بين الناخبين، بحسب بلومبرغ.

الصراع الحالي هو الأخطر في أوروبا منذ عام 1945، وانعكاساته الاقتصادية ستكون كبيرة/ رويترز

وترك الوباء الاقتصاد العالمي يعاني من 3 نقاط ضعف: التضخم المرتفع والأسواق المالية غير المستقرة وتهديد النمو أيضاً، إذ يمكن أن تؤدي الهزات الارتدادية من الحرب الروسية الأوكرانية إلى تفاقم هذه المشاكل بسهولة.

وفيما يتعلق بالنمو سيكون لدى الأسر التي تنفق جزءاً أكبر من دخولها على الوقود والتدفئة نقود أقل للسلع والخدمات الأخرى، ومن شأن هبوط الأسواق أن يضيف عائقاً آخر، ويضرب الثروة والثقة، ويجعل من الصعب على الشركات الاستفادة من الأموال للاستثمار.

ما مقدار السوء الذي يمكن أن تصل له الآثار الاقتصادية للحرب الروسية الأوكرانية؟

يقول تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية إن حجم الضربة التي سينتهي بها الصراع الجاري على الاقتصاد العالمي تعتمد على مقدار طول الحرب ونطاقها، وشدة العقوبات الغربية، واحتمال انتقام روسيا. هناك أيضاً احتمالية لحدوث تقلبات أخرى، من الهجرة الجماعية للاجئين الأوكرانيين إلى موجة من الهجمات الإلكترونية المتبادلة.

فيما يقول تقرير لصحيفة Elpais الإسبانية، إن الاتحاد الأوروبي هو أحد أكثر الأسواق تعرضاً للمخاطر بسبب حرب العقوبات الاقتصادية مع موسكو. حيث ستؤثر زيادات أسعار الطاقة وارتفاع الأسعار بشكل أساسي على البلدان الأكثر اعتماداً على واردات الغاز داخل الاتحاد الأوروبي، وعلى مشتري الحبوب المزروعة في المنطقة. خارج روسيا نفسها يعتبر الاتحاد الأوروبي السوق الأكثر عرضة لـ”الحرب الانتقامية”.

بايدن بوتين روسيا أوكرانيا
الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال إعلانه عن حزمة عقوبات على روسيا/ رويترز

قبل بدء الحرب، ارتفع التضخم إلى 7.5% في الولايات المتحدة، في يناير/كانون الثاني، وهي أسرع وتيرة في أربعة عقود، و5% في منطقة اليورو، وهي أعلى نسبة منذ عام 1997. ومن المتوقع أن يشتد الضغط لرفع أسعار الفائدة، ولكن هناك أيضاً شكوك حول ما إذا كان يجب القيام بذلك دون إبطاء الانتعاش.

سيناريوهات عدة تنتظر الاقتصاد العالمي

رغم أن الحروب لا يمكن التنبؤ بها، ونتائجها تكون فوضوية أكثر من أي توقعات، فإن وضع بعض السيناريوهات يمكن أن يساعد في فهم الأوضاع التي ستقبل عليها اقتصادات الدول.

1- نهاية سريعة للحرب واستمرار تدفق النفط والغاز

تقول بلومبرغ إيكونوميكس إن النهاية السريعة للقتال في أوكرانيا، ستمنع حدوث مزيد من التصاعد اللولبي في أسواق السلع، ما يبقي التعافي الاقتصادي الأمريكي والأوروبي على المسار الصحيح، لكن سيتعين على محافظي البنوك المركزية تعديل خططهم لا إلغاؤها.

والسيناريو المتفائل هذا لا يرى أي انقطاع في إمدادات النفط والغاز، مع استقرار الأسعار عند مستوياتها الحالية، وتشديد الأوضاع المالية، ولكن دون انزلاق مستدام في الأسواق العالمية.

وظهر هذا النوع من التفاؤل في أسواق النفط بعد أن كشفت الولايات المتحدة وحلفاؤها النقاب عن حجم العقوبات على روسيا، رغم أنها شملت قطع بعض البنوك الروسية عن نظام “سويفت” العالمي، لكن حتى اللحظة فإن إمدادات الطاقة الروسية لم تكن هدفاً للعقوبات الغربية.

2- صراع أطول ورد فعل غربي أكثر صرامة وتضرر إمدادات الطاقة

في السيناريو الثاني، فإن الصراع المطول، والاستجابة الغربية الأكثر صرامة، والاضطرابات في صادرات النفط والغاز الروسية، ستؤدي إلى صدمة طاقة أكبر وضربة كبيرة للأسواق العالمية. ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى رفع أسعار الفائدة من قبل المركزي الأوروبي، في حين أن تشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي سيتباطأ.

يتجنب بعض مالكي ناقلات النفط التعامل مع الخام الروسي حتى يصبح لديهم المزيد من الوضوح بشأن العقوبات. حيث تمر بعض خطوط أنابيب الغاز الرئيسية عبر أوكرانيا، ويمكن أن تتضرر أثناء القتال، ويمكن للانقطاع المحدود للإمدادات أن يؤدي إلى تفاقم الصدمة التي تتعرض لها أسعار الطاقة.

وتواصل أسعار الغاز الطبيعي الارتفاع، حيث صعدت الأربعاء 2 مارس/آذار فوق مستوى 2000 دولار لكل ألف متر مكعب، وذلك للمرة الأولى منذ 21 ديسمبر/كانون الأول الماضي.

خطوط إمداد الغاز الروسي نحو أوروبا/ رويترز

وذكرت وكالة “تاس” الروسية أن زيادة أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا جاءت بعد أن فرضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى عقوبات على كيانات وشخصيات في روسيا. فيما أكدت شركة “غازبروم” الروسية استمرار ضخ الوقود الأزرق إلى أوروبا عبر أوكرانيا، في رسالة لطمأنة الأسواق التي تتخوف من تأثر إمدادات الغاز بالوضع المحيط بأوكرانيا.

وفي هذا السيناريو، من المرجح أن تكون أوروبا قادرة على إبقاء أضوائها مضاءة، ولكن سيكون هناك ضرر مادي للناتج المحلي الإجمالي، ما سيدفع لرفع لسعر الفائدة من البنك المركزي الأوروبي حتى عام 2023.

وفي الولايات المتحدة، قد يدفع هذا السيناريو التضخم العام إلى 9% في مارس/آذار، ويبقيه قريباً من 6% بحلول نهاية العام. في الوقت نفسه من شأن المزيد من الاضطرابات المالية وضعف الاقتصاد، جزئياً بسبب الانكماش الأوروبي، أن يترك بنك الاحتياطي الفيدرالي في حالة تضارب.

3- السيناريو الأسوأ.. انقطاع إمدادات الطاقة بالكامل

لكن الأسوأ هو السيناريو الثالث، حيث يمكن أن يؤدي قطع إمدادات الغاز في أوروبا إلى مزيد من الركود، في حين أن الولايات المتحدة ستشهد ظروفاً مالية أكثر صرامة، وضربة أكبر للنمو، وللمجلس الاحتياطي الفيدرالي نظرة هي الأكثر تشاؤماً بشكل ملحوظ حيال ذلك.

وقد ترد روسيا على تصاعد العقوبات الغربية ضدها بإيقاف تدفق الغاز إلى أوروبا. وبحسب بلومبرغ لم يفكر مسؤولو الاتحاد الأوروبي في الأمر، العام الماضي، عندما أجروا محاكاة لـ19 سيناريو لاختبار الضغط على أمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، يقدر البنك المركزي الأوروبي أن صدمة تقنين الغاز بنسبة 10% قد تخفض الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو بنسبة 0.7%.

بالنسبة للولايات المتحدة، ستكون صدمة النمو كبيرة أيضاً. وقد تكون هناك عواقب غير مقصودة من العقوبات القصوى التي تعطل النظام المالي العالمي، مع تداعيات على البنوك الأمريكية، سوف يتحول تركيز الاحتياطي الفيدرالي إلى الحفاظ على النمو، ولكن إذا أدت الأسعار المرتفعة إلى ترسيخ توقعات التضخم بين المستهلكين والشركات، فإن ذلك من شأنه أن يثير أسوأ سيناريو للسياسة النقدية: الحاجة إلى التشديد بقوة حتى في ظل اقتصاد ضعيف.

رابحون وخاسرون آخرون

السيناريوهات المذكورة أعلاه، بالطبع، تركز على أكبر الاقتصادات المتقدمة في العالم، لكن البلدان في كل مكان تقريباً ستشعر بتأثير ارتفاعات أسعار السلع الأساسية، والتي تشمل المواد الغذائية الأساسية مثل القمح وكذلك الطاقة.

ويهدد استمرار الحرب الروسية الأوكرانية سلاسل التوريد حول العالم، ما يدفع أسواق السلع والمواد الغذائية إلى الصعود بشكل غير مسبوق، وهي وصلت بالفعل إلى مستويات عالية، حيث تمثل الدول المتحاربة ثلث صادرات القمح في العالم وخُمس تجارة الذرة.

وتستعد الدول والشركات متعددة الجنسيات التي لها عمليات واستثمارات في روسيا لتداعيات انقطاع الصادرات الروسية، الأمر الذي يهدد بالتأثير على مجموعة واسعة من الصناعات، من مصنعي الأسمدة إلى الأغذية والسيارات والطائرات وغيرها، بحسب صحيفة “فيننشيال تايمز”.

وقد يستفيد البعض، مثل المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج المصدرة للنفط، بسبب ارتفاعه، لكن بالنسبة لمعظم الأسواق الناشئة -التي تعاني بالفعل من بطء الانتعاش- فإن الجمع بين الأسعار المرتفعة وتدفقات رأس المال الخارجة يمكن أن يوجه ضربة كبيرة لاقتصاداتها، ما سيؤدي إلى تفاقم مخاطر أزمات الديون بعد الوباء. وتعتبر تركيا، وهي مستورد كبير للطاقة، والتي كانت لديها بالفعل عملة متراجعة وتضخم متصاعد قبل الأزمة الأوكرانية، مثالاً صارخاً على ذلك.

ثم هناك مخاطر يصعب قياسها مثل الهجمات الإلكترونية التي تشنها روسيا. وقدر بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في نيويورك، أن هجوماً سيبرانياً واحداً يضعف أنظمة المدفوعات، ويمكن أن يمتد إلى 38% من جميع الأصول المصرفية، ما يؤدي في أسوأ سيناريو إلى اكتناز السيولة والإفلاس.

لكن هناك شيء واحد يبدو واضحاً، من بين الاقتصادات الكبرى ستكون روسيا هي التي ستتلقى الضربة الأكبر، ومن المرجح جداً أن يكون ثمن السياسة الخارجية للرئيس بوتين هو الاقتصاد المتقلص في الداخل، كما تقول بلومبرغ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى