لندن.. عاصمة غسل الأموال في العالم
هذا ما كشفته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، عن العاصمة لندن، حيث أوضحت أنه يعتقد أن الجزء الأكبر من عمليات غسل الأموال تتم عبر المصارف المتمركزة في مدينة الضباب، التي تعد من أبرز وجهات الراغبين بتبييض الأموال حول العالم.
ويستفيد تجار “الأموال القذرة” من الثغرات القانونية بسهولة، في ظل ضعف الرقابة، حيث تتراوح قيمة الأموال التي يجري تبييضها سنويا في بريطانيا، بين 23 و57 مليار جنيه إسترليني، وفق توقعات منظمات مدنية معنية بمكافحة الفساد.
أسباب سهولة عمليات “التبييض”
يأتي ذلك بسبب افتقاد المملكة المتحدة قواعد عملية وواضحة، رغم كونها مركزا ماليا منفتحاً، في ظل غياب القدرة على التحقـق مـن المعلومـات والمعطيات الخاطئة وإزالتها من السجل.
وفي هذا السياق، قال مدير قسم لندن للأبحاث في منظمة الشفافية الدولية، نايك ماكسويل، إن جل عمليات تبييض الأموال الدولية، تجري في قطاع المساكن الفارهة، مشيرا إلى إمكانية تبييض كمية كبيرة من الأموال دفعة واحدة بسهولة، من خلال الاستثمار في هذا القطاع.
وبحسب المعلومات التي أوردتها الصحيفة البريطانية، استنادا إلى بيانات مركز السجل العقاري، فإن حجم الصفقات “المشبوهة” في شراء المساكن التي تمت عبر شركات ذات ارتباطات خارجية، بلغ نحو 122 مليار جنيه إسترليني.
وبحسب الأرقام، فهناك نحـو 84000 منـزل مملـوك في بريطانيا بشكل مجهول، كما أن ما قيمته 6.7 مليار جنيه إسترليني من الممتلكات في بريطانيا تم شراؤها بثروات مشبوهة.
كما أن هناك 1.5 مليار جنيه إسترليني، أي حوالي 150 سند ملكيـة، تم شراؤها مـن قبـل روس متهمـين بالفساد أو لديهم صلات وثيقة بـ”الكرملين”، وفقا للصحيفة ذاتها.
علاوة على بيـع مـا يتراوح بين 10 و20 عقارا مهما لأثرياء لديهـم طـرف ثالث، عـادة مـا يكـون محاميـا أو وسيطا.
وتسعى الحكومة إلى تشديد التدابير للحد من عمليات غسل الأموال، حيث حكم القضاء البريطاني بالسجن 13 عاما على الوالي السابق لولاية “دلتا” النيجيرية الغنية بالنفط، جيمس إيبوري، على سبيل المثال، بعد إدانته بتبييض الأموال.
وذكرت صحيفة “إندبندنت” البريطانية، أن “هذه الأموال تدار في شركات في أقاليم ما وراء البحار البريطانية والأقاليم التابعة للتاج”.
كما أنه “غالبًا ما يتم استخدام السرية التي توفرها هذه المراكز المالية الخارجية من قبل أولئك الذين يسعون لإخفاء ملكيتهم للأصول”.
وعود توني بلير
من جانبه، قال دارين جونز، مدير مكافحة غسل الأموال في لندن: “تلقينا وعودًا منذ أن كان توني بلير رئيسًا للوزراء بأن تتعامل الحكومات معها. وحصلنا على أكثر من وعد بإعداد سجل عام بأصحاب هذه الممتلكات وتقديمه إلى البرلمان، لكن الوعد يتكرر من رئيس وزراء لآخر دون أي تقدم، كما لو أنه ليس من أولويات الحكومات.”
ووفقا للتقرير فإن هناك جوانب رئيسية في النظام القانوني والمالي تجعل من مدينة لندن مكانًا صالحا لجلب الأموال المشبوهة وغسل الثروات.
وأشار تقرير “فاينانشيال تايمز” إلى أن بداية تحول لندن إلى عاصمة للأموال القذرة كانت في عهد مارجريت تاتشر عندما بدأت في تحرير قطاع الخدمات المالية، ثم استمر ذلك في ظل حكومة ديفيد كاميرون، وعقب هزيمته في الانتخابات رفض السياسيون مواجهة تحدي القضاء على الأموال القذرة في لندن.
وتقول الصحيفة إنه على مدى العقدين الماضيين، رحبت المملكة المتحدة حقًا بالأموال الروسية بدءا من شركات المحاماة، ووكلاء العقارات إلى الحكومة.
وهناك تصريحات مسجلة لبوريس جونسون، رئيس الوزراء الحالي، منذ أن كان عمدة لندن، يقول فيها إنه يريد جعل لندن مركزًا للأموال الروسية.
مراحل عمليات “غسل الأموال”
وتمرّ جريمة غسل الأموال بمرحلتين، الأولى إدخال الأموال النقدية المتحصل عليها من نشاط غير مشروع في النظام المصرفي أو المالي.
والمرحلة التالية هي مرحلة التغطية لطمس أو إخفاء علاقة الأموال غير المشروعة مع مصادرها الإجرامية من خلال العديد من العمليات المصرفية والمالية المتتالية.
ويتم ذلك من خلال نقل الأموال مثلاً من حساب مصرفي في “لاتفيا” ، أو حساب في “جزيرة كايمان” إلى شركة صورية في بريطانيا، حيث مـن المفترض إعـلام سـجل “Companies House” بالمالكين الحقيقيين والمستفيدين، لكن يسهل التهرب من ذلك.
بعد ذلك يتم تحريك الأمـوال ضمن سلسلة معاملات ماليـة معقدة، بعيدا عن مصادر الثروة ودمجها في النظام المالي البريطاني، حيث يمكن شراء الأصـول والممتلكات والعقارات بمساعدة محامين ووكلاء عقارات، وبمجرد إدخال الأموال إلى لندن يمكن للشخص التصرف فيها وكأنها “نظيفة”
وحددت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد(UNCAC) النافذة منذ عام 2005، في الفصل الرابع والخامس الآليات المطلوب إجرائها لاسترجاع الأموال المسروقة في الخارج، منها صدور حكم قضائي عادل بمصادرة الأموال المسروقة.
وأشار التقرير إلى السهولة البالغة التي يتم من خلالها تسجيل شركة حيث يمكن للشخص تسجيل شركة في غضون دقائق، دون أن يتحقق أحد من المعلومات.
وعادة تتم الموافقة على الطلبات في غضون 24 ساعة. إذ ليس لديهم في الواقع السلطة القانونية للتحقق من المعلومات، والتحقيق في المعلومات الخاطئة أو إزالتها من السجل.
وفي الوقت الراهن هناك بعض العناوين داخل المملكة المتحدة التي تضم آلاف الشركات المسجلة بها وإذا طرقت الباب فلن تجد أحدا.
ويتم تجهيز هذه الأماكن خرفيا لإخفاء الملكية الحقيقية لمن يتحكم بالفعل ويستفيد من الأموال المتدفقة عبر تلك الشركة.
كما يشير أيضا إلى دور البنوك البريطانية، حيث شارك حوالي 86 بنكًا في نقل الثروة الفاسدة حول العالم، وبمجرد وصول الأموال إلى لندن، يمكنك بعد ذلك استخدامها بشكل أساسي كما لو كانت نظيفة.
ويمكنك امتلاك ممتلكات في المملكة المتحدة من خلال شركة صورية، أو حتى شركة صورية خارجية، وإذا كنت تمتلكها بالفعل من خلال شركة صورية خارجية، فلا يتعين عليك تحديد هوية مالك العقار.
وبرعت مكاتب المحاماة البريطانية في تقديم المشورة بشأن هذه المعاملات المعقدة، ومساعدة هؤلاء في الحصول على التعويض المناسب.
ويخلق ذلك بنية ملكية غير شفافة لبعض من أكثر المنازل قيمةً في المملكة المتحدة، ويصل عدد المنازل التي يملكها مجهولون إلى ما يقرب من 84 ألفا.
ويوجد 81 شركة محاماة و86 بنكا و177 مؤسسة تعليمية في بريطانيا قبلت أو نقلت الأموال “القذرة” من جميع أنحاء العالم.
هكذا أصبحت لندن أقدم العواصم العالمية، الوجهة الأولى لغسل الأموال في العالم رغم الجهود التي تبذل في مواجهة مثل تلك الظاهرة، فهل يحين وقت التنفيذ؟، يتساءل المراقبون.