آخر الأخبارتحليلات و آراء

لأنه احتلال وحصار.. عملية طوفان الأقصى.. دفاع عن النفس

سليم الزريعي

اعتقد أن محرقة غزة غير المسبوقة التي بدأت صباح 7 أكتوبر بعد عملية طوفان الأقصى، تفرض على الفلسطينيين البحث في إشكالية الوضع القانوني لقطاع غزة، بعيدا عن الشعاراتية والتباغض الحزبي والفصائلي المقيت؛ أي هل قطاع غزة  كان إقليما جغرافيا وديمغرافيا حرا مستقلا كامل السيادة؟ أم أنه حر فقط  فيما يتعلق بإدارة العلاقة بين سكانه في حدوده الجغرافية البرية فقط من قبل سلطة الأمر الواقع؟  ولكنه لا يستوفي شرط الحرية فيما يتعلق بالسيادة والسيطرة على حدوده البرية والبحرية والجوية ومقدراته؟

إن أهمية التكييف القانوني لوضع قطاع غزة من شأنه أن يرد على كل من وصّف طوفان الأقصى أنه عدوان على الكيان الصهيوني غير مبرر، واعتبر أن شروعه في ارتكاب محرقة غزة هو دفاع عن النفس. وأنا أعتقد أن هذه هي المغالطة التي أسست لذلك سواء لدى أصحاب النوايا السيئة من الصهاينة ومن يقف معهم عن سوء نية، الذين لا يرون في القطاع سوى “تبة” لتجريب الأسلحة فيها،  أو أوليك الذين يعيشون الواقع من الفلسطينيين على الأقل ولكنهم يكابرون لأساب دعائية، لأن ذلك من شأنه أن يعفى الكيان من مسؤولياته القانونية كسلطة احتلال، ومن حق الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال من العمل على إزالة هذا الاحتلال بكل الوسائل؛ على الأقل فيما يتعلق بقطاع غزة.

ومن ثم فإنه يصبح مهما العودة لعام 2005  من أجل تكييف إعادة انتشار قوات الاحتلال الصهيوني في غزة آنذاك، هل كان تحريرا، أم أنه كان إعادة انتشار لقواته؟ سيما وأن قطاع غزة قد تحول بعد ذلك إلى معتقل كبير مفتوح حتى في ظل سيطرة سلطة حركة فتح، من خلال المراقبة الصهيونية غير المباشرة والوجود الأوروبي الفعلي على معبر رفح البري الذي يربط قطاع غزة بجمهورية مصر ،لمن يدخل ويخرج من القطاع، حتى أنه لا يمكن لأي فلسطيني أن يقيم في القطاع بشكل قانوني ما لم يكن مقيدا لدى الصهاينة أنه من سكان القطاع.

ولأن مصر هي بوابة العبور البرية الإجبارية بين القطاع والعالم الخارجي، فإنها من جانبها لا تسمح بمرور أي فلسطيني إلى القطاع،  إذا لم يكن لدية رقم الهوية المسجل لدي الصهاينة وفق اتفاق المعابر بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني، واستمر ذلك حتى سيطرة قوات حماس على القطاع يونيو 2007، وهي السيطرة التي أنهت اتفاق المعابر، ليحول الكيان الصهيوني القطاع  إلى سجن حقيقي، فيما هو  يسيطر فعليا على كل قطاع غزة جوا وبحرا وبرا باستثناء معبر رفح المشترك مع مصر، لكن الكيان لا يسمح باستعماله بالاتفاق مع مصر سوى لدخول وخروج سكان القطاع.

المفارقة أن هناك في الوسط الفلسطيني السياسي والثقافي من يوصف ما جرى من إعادة انتشار لفوات الكيان على حدود القطاع أنه تحرير وفي تقديري أن ذلك مغالطة قانونية وسياسية، كون التحرير ؛ يعني أن تمارس سيادتك كاملة على الإقليم الذي خرج منه العدو داخل حيز الإقليم وخارجه، وهذا لم يحصل في ظل تحكم الكيان   في القطاع عبر سيطرته الكاملة التي وصلت حد تحديد نوع وكميات السلع المختلفة التي تدخل القطاع؛ من المعابر المشتركة معه، وهي تقوم بذلك كسلطة احتلال وقد تعاملت معها حماس وفق هذه القاعدة، حتى يوم زلزال 7أكتوبر.

وللتذكير فإن العدو قرر سحب قواته وتفكيك مستوطناته من القطاع وأعاد نشر قواته على حدود القطاع مع فلسطين المحتلة عام 1948،  بقرار أحادي الجانب، بهدف التخلص من العبء الأمني الذي كان يثقل كاهله، ويكيفه إحكام  السيطرة من الخارج،  لكن المشهد انقلب رأسا على عقب يعد سيطرة حماس عسكريا على القطاع والتوجه لبناء نموذجها الفكري والسياسي فيه، ونشوء وضع فلسطيني شاذ، بكل المقاييس عبر العداء بين حركة فتح السلطة السابقة التي انتقلت إلى رام الله والسلطة الجديدة ممثلة بحركة حماس، ولم يكن في الوارد أن تسمح سلطة رام الله لحماس أن تدير منفذ رفح البري الذي يمثل عنوان السيادة حتى لو كانت منقوصة وفق اتفاق المعابر، الذي سقط بمجرد بدء حقبة حكم حماس لغزة، كما أن السلطة الفلسطينية لن تكافئ حماس بإدارة المعبر فيما الحركة هي التي تحكم القطاع ، هذا التناقض كان بمثابة هدية مجانية للكيان، جعلته يمعن ليس في حصار غزة ولكن في استمرار ارتكاب المجازر التي كانت أولها هي الني سميت الرصاص المصبوب في 27ديسمبر 2008 لتتالي المجازر ضد القطاع وأهله في ظل حصار اقتصادي قاتل جعل أغلب سكان القطاع يعيشون تحت خط الفقر.

وأعتقد أن يمكن قانونيا توصيف وضع القطاع أنه إقليم فلسطيني محتل وأن سلطة الاحتلال هي الكيان الصهيوني ، وأن الاحتلال في ذاته هو عدوان مستمر يوجب على الواقعين تحت الاحتلال محاربته بكل الوسائل، وهو حق كفله القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ولذلك فقد أصاب الأمين العام للأمم المتحدة كبد الحقيقة، عندما قال في مجلس الأمن: إن عملية طوفان الأقصى هي رد على الحصار الذي يفرضه الاحتلال منذ سبعة عشر عاما.

ويبدو مفارقا؛ إن لم يكن “عارا” فكريا وسياسيا وإنسانيا،  موقف كل دولة عربية غيبت حقيقة وجود حصار يمارس القتل البطيء للشعب الفلسطيني في غزة، وهو فعل مدان ومجرّم في كل القوانين الوضعية والسماوية، وأن ما قامت به المقاومة في غزة هو واجب قانوني ووطني وكفاحي ، كونه دفاعا عن النفس في مواجهة سياسة القتل البطيء من خلال الحصار؛ واستمرار ارتكاب المجازر في غزة دون أن يتحرك المجتمع الدولي لفك الحصار أو ردع المعتدي.

وأخيرا يمكن القول إن المقاومة كفكرة  ستبقى شعلة متقدة ما بقي الاحتلال، كحق مشروع في الدفاع النفس لا يمكن لأي قوة في العالم مصادرتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى