كيف وحّدت إسرائيل الفلسطينيين في الداخل وغزة دون أن تقصد؟ هآرتس: هذا هو السبب
وبحسب صحيفة Haaretz الإسرائيلية، فإن الأحداث الجارية بالضفة الغربية وداخل إسرائيل تعد إشارةً تحذيريةً، ليس لحكومة إسرائيل فقط، بل وكذلك للقيادة السياسية لكلٍّ من السلطة الفلسطينية والمجتمعات العربية داخل إسرائيل، بأن الأمر لم يعد يطاق.
هكذا اختفى الخط الأخضر
رغم تشتّت الأراضي الفلسطينية والتقسيم الذي فرضه الاحتلال، فإن الأحداث الأخيرة بدت كما لو أن الخط الأخضر اختفى، واتضح أنه ليس هناك صعوبة أمام الفلسطينيين كي يعثروا على قاسم مشترك ويخرجوا إلى الشوارع في وجه الاعتداءات والقمع. وجد أهل القدس الشرقية ونابلس أنفسهم في نفس الموقف الذي يعاني منه أهل الناصرة وأم الفحم، أو حتى المدن ذات المزيج السكاني المختلط، مثل حيفا واللد.
في كل من الضفة الغربية وإسرائيل كان الشباب المحبطون هم الذين تغلبوا على خوفهم وخرجوا إلى الشوارع، واتحدوا احتجاجاً على الأحداث في المسجد الأقصى وفي حي الشيخ جراح. والصور التي عرضت الدمار في قطاع غزة، بجانب صور النساء والأطفال الذين دُفنوا تحت أنقاض البنايات التي قصفها جيش الاحتلال، لم تفعل غير أنها وضعت الزيت على النار.
لا يوجد كثير من التخطيط وراء هذه التحركات، ولا قيادة واضحة، وليس هناك أحد يقف وراء هؤلاء الشباب ويأمرهم بالعودة إلى ديارهم. في الضفة الغربية نُشرت فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي لأفراد من الشرطة والأجهزة الأمنية الفلسطينية يشتبكون مع المحتجين. وفي غضون ذلك لم يظهر المشرعون ورؤساء البلديات العرب في إسرائيل إلا قليلاً.
وفي النهاية، كان الشباب المتظاهرون هم الذين حددوا المسار، أعربت القيادة المحلية للمجتمعات العربية في إسرائيل عن دعمها للاحتجاجات الشعبية، بينما أدانت العنف وتدمير الممتلكات.
وفي الضفة الغربية، طالبت حركة فتح والفصائل الفلسطينية الأخرى باستمرار الاحتجاجات الشعبية. ويُتوقع أن يستمر التعاون الفلسطيني العابر للحدود لأيام قادمة بعد نجاحه في الإضراب الشامل يوم الثلاثاء الماضي، ويمكن أن يتطور الجمعة 21 مايو/أيار بسبب الدعوة ليوم غضب فلسطيني.
حان وقت حل الأزمة
وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، أنه وبسبب الأحداث الجارية يبدو واضحاً أن إسرائيل لن تعتمد بعد الآن على اللامبالاة التي اتسم بها الشعب الفلسطيني خلال العقد الماضي، أو هكذا تم تصوير الأمر، وأنه بغض النظر عن الموقع الجغرافي فلا يزال الرابط الوطني على قيد الحياة. إذ إن جيل تطبيق تيك توك، الذين يُنظر إليهم على أنهم لا يهتمون إلا بأنفسهم، أثبت أنه لن يقبل الإهانة، فقد قاد احتجاجات لم نرَ مثلها منذ عقدين، وهي احتجاجات لديها قابلية لأن تكون متفجرة وخطيرة.
وسوف يتوجب على الحكومة الإسرائيلية، التي اعتادت على التعامل مع الفلسطينيين على أنهم شعب منقسم وضعيف، أن تُغير نهجها، وإلا فإن ما يحدث الآن سوف يبدو مجرد استعراض. ويمكن أن تغير الحكومة نهجها، فما عليها إلا أن تراهم بشراً. تحتاج القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية وفي قطاع غزة السعي لإنهاء الانقسام والفُرقة، وتبني استراتيجية ما والاعتماد على قوة الشعب، لا على وزارة في رام الله أو قبو في غزة.
إذ إن الرسالة التي بُعثت إلى المجتمع الدولي، ولا سيما الولايات المتحدة، أنه بعد 73 عاماً، حان الوقت لمحاولة إنهاء الصراع، وإنهائه بالفعل، بدلاً من إدارته. وقد اتضح أمام القيادة السياسية للمجتمعات العربية داخل إسرائيل أن العرب في إسرائيل لن يتخلوا عن هويتهم الوطنية، بل إنهم يريدون أن يكونوا جزءاً من المجتمع، وأن يرفعوا رؤوسهم ولا يركعوا، وأن يسعوا من أجل تحقيق المساواة الحقيقية، وأنهم لن يرضوا بعد اليوم بمحض فتات.
قوة حماس في فلسطين
أدى العدوان الإسرائيلي الحالي على قطاع غزة إلى منح المزيد من المشروعية للمقاومة التي تتبناها حركة حماس، وتقودها كنقيض لمشروع التسوية والسلطة الذي فشلت فيه حركة فتح.
واستطاعت حركة حماس أن تقود المعركة الحالية ويُمسك قادتها بزمام المعركة السياسية والإعلامية والميدانية، وسط غياب حركة فتح التي اكتفت بإدانة الاعتداءات الإسرائيلية، وفشلت في الحصول على قرار من الجامعة العربية لوقف هذه الحرب.
حماس التي تتهمها الأوساط الإسرائيلية بأنها المسؤولة المباشرة عن تفجير الأوضاع في مدينة القدس، وكانت بمثابة شرارة لانفجار الوضع في غزة والضفة والداخل المحتل والشتات، تجد للمرة الأولى تأييداً شعبياً وتنظيماً واسعاً من قبل خصومها التقليديين في الساحة السياسية، وهم تيارات حركة فتح المتعددة وباقي الفصائل.
واستطاعت حماس وفق الكثير من القراءات السياسية الفلسطينية والإسرائيلية، أن تفرض نفسها كلاعب رئيسي في هذه المعركة، بما يدل على نجاح مشروعها، وانطلاقه من غزة إلى مناطق أخرى غابت لسنوات طويلة عن المشهد، وأهمها ساحة المواجهة الحالية في الداخل المحتل.
كما ظهر تأثير حماس بشكل واضح بهذه المعركة بدعوتها للجماهير الفلسطينية للخروج بمظاهرات في الضفة الغربية، وهي الساحة الجغرافية التي تأخرت في التحرك الشعبي نصرة للقدس والأقصى، بسبب القيود التي فرضتها السلطة الفلسطينية بمنع خروج أي مظاهرات حفاظاً على حالة الاستقرار والأمن في مناطق سيطرتها.
ولعل نجاح حماس في هذه الجولة متعدد الأبعاد، يأتي في سياق تراكم حالة الرفض الشعبي والسياسي الذي رافق قرار رئيس السلطة بتأجيل الانتخابات، فالحركة استطاعت أن تكون بمثابة القوة السياسية التي انضم تحت لوائها 35 قائمة سياسية كانت تستعد للدخول في النظام السياسي من بوابة الانتخابات، أملاً في كسر تفرد السلطة في إدارة الشأن السياسي بشكل إقصائي دون مشاركة أحد.