لماذا يرفض الناتو ضم أوكرانيا رغم تشجيعه لها على تحدي روسيا؟
رغم حديث الناتو عن دعمه الكامل لأوكرانيا، فلقد أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ينس ستولتنبرغ، مؤخراً أنه لا يوجد إجماع بين أعضاء الناتو حول ضم أوكرانيا للحلف، وهو ما يعني استبعاد احتمال انضمام أوكرانيا للناتو في وقت قريب، فلماذا يرفض الناتو ضم كييف بينما ورطها في تصعيد مع روسيا، ومن هي الدول المعترضة على هذا التوجه.
يأتي استبعاد المسؤول الغربي الكبير انضمام أوكرانيا للناتو، في وقت يتجدد حديث الناتو عن التهديدات الروسية لأوكرانيا، وآخرها، حث الأمين الناتو لموسكو على التحلي بالشفافية بشأن خططها العسكرية بعد زيادة أعداد القوات على حدودها مع أوكرانيا.
وقال ينس ستولتنبرغ إنه تم رصد حشد “كبير وغير عادي” للقوات الروسية على الحدود في الأسابيع الأخيرة، وسط تسريبات غربية بأن روسيا قد تخطط لغزو أوكرانيا.
ورفضت موسكو هذه المخاوف ووصفتها بأنها “مثيرة للقلق” واشتكت من زيادة أنشطة الناتو في المنطقة.
انضمام أوكرانيا للناتو وعد قديم، فمن يعرقل تنفيذه؟
تعود العلاقات بين الناتو وأوكرانيا إلى أوائل التسعينيات، وقد تطورت منذ ذلك الحين لتصبح واحدة من أهم شراكات الناتو. منذ عام 2014، في أعقاب النزاع الروسي الأوكراني، تم تكثيف التعاون في المجالات الحرجة، حسب موقع الناتو.
في قمة بوخارست في أبريل/نيسان 2008، وافق الناتو على أن البلدين “سيصبحان عضوين”، دون منح خطط العضوية أو تحديد متى والظروف التي سيحدث فيها ذلك.
وقرر الناتو أنه لن يعرض عضوية جورجيا وأوكرانيا في ذلك الوقت؛ ومع ذلك، قال الأمين العام للناتو في ذلك الوقت ياب دي هوب شيفر إن جورجيا وأوكرانيا ستصبحان في النهاية عضوين. وبحسب ما ورد قوبلت الدعوة إلى انضمام أوكرانيا للناتو بالمقاومة من فرنسا وألمانيا.
مرت أكثر ثلاثة عشر عاماً على قمة بوخارست، لكن أوكرانيا وجورجيا ما زالتا تنتظران.
مؤخراً، وقع الناتو وكييف خطاب نوايا في فبراير/شباط للتعاون بين قوات العمليات الخاصة. بعد شهرين، قال السفير الأمريكي ونائب الأمين العام الحالي لحلف الناتو ألكسندر فيرشبو إن الوقت قد حان لجعل الجيش الأوكراني “متوافقاً مع معايير الناتو”. بالكاد بعد أسبوع واحد، استبعد سفير الولايات المتحدة لدى الناتو توسع الناتو “للسنوات العديدة القادمة”.
يبدو أن الدول الرئيسية في الناتو مثل أمريكا وفرنسا وألمانيا، هتي اللي ترفض انضمام أوكرانيا للناتو.
وفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة، يؤيد 69% من الأوكرانيين انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، بينما أبدى 57% استعدادهم للانضمام إلى الناتو.
تاريخ التعاون بين الناتو/الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا ثري جداً ويبدو أنه واعد لجميع الأطراف. ومع ذلك، في جميع الوثائق الطموحة التي تم التوقيع عليها بالفعل، لا يوجد تاريخ نهائي لانضمام أوكرانيا إلى أي من الهيكلين.
كانت نقطة التحول في التعاون بلا شك توغل روسيا في شرق أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، الأمر الذي فاجأ جميع الجهات الفاعلة الدولية. لقد غير سلوك روسيا العدواني بالتأكيد النظام الدولي القائم على القواعد ودفع الشركاء الدوليين لكييف لتجديد استراتيجياتهم ليس فقط لأوكرانيا ولكن أيضاً لسياستهم في المنطقة. منذ ذلك الحين، أصبحت أوكرانيا عنصراً حاسماً في الهيكل الأمني الأوروبي الأطلسي بأكمله ضد الحرب الروسية الهجينة في أوروبا الشرقية والبحر الأسود.
لماذا أوكرانيا مهمة لروسيا أكثر من أمريكا؟
لا تواجه واشنطن عقبات عسكرية كبيرة في الدفاع عن أوكرانيا فحسب، بل تواجه أيضاً فجوة كبيرة بين الرهانات الروسية والأمريكية في البلاد.
كما أظهر غزو بوتين لشبه جزيرة القرم وما تلاه من تصعيد في شرق أوكرانيا، فإن أوكرانيا تمثل مصلحة وطنية بالغة الأهمية لروسيا. على النقيض من ذلك، فإن عدم استعداد الرئيس الأمريكي باراك أوباما لتزويد أوكرانيا بالأسلحة الفتاكة أبان أزمة 2014، ناهيك عن نشر قوات قتالية أمريكية في أوكرانيا، يشير إلى أن مصالح واشنطن في أوكرانيا هامشية في أحسن الأحوال.
بالنسبة لروسيا أوكرانيا هي الموطن القديم للحضارة السلافية الروسية؛ حيث نشأت بها دولة روس كييف التي يراها الروس أصل بلادهم، وكانت أوكرانيا جزءاً من الإمبراطورية الروسية لقرون طويلة، ونسبة كبيرة من الأوكرانيين يتحدثون الروسية، والأهم أن أوكرانيا جار يلاصق مساحات كبيرة من روسيا.
بالنسبة للولايات المتحدة والدول الأوروبية الرئيسية مثل ألمانيا وفرنسا، فإن أوكرانيا بلد شرق أوروبي بعيد شبيه بروسيا يحاول أن يكون أوروبياً أكثر من حقيقته، بينما الواقع أن أغلب الأوروبيين لا يستطيعون التفريق بين الروس والأوكرانيين.
لفهم موقف روسيا من أوكرانيا، يجب على أولئك الذين يريدون انضمام أوكرانيا إلى الناتو العودة وقراءة خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 18 مارس/آذار 2014، والذي أعلن فيه ضم شبه جزيرة القرم. أكد بوتين أن الغرب “قد كذب علينا مرات عديدة. حدث هذا مع توسع الناتو نحو الشرق.. يبقى الناتو تحالفاً عسكرياً. لا أريد أن يتم الترحيب بي في سيفاستوبول من قبل بحارة الناتو.
وفي مطلع 2021، عندما حركت روسيا قواتها تجاه أوكرانيا، بررت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية هذه التحركات بأنها تحذير من أن محاولة أوكرانيا للحصول على عضوية الناتو قد يترتب عليها “عواقب لا رجعة فيها على الدولة الأوكرانية”.
كما حذر الرئيس فلاديمير بوتين في خطاب لاحق الغرب من تجاوز الخطوط الحمراء لروسيا. باختصار، كانت روسيا تستعرض عضلاتها العسكرية إلى حد كبير لمنع محاولة أوكرانيا الاقتراب من عضوية الناتو. إن منع أوكرانيا – إلى جانب جورجيا – من الانضمام إلى حلف الناتو هو أحد ثوابت السياسة الروسية.
كلام بوتين ليس مجرد كلام. لقد قلل الغرب لفترة طويلة من تقدير الإذلال العميق الذي تشعر به موسكو نتيجة توسع الناتو نحو حدود روسيا في العقود التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفييتي السابق، وحتى القائد الأعلى للبحرية الأمريكية في أوروبا يعترف بأن روسيا تعتبر الناتو “تهديداً وجودياً”. ” اليوم. لإجراء تشبيه تاريخي، تنظر روسيا إلى عضوية الناتو لأوكرانيا بشكل مشابه لكيفية نظر الرئيس الأمريكي جون كينيدي إلى نشر الصواريخ السوفييتية في كوبا في عام 1962.
هناك حديث عن”تعهد” قدمه الغرب للاتحاد السوفييتي بعدم توسيع الناتو شرقاً بعد سقوط جدار برلين. وفقاً للرواية الروسية للأحداث، وعد وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر الزعيم السوفييتي ميخائيل غورباتشوف في عام 1990 بأن الناتو لن يتحرك شرقاً إذا سمح الاتحاد السوفييتي بإعادة توحيد ألمانيا الشرقية والغربية.
ولكن دميترو كوليبا وزير خارجية أوكرانيا يقول إن وثائق الأرشيف تثبت أنه لم يتم تقديم مثل هذا التعهد على الإطلاق. حتى غورباتشوف نفسه صرح في أكتوبر/تشرين الأول 2014 أن الموضوع لم تتم مناقشته في ذلك الوقت.
يجادل مؤيدو عضوية أوكرانيا في الناتو بأنه يجب ألا تحصل روسيا على حق النقض (الفيتو) بشأن التوجه الجغرافي السياسي لأوكرانيا.
هل استفز الغرب روسيا في بداية الأزمة الأوكرانية؟
ولكن يجب ملاحظة أن جذور الأزمة الأوكرانية الحالية تعود إلى ما حدث عام 2014، عندما شهدت أوكرانيا ثورة مدعومة من الغرب أطاحت بالرئيس فيكتور يانكوفيتش، الموالي لموسكو، وردت موسكو بضم شبه جزيرة القرم في مارس/آذار 2014.
وبصرف النظر عن تصرفاته وولائه الكبير لروسيا فإن يانكوفيتش كان زعيماً منتخباً وكان يلقى تأييداً من المناطق الشرقية والجنوبية التي تتحدث الروسية.
واللافت أن الأزمة بدأت بسبب الخلاف المزمن حول هوية أوكرانيا، إذ بدأت التظاهرات ضد يانوكوفيتش عندما ألغى الاستعدادات لتنفيذ اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
وأثار القرار احتجاجات حاشدة من مؤيدي الاتفاقية، أدت إلى اندلاع ثورة أطاحت بيانوكوفيتش في فبراير/شباط 2014.
وتسببت الإطاحة بيانوكوفيتش في اضطرابات في المناطق الشرقية والجنوبية الناطقة بالروسية إلى حد كبير حيث حصل يانوكوفيتش منها على معظم الأصوات التي أوصلته للحكم.
وعقب ذلك غزت روسيا بعض مناطق أوكرانيا وضمت منطقة شبه جزيرة القرم الأوكرانية (ذات غالبية روسية أو الناطقة باللغة الروسية وعبر استفتاء انتقده خصوم روسيا)، وشجع الغزو الروسي الأوكرانيين الناطقين بالروس الذين كانوا في حالة احتجاج أصلاً على عزل يانوكوفيتش، وتطورت الاضطرابات في ولايتي دونيتسك ولوهانسك إلى تمرد موالٍ لروسيا ضد الحكومة الجديدة يدعمه ويساعده الجيش الروسي وقواته الخاصة.
تجاهل الغرب دوماً حقيقة جغرافية وتاريخية وثقافية أن أوكرانيا بلاد بينية بين روسيا والغرب، وأنها منقسمة حول هذا الأمر حتى لو أدى الغزو الروسي واحتلال موسكو للقرم وتشجيعها لانفصال إقليمين قد استفز المشاعر القومية ضد موسكو.
ولكن الواقع أن أوكرانيا دولة يتجاذبها اتجاهان أحدهما نحو الغرب، والآخر نحو الشرق.
هل يستطيع الناتو الدفاع عن أوكرانيا؟
بينما يأسف حلف شمال الأطلسي لسلوك التنمر الروسي ضد جيرانه، لا أحد من أعضائه مستعد للمخاطرة بمواجهة عسكرية مع روسيا بسبب أوكرانيا أو جورجيا.
أصبح من الواضح خلال الحرب القصيرة التي شنتها روسيا في جورجيا في أغسطس/آب 2008 أنه حتى الولايات المتحدة في ذروة قوتها بعد الحرب الباردة لم تكن مستعدة للمخاطرة بحرب مع روسيا.
وعندما هاجمت روسيا إقليم الدونباس في أوكرانيا وضمت شبه جزيرة القرم في عام 2014، كان الناتو أقل استعداداً للتدخل نيابة عن أوكرانيا وكان قلقاً بشأن النوايا الروسية تجاه أعضاء الحلفاء أكثر من اهتمامه بحالة كييف المزرية.
ونظراً لأن عضوية الناتو في حد ذاتها لن تردع روسيا، فإن السؤال المطروح هو ما إذا كان الحلفاء سيكونون مستعدين وقادرين على الاستثمار في الجهد الهائل المطلوب لجعل الدفاع الجماعي موثوقاً به، حسبما ورد في تقرير للمجلس الأطلسي “Atlantic Council”.
لا يمتلك الناتو أي قدرة تقريباً على الدفاع عن أوكرانيا. قبل عدة سنوات كان لدى روسيا 270 ألف جندي و700 مقاتلة نفاثة متمركزة على الحدود الجنوبية والغربية لأوكرانيا. وكما أظهرت روسيا في عام 2015 عندما أرسلت 150 ألف جندي لمحاصرة أوكرانيا، يمكن لموسكو تعبئة جيشها بسرعة في حالة نشوب صراع، حسبما ورد في تقرير لوكالة Reuters.
في غضون ذلك، أصبحت القرم قلعة روسية بعد ضمها. قامت موسكو بتحصين شبه الجزيرة بـ25000 جندي والعديد من السفن والغواصات، بالإضافة إلى صواريخها القاتلة S400 جو-أرض – وهو سلاح يمكنه إسقاط العديد من طائرات الناتو حتى مسافة 250 ميلاً.
علاوة على ذلك، كما أظهرت الحملة الروسية في سوريا، يمتلك الجيش الروسي الآن نفس النوع من صواريخ كروز ذات الاستهداف الدقيق المتقدمة التي تستخدمها الولايات المتحدة، مما يوفر سلاحاً آخر يمكن أن تنشره موسكو ضد الناتو إذا اندلعت حرب حول أوكرانيا والبحر الأسود. أخيراً- وربما الأكثر إثارة للقلق – تدعي روسيا حتى الحق في نشر أسلحة نووية في شبه جزيرة القرم.
وكشفت مناورات الحربية أخيرة أجريت قبل سنوات أن الناتو سيخسر حرباً في دول البلطيق لصالح روسيا في غضون 36 إلى 60 ساعة، ومن الصعب تخيل أي شيء بخلاف نتيجة مماثلة في أوكرانيا.
كرد فعل على العدوان الروسي في أوكرانيا، أنشأ الناتو مجموعات قتالية دوارة متعددة الجنسيات في دول البلطيق مصممة لتكون بمثابة عامل لطمأنة هؤلاء الحلفاء بشأن ضمانات الدفاع الجماعي. علاوة على ذلك، ضاعف الحلف حجم قوة الرد التابعة للناتو ثلاث مرات، بما في ذلك من خلال إنشاء “قوة رأس الحربة” للرد في وقت قصير جداً. تتضمن مبادرة الردع الأمريكية الأكبر حجماً معدات جاهزة في بولندا وتدريبات عسكرية واسعة النطاق بتكلفة سنوية تتراوح بين 4.5 و6.5 مليار دولار كحجر زاوية لجهود الناتو الأوسع لردع العدوان الروسي في أوروبا.
ومع ذلك، لا تزال روسيا تتمتع بتفوق عسكري في المنطقة كما هو موضح، من بين أمور أخرى، من خلال المناورات الحربية التي أجرتها مؤسسة RAND والتي خلصت إلى أن روسيا ستكون قادرة على اجتياح دول البلطيق في غضون أيام قليلة ما لم ينشر الناتو المزيد من القوات الكبيرة حتى وصول التعزيزات، حسب تقرير المجلس الأطلسي “Atlantic Council”.
إذا انضمت أوكرانيا وجورجيا إلى الناتو، فسيتعين على الحلف أن يعد نفسه للحصول على ضمانات كافية لأعضائه الجدد ولردع تقليدي غير مسبوق لروسيا. إن الدفاع عن بلد بحجم أوكرانيا أو بعيد مثل جورجيا يثير الشكوك في قدرة الناتو على نشر قوات ومعدات داعمة كبيرة في مسرح العمليات.
يواجه الناتو وقتاً صعباً بما يكفي لإظهار دفاع موثوق به لأعضائه الحاليين في أوروبا الشرقية. وتوسيع نطاق الالتزام الأمني ليشمل أوكرانيا وجورجيا من شأنه أن يوسع متطلبات الناتو إلى ما وراء أي درجة من الواقعية.
علاوة على ذلك، فإن القوات القتالية لحلف الناتو ليست مدربة ولا منظمة للمساعدة في العمليات الرمادية “حروب العصابات والحروب منخفضة الكثافة”، التي قد تميل روسيا إلى اختبارها مرة أخرى في شرق أوكرانيا، على غرار الوضع في عام 2014.
باختصار، كون الناتو غير قادر على جعل التزاماته الأمنية ذات مصداقية في أوكرانيا وجورجيا من شأنه أن يفضح التوسيع باعتباره خدعة هائلة من شأنها أن تقتل مصداقية الناتو باعتباره تحالفاً دفاعياً في أي مسرح.
هل تدخل أمريكا في حرب نووية من أجل أوكرانيا؟
من الصعب تخيل أن الولايات المتحدة ستكون على استعداد لدعم التزامها بالدفاع عن أوكرانيا من خلال نشر عشرات الآلاف من القوات الإضافية في أوروبا.
كيف ينبغي لواشنطن أن ترد إذاً- كما هو ممكن تماماً- إذ حرضت موسكو أو قامت بعمل عمل عسكري في أوكرانيا بعد تلقي الأخيرة دعوة رسمية مفترضة للانضمام إلى الناتو، ماذا ستفعل واشنطن إذا وقع هجوم روسي قبل توقيع اتفاق رسمي يتضمن انضمام أوكرانيا للناتو؟
هل الولايات المتحدة مستعدة لضرب أهداف القيادة والسيطرة أو الأهداف العسكرية داخل روسيا إذا لزم الأمر عسكرياً؟ كيف سترد إذاً إذا ردت موسكو بإطلاق صواريخ على ألاسكا أو أوروبا، أو بغزو دول البلطيق؟، وما قد يترتب على ذلك من احتمال نشوب حرب نووية.
وأخيراً، هل الولايات المتحدة مستعدة للمخاطرة بتبادل نووي للدفاع عن أوكرانيا، وهو أسلوب يسمح لبعض الدول الناتو بحق التصرف في الأسلحة النووية الأمريكية الموجودة على أراضيها؟
أسباب داخلية تعرقل انضمامها للناتو
إن قضية انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو تتقوض أكثر بسبب حقيقة أن كييف لا تسيطر على جميع أراضيها، فلقد ضمت روسيا شبه جزيرة القرم وتدعم الجمهوريات الانفصالية في دونباس في أوكرانيا.
إن روسيا هي الجاني الرئيسي، لكنها مع ذلك احتلالها لأجزاء من أوكرانيا هي حقيقة قوة سياسية لا يمكن تجاهلها. السؤال الرئيسي هو: هل سيكون الناتو مستعداً لإعفاء المناطق الانفصالية من بند الدفاع الجماعي الخاص به أم أن أوكرانيا على استعداد للتخلي عنها بحكم القانون، إذا كان هذا هو ثمن الانضمام إلى الحلف؟ لا يبدو أي من الخيارين معقولاً. علاوة على ذلك، بينما تدعم الغالبية العظمى من الجورجيين عضوية الناتو، فإن جزءاً كبيراً من الشعب الأوكراني المتركز في الأجزاء الجنوبية والشرقية من البلاد بالقرب من روسيا يعارض الانضمام إلى الحلف.
أخيراً، لا يمكن لأوكرانيا إظهار سجل إصلاح مثير للإعجاب من شأنه أن يجعلها مرشحاً واضحاً لحلف الناتو اليوم. يرى المجتمع المدني الأوكراني أن خطة عمل العضوية يمكن أن تمنح البلاد الزخم اللازم لبدء إصلاح قطاع الأمن. ومع ذلك، فقد فوتت أوكرانيا الكثير من تشجيعات الإصلاح من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والولايات المتحدة منذ عام 2014 لدرجة أنه من المشكوك فيه أن خطة العضوية هذه المرة ستغير قواعد اللعبة (بالإضافة إلى أداة خطة عمل العضوية، البرامج الوطنية السنوية، في مكانه بالفعل). تظل المصالح الخاصة عقبة قوية أمام زيادة السيطرة المؤسسات الديمقراطية على القوات المسلحة والحد من السلطات الواسعة لأجهزة الأمن في أوكرانيا.
تميل أوكرانيا الواقعة تحت ضغوط روسية مستمرة، إلى الاقتراب أكثر من حلف شمال الأطلسي. ومع ذلك، ولأسباب وجيهة، لا يزال الحلف غير راغب في المخاطرة بتصعيد عسكري مع روسيا بشأنها. ومع ذلك، يُفضل الحلف الوضع الراهن على تمديد خطط عمل العضوية، مما قد يؤدي على الأرجح بروسيا إلى تصعيد الأعمال العدائية في شرق أوكرانيا وربما ضغطها على جورجيا لمنع حدوث ذلك.
أي أن الناتو يشجع أوكرانيا على تحدي روسيا دون أن يدعمها.
ما هو الحل إذاً؟
في ظل غياب رغبة واشنطن في ممارسة لعبة الدجاجة النووية مع موسكو، فإن انضمام أوكرانيا إلى الناتو يضعف الأمن القومي الأمريكي بدلاً من تعزيزه.
لا يعني أي من هذا أنه يجب على الولايات المتحدة منح روسيا حق النقض الكامل بشأن مستقبل أوكرانيا، ويجب أن تظل أوكرانيا حرة في تطوير أي علاقة اقتصادية مع الغرب ترغب فيها. وقعت كييف بالفعل اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، مما يدل على التزام طويل الأجل بالتكامل الاقتصادي لأوكرانيا مع أوروبا، ويجب على واشنطن دفع الأوروبيين لوضع عضوية الاتحاد الأوروبي الكاملة لكييف على مسار سريع.
الأهم بدلاً من المناورات العسكرية التي لن تجدي وتستفز موسكو، والوعود التي لن تحقق بحماية أوكرانيا من روسيا أو التلويح بضمها للناتو التي لن تتحقق، يجب على الحلف تعزيز كفاءة الجيش الأوكراني لحماية بلاده في ظل حقيقة أن أي دولة غربية لن ترسل أبناءها للموت في صقيع الحدود الروسية الأوكرانية، أو أن تعرض عاصمتها لاحتمال ضربة نووية روسية من أجل عودة القرم لأوكرانيا.
ويستطيع الناتو تعزيز القوة العسكرية الأوكرانية بطرق عدة، إضافة إلى التدريب يمكن مساعدة الصناعات العسكرية الأوكرانية المتعسرة رغم أنها واعدة، إضافة إلى تزويد كييف بالأسلحة، على سبيل المثال تستعد أمريكا للتخلص من عدد كبير من الطائرات القديمة من طرازات إف 15 وإف 16، ويمكن أن تمنح بعضها لأوكرانيا؛ حيث يمكن أن تشكل فارقاً أمام مئات الطائرات الروسية من الأجيال القديمة من طرازات سوخوي 27 وميغ 29، وكذلك يمكن تقديم دبابات غربية لكييف وأنظمة صواريخ مضادة للطائرات والدبابات، يمثل الغضب الروسي على صفقة تصدير طائرات بيرقدار التركية نموذجاً، لأن مثل هذه الصفقات ترمم تدريجياً الفجوة الهائلة بين روسيا وأوكرانيا.
لن تصبح كييف يوماً ما أقوى من موسكو، ولكن كلما قلت الفجوة بين البلدين، تقلص احتمال تكرار انهيار الجيش الأوكراني مثلما حدث في عام 2014، وبالتالي تصبح تكلفة أي مغامرة روسية جديدة ضد أوكرانيا أكبر، مما قد يمنع موسكو من الإقدام عليها.
ويجب أن يتضافر ذلك مع دعم اقتصادي يمكن البلاد من تعزيز قوتها العسكرية.
الهدف من كل ذلك عدم تكرار غزو روسيا لأوكرانيا وليس تحرير الأخيرة لأراضيها.
أما إعادة تحرير وتوحيد أراضي أوكرانيا، فيجب أن تظل العقوبات الغربية على موسكو سارية حتى تحترم روسيا اتفاقية مينسك الثانية من خلال سحب قواتها من منطقة دونباس وإنهاء الدعم العسكري للانفصاليين.
في حين أن شبه جزيرة القرم لا تزال إعادتها بالنسبة لأوكرانيا أمراً صعباً، حسب تقرير رويترز الذي يرى أنه لا يجب أن يعترف الغرب بأن شبه الجزيرة هي جزء من روسيا في غياب حل مُرْضٍ للطرفين بشأن شبه جزيرة القرم مباشرة بين موسكو وكييف. وسبق أن استخدمت الولايات المتحدة نفس السياسة خلال الحرب الباردة تجاه ضم الاتحاد السوفييتي لدول البلطيق خلال الحرب العالمية الثانية، مما يعني وجود سابقة لهذا النهج.