كيف حول محمد بن سلمان حياة أغنى رجل في العالم إلى جحيم بسبب اغتيال خاشقجي
غضب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان كان السبب في تكبّد مؤسس شركة أمازون أغلى طلاق في التاريخ، ولكن يبدو أن أغنى رجل في العالم ستتواصل خسائره، بسبب خلاف لم يقصده مع ولي العهد السعودي الشاب.
كانت المملكة العربية السعودية وشركة أمازون شريكين مثاليَّين، فلكلِّ منهما طموحاته لكي يصبحا لاعبَين أكثر بروزاً في الاقتصاد العالمي.
سار أكبر متجرٍ في العالم وثاني أكبر منتجٍ للنفط في العالم بقوةٍ في السنوات الأخيرة، نحو صفقةٍ لبناء مراكز بيانات لأمازون في المملكة، ذات الطبيعة الصحراوية.
لكن منذ العام الذي قَتل فيه العملاء السعوديون جمال خاشقجي، المعارض السعودي وكاتب الأعمدة لدى صحيفة The Washington Post الأمريكية، يبدو أن هذه الشراكة قد توقفت. ما مِن مراكز بيانات قيد الإنشاء حالياً. ويقول مسؤولو أمازون إنه ما مِن تحرُّكٍ نحو عقد صفقةٍ هذا العام بين الجانبين، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Washington Post.
لن نشارك في مؤتمر الاستثمار السعودي
وبينما توجَّهَ مديرون تنفيذيون من العشرات من كبرى الشركات الأمريكية إلى الرياض الثلاثاء، 29 أكتوبر/تشرين الأول، لحضور مؤتمر الاستثمار السعودي، الذي سيدشِّن عودة وليّ العهد محمد بن سلمان إلى المسرح العالمي، لم يكن مؤسس أمازون، جيف بيزوس، ولا أيٌّ من كبار مديريه التنفيذيين ضمن الحضور، وفقاً لمسؤولٍ في أمازون على اطّلاعٍ على خطط الشركة.
ورغم أنه ما مِن أحدٍ من أيٍّ من الجانبين مستعدٌ للإعلان عن قطع العلاقات بصورةٍ دائمة بين أمازون والسعوديين، فقد جاء التجميد في العلاقات، التي بدت في السابق واعدة، بعد سلسلةٍ متسارعة من الأحداث القاسية، فبعد مقتل خاشقجي في إسطنبول صار الرجل الأغنى في العالم، الذي يملك أيضاً صحيفة The Washington Post، هدفاً لموجاتٍ من الانتقاد من مُتصيِّدين مقيمين في السعودية.
وبعد أن نشرت صحيفة The National Enquirer الأمريكية، في وقتٍ سابقٍ من العام الجاري، كشفاً يعرض علاقةً لبيزوس خارج إطار الزواج، أفصح الملياردير الأمريكي عن أن الصحيفة قد هدَّدَته بنشر صور فاضحة له، إن لم يُصرِّح علانيةً بأنه ما مِن دافعٍ سياسي وراء القصة التي نشرتها الصحيفة سابقاً.
لم يكن لبيزوس أن يقدم مثل هذا التنازل للصحيفة.
مستشاره الأمني يتهم السعودية باختراق هاتفه
وقد زعم مستشاره الأمني، غافين دي بيكر، أن الحكومة السعودية «تمكَّنَت من الدخول إلى هاتف بيزوس وحصلت على معلوماتٍ خاصة». وقال دي بيكر إن «الحكومة السعودية تنوي إيذاء جيف بيزوس منذ أن بدأت صحيفة The Washington Post تغطيتها بلا هوادة لقضية مقتل خاشقجي».
وفي الأشهر التالية مذاك الحين، لم يظهر دليلٌ قط يُعزِّز النظرية القائلة بأن السعوديين استخدموا معلوماتٍ قرصنوها من هاتف بيزوس في حملةٍ ضد الملياردير الأمريكي، بما يُحتَمَل أن يتضمَّن الصور التي هدَّدَت صحيفة The Enquirer بيزوس بنشرها.
ومن جانبها، أنكرت الصحيفة أيَّ دورٍ للسعوديين في تقريرهم حول علاقة بيزوس القائمة خارج إطار الزواج. ولم يُصدِر المُدَّعون الفيدراليون في نيويورك، الذين نظروا في ادِّعاءات التورُّط السعودي أيَّ تهمٍ بهذا الشأن.
هل واشنطن بوست هي السبب، أم هذا الموقف الذي اتَّخذه بيزوس؟
بعد عامٍ من مقتل خاشقجي، تظل جذور الخلاف بين بيزوس والسعوديين مُتنازَعاً عليها. ويقول بعض قادة الأعمال والمُطَّلعين السعوديين إن العداوة السعودية تجاه بيزوس نشأت من قرار الملياردير الأمريكي بالانضمام إلى آخرين في رفض الاستعراض الدولي للأعمال، الذي يُقدِّمه وليّ العهد السعودي، والمعروف بشكلٍ غير رسمي باسم دافوس الصحراء، سواء في العام الماضي أو مُجدَّداً في الشهر الجاري.
ويقول آخرون إن السعوديين دشَّنوا الهجوم ضد بيزوس لأنهم اعتقدوا -خطأً- أنه وجَّهَ صحيفة The Washington Post بتغطية قضية خاشقجي.
حملة إلكترونية ضد أغنى رجل في العالم، وبيزوس يؤكد أنه لم يحرض الصحيفة
وبحلول الوقت الذي نشرت فيه The Enquirer كشفها لقصة بيزوس، تعرَّضَ الأخير لضربةٍ أخرى جاءت على ما يبدو في صورة موجةٍ مُنسَّقة انطلقت من المملكة السعودية، وهو تكتيكٌ لطالما سلَّط خاشقجي الضوء عليه في كتاباته عن نظام الحكم الذي رآه فاسداً في بلده. وكان الصحفي السعودي، قبل مقتله بفترةٍ قصيرة، يساعد في تمويل مؤسسة داعمة للديمقراطية كان من شأنها أن تساند المعارضين السعوديين وأن تتصدَّى لمُتصيِّدي الشبكات الاجتماعية الذي يردِّدون تصوُّرات الحكومة.
وفي تدوينةٍ كتبها في وقتٍ سابقٍ من العام الجاري، وَصَفَ بيزوس، الذي رَفَضَ التعليق على التدوينة، ملكيته لصحيفة The Washington Post أنها «أمرٌ عسيرٌ بالنسبة لي«.
وقال إن «بعض الأناس النافذين الذين طالتهم تغطية The Washington Post سوف يستنتجون خطأً أنني عدوٌ لهم».
وها هو يتكبّد أغلى طلاق في التاريخ
وبسبب هذه الفضيحة، قرَّر بيزوس وزوجته الروائية ماكينزي، الطلاق بعد 25 عاماً من الزواج. وكجزء من التسوية، ستحصل شركة ماكنزي بيزوس على 25% من أسهم أمازون للزوجين، وفقاً لتقرير الأوراق المالية الصادر في أبريل/نيسان، وهذا من شأنه أن يعطيها حصة 4% في الشركة ، والتي سوف تصل إلى حوالي 38 مليار دولار.
ويعد هذا الطلاق، وبفارق كبير جداً، أغلى طلاق في التاريخ، إذ إن الرقم القياسي السابق المسجل لأغلى طلاق في العالم بلغ 2.5 مليار دولار، وحصلت عليه جوسلين ويلدنستاين بعد طلاقها من تاجر اللوحات الفنية أليك ويلدنستاين عام 1999.
بينما يخوض سباقاً ضارياً من أجل التوسُّع
توسَّعَ قسم الحوسبة السحابية بشركة خدمات أمازون ويب، المملوكة لبيزوس، ليصبح هو القسم الأكثر ربحية من شركة بيزوس العملاقة، إذ حقَّق القسم ربحاً أكثر مِمَّا جنته شركة أمازون من المبيعات عبر الإنترنت، ووحدة الإنتاج التلفزيوني، وأجهزة الكيندل، ومساعد أليكسا الافتراضي، في أمريكا الشمالية ككل. وحقَّقَت شركة خدمات أمازون ويب 25.7 مليار دولار في العام 2018 -أكثر من ماكدونالدز- وهو ما يُعَدُّ نمواً هائلاً بنسبة 47% عن العام السابق.
ويتوقَّع مُحلِّلون أن يأتي المزيد من النمو في شركة خدمات أمازون ويب من الخارج. وكانت الشركة، التي تتمتَّع بزبائن في 172 دولة ولديها موظفون في 35 دولة، تنمو بسرعةٍ كبيرة على المستوى الدولي، بحيث عيَّنت موظفين في الولايات المتحدة بنفس الوتيرة التي عملت بها داخل الولايات المتحدة، العام الماضي.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة خدمات أمازون ويب، أندي جاسي: «نحن فقط في بداية الطريق».
والسعودية تشكل سوقاً مثالياً
استهدفت أمازون، التي تتسابق معها شركتا مايكروسوفت وجوجل للحاق بركابها، بالشرق الأوسط، وبالأخص السعودية، كجزءٍ من دورتها التوسُّعية المقبلة. وتجوب الشركات الثلاث العالم سعياً لبناء مراكز بيانات يمكنها توفير خدمات حوسبة حسب الطلب للشركات الكبرى والناشئة، وكذلك للأجهزة الحكومية من كلِّ شكلٍ وحجم.
وتحتاج شركات الحوسبة السحابية العملاقة هذه إمكانياتٍ للوصول إلى طاقةٍ وبنيةٍ تحتيةٍ كهربائية، وأراضٍ ميسورة، وأعدادٍ متزايدةٍ من عملاء الشركات. وكانت المملكة السعودية مطابقةً لكلِّ هذه المعايير. ولا يتعلَّق الأمر بأن المملكة السعودية تُعَدُّ واحدةً من أغنى الدول في الشرق الأوسط، بل إن اقتصادها المُتنوِّع وسُكَّانها الذين تقل أعمار 60% منهم عن 30 عاماً، هما اللذان يوفِّران فرصةً لتحقيق نموٍ هائل.
وأمازون خطط لمشروع كبير معها
كانت شركة خدمات أمازون ويب قد أعلنت، بعد ثمانية أشهر من تولي إدارة ترامب السلطة، خططاً لافتتاح أول مركز بياناتٍ لها في الشرق الأوسط، في البحرين، ولعقد أول مؤتمر إقليمي للشركة هناك.
وفي الشهور التالية، ظهرت تقارير في الإعلام المالي حول العالم تفيد بأن المملكة السعودية على وشك أن تكون التالية في خضم التوسُّع في الشرق الأوسط، أو أن المملكة السعودية قد تتفوَّق على جارتها.
وأفادت التقارير أن أمازون كانت على وشك إتمام صفقةٍ بقيمة 1 مليار دولار، لبناء ثلاثة مراكز بيانات في المملكة السعودية، وكان من المُرجَّح الإعلان عن الصفقة خلال زيارة وليّ العهد السعودي الولايات المتحدة في أوائل العام 2018.
كان يبدو أن العلاقات بين المملكة السعودية والولايات المتحدة تزداد قرباً. وقد اختار الرئيس الأمريكي، الذي كان قد تولَّى منصبه منذ وقتٍ قريبٍ فقط آنذاك، السعودية لتكون وجهته في أول رحلة خارجية له.
ووصف وليّ العهد ترامب بأنه «رئيسٌ سوف يضع أمريكا مُجدَّداً على المسار الصحيح».
وفي وقتٍ لاحق من العام 2017، حين ظهرت تقارير تفيد بأن الأمير محمد بن سلمان والملك سلمان قد زجَّا بالمئات من الخصوم السياسيين والمديرين التنفيذيين في السجن، غرَّد ترامب معرباً عن تأييده، قائلاً: «لديّ ثقةٌ كبيرة في الملك سلمان ووليّ عهد المملكة السعودية. إنهم يعرفان بالضبط ما يفعلان».
وتحالف الأمير تحديداً مع جاريد كوشنر، صهر ترامب، ثم بدأ في إلغاء بعض القيود الدينية المُتشدِّدة التي حدَّت من مُشاركة بلاده في الاقتصاد العالمي.
ومسؤولو الشركة هلّلوا لإصلاحات الأمير
وحين أعلنت المملكة في مايو/أيار عام 2017، أنَّها ستسمح للنساء بالعمل والدراسة دون موافقة أزواجهن أو آبائهن، احتفت تيريزا كارلسون، أكبر مُديري المبيعات الحكومية في خدمات أمازون ويب بالإعلان، وكتبت الأخبار في تغريدةٍ مرفقةٍ بهاشتاغي #progress (#تقدُّم) و#keeppushinghard (#استمر_في_الضغط).
وتُشجِّع تيريزا الزعماء الأجانب على التعاون مع خدمات أمازون ويب، في مجال الحوسبة السحابية المُتوسِّع، بوصفها مواطنةً من ولاية كنتاكي تعشق الرياضات الجامعية وسباقات الخيل وويسكي البوربون من ولايتها.
وتحدَّث شخصان عملا معها في شركة Amazon، بشرط عدم الكشف عن هويتهم لأنَّهم غير مُخوّلين بالحديث عن المفاوضات، قائلين إنَّ تيريزا ضغطت بقوةٍ من أجل توقيع صفقة مركز بياناتٍ في السعودية، يبدأ العمل فيه بعد وقتٍ قصير من انضمامها إلى الشركة عام 2010. ورفضت خدمات أمازون ويب ظهور تيريزا في مقابلةٍ، أو إجابتها عن الأسئلة، حول دورها في المحادثات مع السعودية.
وسبق أن أبرموا بالمنطقة أكبر صفقة استحواذ في تاريخهم
وأكَّدت شركة Amazon على مصالحها في المنطقة بشراء سوق.كوم Souq.com، موقع التجارة الإلكترونية الذي أُعيد تسويقه على عنوان Amazon.com/ae، من أجل الوصول إلى أسواق التجزئة على الإنترنت في السعودية والإمارات والعديد من الدول العربية الأخرى التي تتواجد بها Souq.com.
وتكلَّفت الصفقة 580 مليون دولار أمريكي، لتصير بذلك أغلى عمليات الاستحواذ الأجنبية في تاريخ Amazon، مما يدُل على أهمية المنطقة بالنسبة للشركة.
وكانت السعودية بالفعل واحدةً من أعلى الدول إنفاقاً على الحوسبة السحابية في كافة أنحاء الشرق الأوسط وإفريقيا. وقالت تيني هاينز، المُحلِّلة البارزة في شركة Gartner للأبحاث، إنَّ «المملكة العربية السعودية هي أكثر الأماكن ملاءمةً لوجود مركز بيانات»، بين دول مجلس التعاون الخليجي الست.
وكانت لدى السعودية طموحاتها الخاصة أيضاً، إذ قال الأمير محمد في عام 2016: «في غضون 20 عاماً، سنكون اقتصاداً أو دولةً لا تعتمد بشكلٍ رئيسي على النفط».
واستهدف السعوديون تحويل جزءٍ من أصولهم النفطية الهائلة إلى ممتلكاتٍ أكثر تنوُّعاً عن طريق تعميق روابطهم مع الغرب، بالاستثمار خصيصاً في شركات التكنولوجيا الأمريكية.
ومع استعداد الأمير محمد لزيارة الولايات المتحدة، العام الماضي، قالت التقارير الإخبارية في العديد من الدول إنَّ أجندة زيارته تضمَّنت دفعةً أخيرة لإتمام الصفقة مع Amazon من أجل بناء مراكز البيانات. وخلُص بعض المُحلِّلين والعاملين في الشركة إلى أنَّ الصفقة باتت وشيكةً حين وافق بيزوس على لقاء ولي العهد خلال زيارته في مارس/آذار، من العام الماضي.
وقال أحد الأشخاص الذين عملوا مع تيريزا في Amazon: «لن يُقابل شخصاً ما لم يكُن يعتقد أنَّ هناك فرصةً هائلة، إذ إنَّه معروفٌ برفض اللقاء مع زعماء الدول، ولا يلتقي أحداً لمجرد اللقاء، فلا شكَّ أنَّهم كانوا على وشك إتمام صفقةٍ ما».
والمشروع متوقف رغم عدم صدور إعلان بذلك
وبعد سبعة أشهرٍ من زيارة الأمير لأمريكا اغتيل خاشقجي، ولم يصدر قرار إلغاءٍ رسمي لصفقة مراكز البيانات، لكن أعمال البناء لم تنطلق كذلك.
وقال مسؤولٌ مُطلعٌ على خطط Amazon إنَّه «ليست هناك أيّ تطورات جديدة» في الجهود بعيدة المدى، لبناء مرافق خدمات أمازون ويب داخل المملكة.
وأضاف مسؤولٌ في الشركة أنَّ بيزوس وكبار مُديري Amazon وخدمات أمازون ويب لم يحضروا «مبادرة مستقبل الاستثمار»، وهو المؤتمر الاقتصادي لولي العهد، الذي انطلق الثلاثاء 29 أكتوبر/تشرين الأول.
وبيزوس مصمم على دور السعوديين في فضيحته
وقال مسؤولٌ مُقرَّبٌ من بيزوس، ويعرف طريقة تفكيره، إنَّ بيزوس مُقتنعٌ بالادعاءات حول علاقة صحيفة The Enquirer بالسعوديين. ورفض المُتحدِّث باسم مكتب المدعي العام الأمريكي في الحي الجنوبي بنيويورك التعلِّيق على التحقيقات الجارية في العلاقة بين السعوديين والصحيفة المذكورة سلفاً.
وبحسب أشخاصٍ مُطلعين على تفكير بيزوس، كان أحد «التعقيدات» في علاقة بيزوس مع الحكومة السعودية هي العقد المُبرم بين صحيفة Washington Post وخاشقجي، الذي فرَّ إلى الولايات المتحدة طالباً اللجوء السياسي. وجاء عموده الأول تحت عنوان: «لم تكُن السعودية بهذه القمعية دائماً، لكن الأمر صار لا يُطاق الآن».
علاوةً على أنَّ بيزوس كان قد دخل في علاقةٍ غرامية خارج إطار الزواج مع لورين سانشيز، الطيارة والمُذيعة التلفزيونية السابقة.
تزامن بين الحملة ضده ومقتل خاشقجي
وبعد أقل من أسبوعين على قتل خاشقجي، ظهرت موجة تغريداتٍ مناهضةٍ لبيزوس من السعودية، وهاجمت شركة Amazon وصحيفة Washington Post باللغة العربية.
وهاجمت بعض التغريدات بيزوس بوصفه «يهودياً«، رغم أنَّه ليس يهودياً.
وقالت إحدى تلك التغريدات: «نحن كسعوديين وخليجيين لن نرضى إطلاقاً بأن تهاجمنا صحيفة واشنطن بوست نهاراً، ونشتري من أمازون وسوق دوت كوم ليلاً. العجيب أن واشنطن بوست وأمازون وسوق دوت كوم تابعة لنفس الشخص اليهودي الذي يحاربنا في النهار، ويبيع لنا في الليل».
وبدأت علاقة المملكة مع تويتر وغيره من الشبكات الاجتماعية بجدية، مع حلول الربيع العربي عام 2011، حين هزَّ المتظاهرون الشباب المُطالبون بالديمقراطية عروش الأنظمة الاستبدادية من تونس إلى البحرين، لكن تحدِّي الحكومة في السعودية حدث بشكلٍ رئيسي عبر الإنترنت، وليس في احتجاجات الشارع.
وتواصل الانتقاد العلني للنظام على تويتر بين السعوديين، حتى وصل الأمير محمد إلى السلطة في عام 2017، وأطلق حملته القمعية ضد المُعارضين على الإنترنت. وانتهى المطاف بالعديد من المُعارضين البارزين خلف القضبان أو في المنفى، وانضم آخرون إلى حملة الدعاية الحكومية أو صاروا أهدافاً لـ «جيش المتصيدين/الذباب الإلكتروني» غير الرسمي، وهم المُغرِّدون المُؤيِّدون للحكومة الذين دشنوا هجمات واضحة التنسيق ضد أعداء النظام المُتصوَّرين.
جيش المتصيدين الإلكتروني الأكثر تنظيماً في العالم
يقول إياد البغدادي، الفلسطيني الذي يعيش في النرويج وقضى سنوات في متابعة رسائل الحكومة السعودية عبر الإنترنت: «تُغرق المنظمات و «الشخصيات المؤثرة» الصديقة للحكومة فضاء الإنترنت بالدعاية، مدعومةً بجحافل الحسابات غير المُوثَّقة، التي تتألَّف من بوتات الإنترنت وحسابات التصيّد التي يُديرها البشر. ويبدو أنَّ أداة الدعاية هذه مُوجَّهةٌ مركزياً؛ إذ تعمل مختلف أجزائها معاً لضخ الدعاية، والتجمهر حول أي حساباتٍ مُستقلة متبقية، وتهديد وتخويف المُعارضين».
وقال البغدادي، الذي كان يعمل مع خاشقجي على دراسةٍ حول الدعاية السعودية، إنَّه ساعد دي بيكر وبيزوس في تحقيقهم.
وأطلق تقرير البغدادي على سعود القحطاني، أحد كبار مستشاري ولي العهد، اسم «كبير مُروجي الحكومة وسيد المُتصيِّدين».
واتُّهِم القحطاني بالمساعدة في التخطيط للعملية التي أدَّت إلى مقتل خاشقجي، واستخدم تويتر لتحذير المُعارضين السعوديين من أنَّهم «لن يستطيعوا الاختباء خلف الحسابات الوهمية». وشجَّع «المواطنين الشرفاء» على الإبلاغ عن منتقدي الحكومة عبر الإنترنت.
ووصف أعضاءٌ سابقون في شبكة المُتصيدين، ممن انشقوا عن السعودية، أنفسَهم في تقرير البغدادي بالمبعوثين مدفوعي الأجر، الذين يُخبرهم الموجِّهون -ذوو الصلة بالحكومة- بنوعية الأخبار التي يجب نشرها على الإنترنت، وهوية الأشخاص الذين يجب استهدافهم.
وقال علي الأحمد، المُحلِّل السياسي السعودي المُقيم في واشنطن، وأحد منتقدي الحكومة: «جيش المُتصيدين السعودي هو على الأرجح الأكثر تنظيماً في العالم. إذ أنشأت الحكومة ملايين حسابات تويتر ذات الشخصيات المُؤثِّرة الحقيقية والمُزيَّفة. ولديهم مستودعٌ للمتصيِّدين في الرياض، حيث يعمل آلاف الأشخاص هناك».
وقال المُتحدِّث باسم تويتر الشهر الجاري إنَّ الشركة «اتَّخذت إجراءات ضد مئات الآلاف من الحسابات العشوائية من السعودية»، بعد أن فشلت في الامتثال للإرشادات التي تتطلَّب أن تكون العمليات المعلوماتية المدعومة من قبل الحكومة شفافةً فيما يتعلَّق بعلاقاتها مع الحكومة.
وبالفعل تويتر أغلق حسابات سعودية
وأعلن تويتر أيضاً أنَّه رصد وحذف ستة حساباتٍ مرتبطة بالمنافذ الإعلامية السعودية الخاضعة للحكومة.
وأضافت الشركة في تدوينتها أنَّ الحسابات «قدَّمت نفسها بوصفها منافذ صحفية مُستقلة، لكنها كانت تنشر تغريداتٍ تسرد الروايات بالطريقة المُحبذة للحكومة السعودية».
وانطلقت الهجمات الرقمية ضد بيزوس في أعقاب مقتل خاشقجي، وأتت من حسابات تويتر من السعودية.
وتضاعفت تلك الهجمات بعد نشر صحيفة Washington Post لمقالاتٍ افتتاحية وأعمدةٍ تُحمِّل الحكومة السعودية المسؤولية المُباشرة عن جريمة القتل.
وجادل دي بيكر، مدير أمن بيزوس، على موقع The Daily Beast بأنَّ السعوديين استهدفوا الملياردير بالنقد بسبب تقارير Washington Post حول جريمة قتل خاشقجي، ولأنَّ بيزوس تراجع عن حضور مؤتمر «دافوس في الصحراء» الخاص بالأمير محمد.
وقال الأحمد: «يبدو وكأنَّ بيزوس كان مستهدفاً من قبل السعوديين، إذ إنَّ محمد بن سلمان يأخذ الأمور بشكلٍ شخصي. وما فعلته صحيفة Washington Post، بمنح جمال خاشقجي وظيفةً، كان أشبه بموقفٍ شخصي. مما أدَّى إلى الهجوم على بيزوس».
وها هي حملتهم تتجدد
وهذا الخريف، أعدَّت صحيفة The Enquirer مقالاً كشف عن علاقة بيزوس الغرامية. وبعد نشر المقال في التاسع من يناير/كانون الثاني، أدَّى الخبر إلى تجديد هجمات تويتر ضد بيزوس من الحسابات السعودية.
وكتب أحد الحسابات السعودية التغريدة التالية: «جيف بيزوس حرض على السعودية وقيادتها وشعبها لأسابيع عبر صحيفة واشنطن بوست التي يملكها، فجاءته فضيحة خيانة زوجته من جهة، وخسر نصف ثروته في تسوية الطلاق بعد الفضيحة من جهة أخرى. باختصار شديد؛ من يعادي السعودية يكفيه أن يفضحه الله ويكسره وينهيه».
وبحسب تقرير البغدادي، هناك مسؤولٌ سعودي رفيع المستوى هو من يُحدِّد الرواية لكل سلسلة هجمات تغريدات، وينقل تلك الرواية إلى الشخصيات المُؤثِّرة التي يتقاضى الكثير منها أجره بواسطة العملاء، والذين يُسيطر كلٌّ منهم على عشرات حسابات تويتر.
وقال البغدادي: «تتقاضى الشخصيات المُؤثرة ثلاثة آلاف دولارٍ شهرياً لنشر تلك الروايات، والتي تُرسَل إليهم عبر قنوات تطبيق تيليغرام الخاصة، التي تُخبرهم بهوية الأشخاص الذين تجب مُهاجمتهم».
وسرد البغدادي تفصيلاً كيف نشر المتصيدون الرسائل المُناهضة لبيزوس -ومنها دعوات مقاطعة Amazon والهجوم على موظفي الشركة وموظفي سوق.كوم- بعد أن أكَّدت السلطات التركية أنَّ عملاءً سعوديين قتلوا خاشقجي.
وظهرت موجةٌ أخرى من المواد المُناهضة لبيزوس بعد مقال The Enquirer، ومرةً أخرى بعد اتهام دي بيكر للسعوديين بتأدية دورٍ في نشر تلك الأخبار.
ووصف بعض المُدافعين عن الحكومة السعودية البغدادي بأنَّه مصدرٌ مُتحيِّز، وأنَّ أبحاثه تتلوَّن بكراهيته للنظام. ويرون دي بيكر في صورة الأجير الذي يسعى لتحميل طرفٍ ثالث المسؤولية عن سوء السمعة المنبعثة من تقرير The Enquirer حول علاقة بيزوس الغرامية.
وقال علي شهابي، السعودي الذي يُدافع عن حكومة البلاد عادةً من منطلق منصبه بوصفه مؤسس «المؤسسة العربية Arabia Foundation» ومقرها في واشنطن: «تُدرك الحكومة السعودية أنَّ بيزوس ليس هو من يُحرِّك السياسة التحريرية في Washington Post. ويبدو وكأنَّ دي بيكر انتهج تكتيكاً تضليلياً رائعاً بنشر فكرة «المؤامرة السعودية» في قلب الأحداث، من أجل تشتيت الجميع عما يُمكن وصفه بالقضايا الأكثر حساسية».
وقال شهابي إنَّ عاصفة التغريدات ضد بيزوس «يُمكن أن تكون آتيةً من مُغرِّدين يعملون في الحكومة، ولكنَّني أشك في أنَّها كانت نتاجاً لاستراتيجيةٍ وضعتها القيادة العليا للبلاد. فغالبية أولئك المُغرِّدين هم أطفال في العشرينيات من أعمارهم… ويمكن بكل سهولةٍ أن تكون وليدة الفضاء التويتري السعودي، الذي قرَّر جماعياً وبكل بساطةٍ أن يستهدف بيزوس».
وقال مسؤولٌ سعودي، تحدَّث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنَّه غير مُخوَّلٍ بمناقشة المسألة، إنَّ فكرة أنَّ السعوديين خطَّطوا للهجمات ضد بيزوس «هي استراتيجية علاقاتٍ عامة ذكية للغاية من جانب دي بيكر لتشتيت الجميع»، ولفت انتباههم بعيداً عن الجدل المُثار حول الصور الفاضحة التي كتب عنها بيزوس في مُدوَّنته.
«معلومةٌ سرية من وكالةٍ أمنية
ذكر البغدادي أنَّ اثنين من عملاء الاستخبارات النرويجية ظهرا دون سابق إنذارٍ في منزله بأوسلو في مايو/أيار، واصطحبوه إلى موقعٍ آمن خارج المدينة، حيث أعلموه بأنَّهم تلقَّوا معلومةً سرية من وكالةٍ أمنية أجنبية تنُصُّ على أنَّه كان هدفاً لعمليةٍ تُهدِّد حياته من جانب السعودية. ورفض المُتحدِّث باسم جهاز الخدمات الأمنية التابع للشرطة النرويجية، وهو جهاز الاستخبارات النرويجي الرسمي، التعليق على الأمر.
وقال البغدادي إنَّ السلطات النرويجية أوضحت له أنَّهم تلقوا المعلومة السرية من جانب وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
وأكَّد مسؤول أمريكي مُطَّلعٌ على القضية أنَّ المسؤولين الأمريكيين أرسلوا المعلومات لنظرائهم النرويجيين.
وقال عمر عبدالعزيز، السعودي المُقيم في كندا، والناقد العلني لجهود الدعاية السعودية عبر الإنترنت، إنَّ هجمات السعوديين على بيزوس تراجعت خلال الأشهر الأخيرة لتُركِّز انتقادها على تركيا.
وأعرب البغدادي عن قناعته بأنَّ أيّ تهديدٍ على حياته جاء نتاجاً لدوره في ذلك البحث.
وقال خافيير الحاج، كبير المسؤولين القانونيين في «مؤسسة حقوق الإنسان Human Rights Foundation» غير الربحية، ومقرها في نيويورك: «لَطالما كان إياد شوكة في حلوق أولئك الرجال».
والأمم المتحدة تطالب بحماية هذا المنشق من الأمن السعودي
وطلبت أغنيس كالامارد، مُحقِّقة الأمم المتحدة الخاصة المُكلَّفة بالتحقيق في قضية مقتل خاشقجي، الحكومة النرويجية بتوفير حمايةٍ إضافية للبغدادي.
وأوضحت أغنيس في مقابلةٍ أجرتها: «نأخذ ذلك التهديد على محمل الجد بلا أدنى شك. لقد توقَّعنا أن تتخذ المملكة العربية السعودية خطواتٍ واضحة، من أجل تقديم المسؤولين عن الجريمة للمحاكمة، ولكن حتى الآن لم أجد أي دليلٍ على اتِّخاذ خطواتٍ ملموسة للتأكِّيد على أن التحرُّك ضد المُعارضين لم يَعُد يُمثِّل سياسة الدولة.
وفي ضوء ما يصلنا حول التهديدات الموثوقة ضد إياد، يصير من الضروري للغاية أن ترفع وكالات الاستخبارات والشرطة المحلية من مستوى تأمينها للمعارضين الذين يعيشون في تلك البلاد».