لماذا تجبر السلفادور مواطنيها على استخدام البيتكوين؟ إليكم سلبيات وإيجابيات اعتمادها العملة الرقمية كعملة وطنية
فاجأ إعلان الشهر الماضي، سبتمبر/أيلول، بأن دولة السلفادور قد تبنَّت عملة البيتكوين كعملة رسمية، سكَّان هذا البلد، وجعل الدولة الفقيرة والمحافظة في أمريكا الوسطى رائدةً لم تكن مُتوقَّعةً في التحوُّل التكنولوجي العالمي.
هل تبشر البيتكوين بالحرية المالية؟
يقول تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية، إن نتيجة هذه التجربة المجهولة قد تساعد في تحديد ما إذا كانت العملة المشفَّرة توفِّر الحرية التي يتصوَّرها مؤيِّدوها، أو ما إذا كانت ستصبح أداةً أخرى للتحكُّم والإثراء للمستبدين والشركات.
حول ذلك، يقول لين ريتيغ، رائد الأعمال والمبرمج السابق في مؤسسة إيثريوم، وهي منظمة تدعم التقنيات وراء عملة إيثريوم، ثاني أكبر عملة مشفَّرة في العالم: “نحن الآن عند نقطة تحوُّل في العملات المشفَّرة. قد تصبح نفس تقنيات الحرية جزءاً من الواقع المرير التكنولوجي الجديد”.
وأضاف ريتيغ أن التهديد بتخريب الحكومة والشركات للجذور التحرُّرية للعملات المشفَّرة يعكس جزئياً تطوُّر التقنيات الرقمية، مثل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. وقال إن هذه الابتكارات المبنية على أساس الديمقراطية لتحرير المعلومات وربط الناس ببعضهم أثبتت أنها عرضةٌ للرقابة والتلاعب من قِبَلِ دعاية وسيطرة الشركات المنقادة بتحقيق الربح.
والآن، بعد سنواتٍ من تجاهل العملات المشفَّرة إلى حدٍّ كبير تسعى الحكومات في جميع أنحاء العالم جاهدةً للاستجابة لذلك القطاع المتنامي الذي تبلغ قيمته 2 تريليون دولار، حيث يبدأ في تعطيل العمل المصرفي والتوغُّل في الحياة اليومية.
في يونيو/حزيران، أعلن الرئيس السلفادوري نجيب أبو كيلة ذو الأصول العربية، البالغ من العمر 39 عاماً ويسمي نفسه على تويتر “أروع ديكتاتور في العالم”، أنه سيجعل من عملة البيتكوين، وهي رمز مالي شديد التقلُّب يديره مجتمع لا مركزي من روَّاد الأعمال في مجال التكنولوجيا، عملةً وطنية، على قدم المساواة مع العطاء القانوني الحالي بالدولار الأمريكي.
وقال أبو كيلة في خطابٍ ألقاه في مقطع فيديو: “سيؤدِّي هذا إلى خلق فرص عمل والمساعدة في توفير الشمول المالي لمن هم خارج الاقتصاد الرسمي”. وقال أيضاً إن ذلك من شأنه أن يحوِّل البلاد إلى مركز للابتكار والسياحة.
إجبار على استخدام عملة البيتكوين في السلفادور
نشأت هذه الفكرة من تجربةٍ اجتماعية بدأت في العام 2019 في بلدة إل زونتي الشهيرة بركوب الأمواج في السلفادور، حيث استخدم نشطاءٌ التبرُّع بعملة البيتكوين لإنشاء شبكة مجتمعية لمدفوعات العملة المشفَّرة. وتغلَّب المشروع، الذي يحمل اسم Bitcoin Beach، على عدم ثقة السكَّان من خلال دمج العملة في الحياة اليومية، واستخدام عملة البيتكوين كمكافأةٍ للطلاب على أداء واجباتهم المدرسية، وتقديم المساعدة للعائلات في مواجهة الجائحة.
وقال لويس موراليس، منظم مشروع Bitcoin Beach: “تستند استراتيجيتنا إلى إنشاء نظامٍ بيئي تعمل فيه عملة البيتكوين على عنصرين: الوقت والثقة”.
لكن كلا العنصرين مفقود بشكلٍ واضحٍ في استراتيجية أبو كيلة. فوفقاً لاستطلاعٍ أجرته غرفة التجارية في السلفادور، عارَضَ رجال الأعمال والمنظمات الدولية و93% من الشعب السلفادوري اعتماد البيتكوين.
ومع ذلك، من خلال سيطرة أبو كيلة على البرلمان والمحاكم في البلاد، جعلت الحكومة جميع البائعين ملزمين قانونياً بقبول عملة البيتكوين بدءاً من 7 سبتمبر/أيلول، وهي خطوةٌ أثارت أكبر مظاهرة في شوارع السلفادور منذ سنوات وأثَّرَت على الدعم الشعبي الهائل لأبو كيلة .
وقال خورخي هاسبين، رئيس غرفة التجارة: “نتفهَّم جميعاً أن العملة المشفَّرة هي المستقبل، لكن لا يمكنك تبنيها من خلال إجبار الجميع على استخدامها”.
لتعزيز استخدام العملة، أنشأت الحكومة السلفادورية تطبيقاً للهاتف المحمول (Chivo Wallet)، يسمح للمواطنين، بمن فيهم الكثيرون مِمَّن ليس لديهم حسابات بنكية، بإرسال وتسلم المطالبات بعملة البيتكوين، وتحويلها إلى دولارات وسحبها من ماكينات الصرف، كما منحت 30 دولاراً من عملة البيتكوين لكلِّ سلفادوري يعتمد التطبيق.
لكن التطبيق عانى من إخفاقاتٍ فنية، ونفدت الأموال من العديد من ماكينات الصرف، إذ سارَعَ الناس إلى تحويل البيتكوين لديهم إلى سنداتٍ دولارية أكثر استقراراً.
وقالت الحكومة إنها خصَّصَت أيضاً 150 مليون دولار، أي ما يعادل 12% من ميزانية الاستثمار العام في السلفادور، العام الماضي، لضمان قابلية تحويل البيتكوين مجاناً إلى دولارات. ولم يقدِّم المسؤولون أيَّ تفسيرٍ لكيفية منع استخدام البيتكوين في غسيل الأموال، أو ماذا سيحدث إذا نفد صندوق التحويل النقدي.
“المقامرة بالأموال العامة”
ورغم نقص الأموال العامة، أعلن أبو كيلة في سلسلةٍ من التغريدات على منصة تويتر أن حكومته اشترت ما قيمته 30 مليون دولار من البيتكوين الشهر الماضي. وعندما انخفض سعر العملة المشفَّرة مؤقتاً بعد ذلك، أعلن عن عمليات شراء جديدة، لكن الغرض منها غير مُفسَّر.
وبعد ما يقرب من شهرٍ من إدخال عملة البيتكوين، لا يزال من غير الواضح أين توجد أموال الدولار وعملة البيتكوين التي تحتفظ بها الحكومة، أو التي تنعكس في Chivo Wallet، أو ما هي قيمتها.
ورغم أن جميع معاملات البيتكوين تحمل رمزاً لضمان الشفافية، تعامَلَ أبو كيلة مع سياسة البيتكوين وكأنها سرٌّ من أسرار الدولة، إذ صنَّف جميع المعلومات المتعلِّقة بـChivo Wallet، والتي أُنشِئت بأموال دافعي الضرائب ولكنها تُدار كمؤسسة خاصة من قِبَلِ أفرادٍ لم يُكشَف عنهم، على أنها سرية.
وقالت روث لوبيز، المحامية السلفادورية في منظمة Cristosal غير الربحية، التي رفعت دعوى قضائية ضد الحكومة بشأن مخالفات تمويل Chivo Wallet: “إنه يمارس مقامرةً خطيرة بأموالٍ عامة”.
وامتنع أبو كيلة، ووزراء الاقتصاد والمالية والتجارة، والمُدَّعي العام، ورئيس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان، والمنظِّم المالي، والبنك المركزي، والبنك الحكومي الذي يموِّل صندوق البيتكوين، عن التعليق لصحيفة نيويورك تايمز.
بين فقدان الثقة بالحكومة وزيادة الأرباح
أما في الشوارع، فكان تأثير السياسة مختلطاً. يقول أبو كيلة إن ثلاثة ملايين سلفادوري، أو أكثر من نصف السكَّان البالغين، قاموا بتحميل تطبيق Chivo Wallet، ولكن في الواقع لا يزال استخدام البيتكوين محدوداً. ويخشى معظمهم من التقلُّب الشديد في أسعار العملة المشفَّرة، ويقولون إنهم يفتقرون إلى المهارات التكنولوجية أو لا يثقون في نوايا الحكومة.
لكن العملة المشفَّرة سمحت على الأقل لبعض السلفادوريين الذين ليس لديهم حسابات بنكية بالوصول إلى المدفوعات الرقمية أو استثمار المدَّخرات أو زيادة الأرباح، علاوة على أن استخدامها ينتشر بصورةٍ تدريجية بين الشباب.
وفي مدينة سان ميغيل، قالت عائلة أرغيتا بيريز، التي تتاجر في الملابس، إن مبيعات ملابس الشارع من أكشاك السوق ارتفعت بعد أن وضعوا لافتاتٍ تقول إنهم يقبلون عملة البيتكوين.
وفي منطقةٍ قريبة، وقفت الطالبة لورا تريغو، 29 عاماً، أمام ماكينة الصرف لتسحب الحوالات التي أرسلها عمها دون دفع عمولة. ووراءها مباشرةً، انتظر خوسيه إرسديو، بائع خضراوات يبلغ من العمر 50 عاماً، ليأتي دوره أمام الماكينة. وقال إن Chivo Wallet سمحت للعملاء بإرسال مبالغ صغيرة إليه، ما أدَّى إلى زيادة المبيعات. وقال: “إنها مفيدةٌ للفقراء ومتواضعي الحال”.