لماذا يدلي الأمريكيون بأصواتهم في انتخابات الرئاسة يوم الثلاثاء؟
قبيل الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، يتساءل الناس في كافة أرجاء العالم مجددا عن سبب تنظيم التصويت في يوم الثلاثاء وليس في أيام العطلة، كما هو معتاد عليه في كثير من الدول.
وتنص القوانين السارية في الولايات المتحدة منذ أكثر من 150 عاما على أن التصويت في انتخابات الرئاسة ينظم في أول يوم ثلاثاء بعد أول يوم اثنين في شهر نوفمبر، ويستند اختيار هذا الموعد إلى سلسلة عوامل تاريخية.
مثال بريطاني
وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة ليست الدولة الوحيدة في العالم التي ينظم فيها الاقتراع وسط أسبوع عمل.
وعلى سبيل المثال، يجري التصويت في الانتخابات البرلمانية البريطانية دائما في يوم الخميس، لأن سلطات المملكة المتحدة خلصت قبل سنين طويلة إلى أن هذا اليوم هو الأمثل لتنظيم الاقتراع بالنسبة للشعب والحكومة.
وامتنعت السلطات البريطانية عن اختيار السبت يوما لتنظيم التصويت، لأن الجمعة كان يوما تقليديا لدفع الرواتب في المملكة، ولذلك شهدت الحانات البريطانية تقليديا ليلة الجمعة على السبت توافدا متزايدا للزبائن، ولم يكن جميعهم قادرين على التوجه إلى مراكز الاقتراع صباح اليوم اللاحق!.
وأما بخصوص الأحد، فإن كنائس المملكة صباح هذا اليوم تقليديا تقيم قداسا أسبوعيا، وكان من شأن اختياره يوما للاقتراع أن يمنح قادة الكنيسة أداة فعالة للتأثير على نتائج الانتخابات.
وفي نهاية المطاف، اختارت الحكومة البريطانية الخميس يوما لإجراء التصويت، لأنه كان يعد يوم التسوق عندما كان كثير من سكان القرى يتوافدون إلى المدن.
كما منح هذا القرار رئيس الوزراء الجديد، بعد إعلان نتائج الانتخابات يوم الجمعة عادة، فرصة للاحتفال في يومي العطلة (السبت والأحد) بفوزه قبل تشكيل الحكومة الجديدة مطلع الأسبوع القادم.
نموذج أمريكي
وفي الولايات المتحدة لم يحدد “الآباء المؤسسون” في الدستور الذي تبنوه عام 1787 يوما للاقتراع، وكان هذا القرار على مدى عقود ضمن اختصاص سلطات الولايات، وفي عام 1845 فقط خلص الكونغرس إلى ضرورة اختيار يوم موحد للتصويت في عموم البلاد.
وكان يجب على المشرعين الأمريكيين اتخاذ هذا القرار مع مراعاة أن الكثيرين من مواطني البلاد كانوا في حاجة إلى يوم إضافي للتوجه إلى المدن من قراهم.
ولم يكن كل من السبت والأحد والاثنين يوما مناسبا لتنظيم التصويت، لأن الأغلبية الساحقة من الأمريكيين كانوا يحضرون صباح الأحد قداسا أسبوعيا في كنائسهم وكانوا يقضون هذا اليوم في قراهم تقليديا.
وخلافا لبريطانيا، كان الأربعاء يعد يوم التسوق في الولايات المتحدة، ولذلك اختار الكونغرس في نهاية المطاف الثلاثاء يوما للاقتراع كي يصل المزارعون المدن بشكل مبكر لإدلاء أصواتهم غداة التوجه إلى الأسواق.
واختار الكونغرس أوائل نوفمبر كي ينظم التصويت بعد حصد المحاصيل وفي فترة التجارة المكثفة في المدن وقبل حلول فصل الشتاء، ما كان يتيح للمزارعين قطع مسافات طويلة في رحلتهم إلى المدن.
كما تحمل عبارة “أول يوم ثلاثاء بعد أول يوم اثنين في نوفمبر” معنى إضافيا، وهو حظر تظيم التصويت في عيد جميع القديسين، أي أول نوفمبر.
أزمنة حديثة وتقاليد قديمة
واليوم، يتساءل الكثيرون في الولايات المتحدة بشأن إبقاء يوم التصويت القديم على الرغم من أن الحقائق التي دفعت إلى اختياره عفا عليها الزمن.
لكن هذه المسألة لا تزال شديدة التعقيد بسبب غياب توافق داخل المجتمع الأمريكي بين معارضي التقاليد الجديدة ودعاتها، فيما يرفض الكثيرون من الأمريكيين المؤمنين قطعيا فكرة نقل الاقتراع إلى يوم الأحد.
وطرح في الكونغرس في السنوات الأخيرة عدد لا يحصى من مشاريع تقضي بتغيير يوم الاقتراع، لكن المشرعين لم يتبنوا أي منها، خاصة بسبب المخاوف من أن تغيير يوم الاقتراع سيمهد طريقا لإصلاحات أكثر راديكالية للنظام الانتخابي في الولايات المتحدة.
في الوقت نفسه، ترفض الحكومة إعلان يوم الانتخابات يوم عطلة كي لا تدفع تعويضات هائلة إلى الشركات التي ستخسر أرباحها بسبب هذا القرار، ولذلك يدلي الأمريكيون بأصواتهم بعد انتهاء يوم العمل، ثم يعودون إلى ديارهم لمتابعة عملية فرز الأصوات عبر التلفزيون.