لماذا حصلت رواية أطياف كاميليا على جائزة يحيى حقى؟
ترشحت 5 روايات للقائمة القصيرة لجائزة يحيى حقى 2021 من بين 130 عملا روائيا قرأته لجنة التحكيم، وفاز بالجائزة ثلاثة أعمال فقط، من بينها رواية أطياف كاميليا التي حصلت على المركز الثانى بالمناصفة مع رواية غرفة 304، وكان المركز الأول من نصيب رواية جبل المجازات، وهنا نتحدث بشكل خاص عن رواية أطياف كاميليا الوحيدة من بين الثلاث روايات الفائزة بالجائزة التي كانت من نصيب روائية وهى “نورا ناجى”، وكذلك كانت إضافة للإنجازات التى حققتها النساء في الأدب العربي.
ولعل السؤال الذى يطرحه هذا التقرير، هو لماذا حصلت رواية أطياف كاميليا على الجائزة بين كل هذه الأعمال؟ بمعنى آخر: ما الذى ميزها وجعلها تتفرد بين غيرها؟ هل هي فكرتها أم تطور أحداثها أم عذوبة كلماتها؟ كلها أسباب ومعايير تقييمية للروايات، لكن رواية أطياف كاميليا مزجت بين كل ذلك عندما ناقشت فكرة جريئة مع دمجها بالفلسفة الحياتية والمشاعر التي لم يتم البوح بها من قبل.
تطرقت رواية أطياف كاميليا لعدة أفكار ترفضها المجتمع، لكن من خلال شخصياتها دون أن تبرئ أو توصم أحد، كانت ترصد فقط وتصل بالقارئ لما تريد أن يفعله، وهو أن يتفكر في المعتقدات الثابتة للمجتمع، كانت تطرح التساؤل وتتركه لتصل به لإجابة محددة لم تذكرها صراحة، تجلى هذا الأمر في أفكار روايتها حيث طرحت قضية شائكة مثل حب رجل متزوج، وعكست نظرة المجتمع لهذه المرأة على أنها “خطافة الرجالة” والجانية على أنثى أخرى، كما صورت لنا ما يحدث لها في الواقع، وما قد ينتج عنه الأمر من دمار لحياتها نفسها.
كانت تتساءل الكاتبة نورا ناجى هل يجب أن نضع الأمور في قوالب جامدة، هل يجب أن نوصم أحد أو نبرئه أم علينا أن نرى القصة من كل جوانبها، أن نرى الشخص وليس انعكاسه، كانت تقل كل ذلك من خلال تساؤلاتها داخل سطور القصة، وهى تكتب “هل الحب جريمة؟”، “هل تدركين كم هو قاس الشعور الدائم بالندم؟ بالإحساس العارم بالذنب؟”.
طرحت الرواية الصورة بكل جوانبها، ونظرت للأمور كما هي بتفاصيلها ومشاعرها ولم تأخذها من الخارج، بل تعمقت في خبايا الروح والقلب، ووجهت رسائل مباشرة للقارئ، عندما جاء فى النص “لا تصدقى الصور ولا تأخذى الحياة من على السطح، خلف كل صورة قصة لم ترو، وصراعات لا تنتهى، الصورة ثابتة ليست سيلا متدفقا من الأحداث مثل المسلسلات فى التليفزيون، لذا فهى كاذبة، تمنحنا لمحة واحدة عن الواقع، إن كنت تريدين الحقيقة، فخذى عشرات الصورة فى دقيقة واحدة، وشاهدى تبدل الابتسامة لحزن، والنور إلى ظلام، والحب إلى كراهية، والقرب إلى بعد”.
هذا ما قدمته نورا ناجى في الرواية لقد نقلتنا مما تبدو عليه الصورة لما تحمله بالفعل، ففي بداية الرواية نعلم أن الشخصية الأساسية وهى “كاميليا” في الرواية قد اختفت، ولم يتبق إلا انعكاسها في المرآة، الذي لا تراه غير بنت أخوها التي سميت على اسمها أيضا، ويشوهه الجميع من حولها ويشفق عليه الآخرين، إلا أنه في نهاية الرواية تكشف لنا واقع الأمر وتنقلنا لحقيقة أهم، وهى أن الشخصية الأساسية هي بنت أخوها التي تمكنت من رؤية الحياة كاملة.. تمكنت من رصد الصورة بكل جوانبها قبل فوات الأوان.
وعندما أدركت الحقيقة، تعلمت كيف يجب أن تواجه الحياة ألا تهرب مثل عمتها، وألا تكره ويمتلأ قلبها بالغل مثل والدتها، وألا تستسلم للفشل والانكسار والتخلي عن طموحها مثل والدها.
اعتقد أن رواية أطياف كاميليا فازت على غيرها من الروايات لأنها انتصرت للفكرة التي طرحتها، أن لا نحكم على الأمور إلا من واقع التجربة، أن لا نفرض حياة على غيرنا أو نتحكم في مصائرهم دون وعى منا بما يدور بداخلهم، أن نرى اختلافاتنا على أنها أمر طبيعى ولا نحاربها، سواء كانت قضية حب رجل متزوج أو تمييز بين الأخوات في أسرة واحدة أو التعامل الخاطئ من الوالدين مع بناتهم أو حتى الغيرة بين النساء، كلها تحتمل مائة تفسير ووجهات نظر مختلفة وحيثيات لا يدركها إلا من يعايشها، لذلك رفقا بأنفسنا وبالآخرين حتى نعيش الحياة بصورتها الحقيقية ولا نعقدها أكثر ونراها فقط من خلال انعكاسات.