لها مصلحة مباشرة هناك.. ماذا عن موقف الصين من أزمة سد النهضة؟

تجري الآن التجهيزات لجولة أخرى من المفاوضات بشأن سد النهضة، هدفها إقناع إثيوبيا بالتوقيع على اتفاق قانوني ملزم ينظم عملية ملء وتشغيل السد والمشاريع المستقبلية، وسط تساؤلات عن دور الصين في الأزمة، على الرغم من تمتعها بعلاقات اقتصادية قوية مع أطرافها الثلاثة؛ مصر وإثيوبيا والسودان، فأين تقف بكين؟

ما الهدف من المفاوضات الآن؟

يمكن القول إن جولة المفاوضات الماراثونية التي استغرقت سنوات قد انتهت لصالح إثيوبيا، حيث أوشكت على الانتهاء من بناء السد وأتمت المرحلة الأولى من تعبئته طبقاً لخطتها الزمنية المعلنة، دون أن يصدر عن مصر والسودان أي رد فعل رسمي حتى الآن.

والجمعة 24 يوليو/تموز، أي بعد يومين من إعلان إثيوبيا رسمياً إتمام التعبئة الأولى، دعا الاتحاد الإفريقي، على لسان رامافوزا رئيس جنوب إفريقيا، أطراف التفاوض الثلاثة إلى وضع اللمسات الأخيرة على نص قانون ملزم بشأن بدء وتشغيل السد، دون أن يحدد موعداً للاجتماع المرتقب.

ولم يصدر بعدُ رد فعل رسمي مصري بشأن تلك الجولة الجديدة من المفاوضات، لكن السبت 25 يوليو/تموز، نقلت وكالة الأنباء الرسمية في السودان، عن متحدث باسم وفد التفاوض السوداني دون أن تذكر اسم المتحدث، أن “الخرطوم تتطلع إلى جولة تفاوض حاسمة بشأن الملف، محددة بقيد زمني وأجندة واضحة، لمعالجة النقاط العالقة”، ورفض “طرح قضايا جديدة خارج نطاق التفاوض الخاص بملء وتشغيل سد النهضة والمشاريع المستقبلية”.

ماذا عن دور الصين في الأزمة؟

وبعيداً عن الأفراح الإثيوبية المستمرة احتفالاً بالإنجاز واستغلاله داخلياً، في مقابل الصمت المصري وحالة القلق الشعبي على مصير البلاد وشريانها الأول، يتحدث بعض المراقبين عن غياب دور الصين من الأزمة على الرغم من الاستثمارات المليارية لبكين في الدول الثلاث.

صحيح أن الصين لم تموِّل مشروع سد النهضة بصورة مباشرة، لكنها أقرضت أديس أبابا مليارات الدولارات لتمويل مشاريع بناء شبكة الكهرباء من السد إلى مدن وقرى إثيوبيا، كما أن عشرات الشركات الصينية تعمل في تشييد السد نفسه بعقود من الباطن، وفي مصر تعتبر الصين أبرز المساهمين في بناء العاصمة الإدارية الجديدة، كما أن بكين تستثمر مليارات أيضاً في السودان، وكل ذلك في إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية.

سد النهضة/رويترز

ومنبع التساؤل وربما الدهشة، عن الغياب الظاهر لبكين في أزمة بهذا الحجم، تدخلت فيها أو حاولت غالبية القوى الكبرى والإقليمية- بغض النظر عن طبيعة التدخل أو أهدافه- مردُّه عاملان: الأول هو الاستثمارات الصينية الضخمة في أطراف الأزمة الثلاثة والتي تعتبر في خطرٍ بحال خروج الأزمة عن مسار التفاوض ووصولها إلى محطة الصدام المسلح، وهو ما يمثل تهديداً لقدرة تلك الدول على الوفاء بالتزاماتها المالية، والعامل الثاني وراء الدهشة من غياب بكين الظاهري عن الأزمة هو سعي الصين الآن للعب دور القوة العظمى على الساحة الدولية في ظل الحرب الباردة مع الولايات المتحدة، وهو ما يستدعي أن يكون لها دور بارز، خصوصاً مع وصول الملف لمجلس الأمن الذي تتمتع فيه الصين بمقعد دائم.

هل تتدخل بكين؟

وفي هذا الإطار نشر موقع SCMP.COM تقريراً بعنوان “صراع حلفاء الصين.. هل تتدخل بكين في أزمة السد؟”، تناول الاستثمارات الصينية في البلاد الثلاثة، وكواليس الموقف الصيني فيما يتعلق بالأزمة التي تهدد الأمن والسلم في المنطقة.

قامت الشركات والبنوك الصينية بتمويل الخط الرئيسي لتوزيع الكهرباء من السد للبلدات والمدن المجاورة لمنطقة تشييده، كما تعمل شركات صينية أخرى في تشييد السد لكن بعقود من الباطن، ووقَّعت إثيوبيا العام الماضي، عقدين بقيمة أكثر من 152 مليون دولار مع شركتي جيزوبا وفويث هايدرو شانغهاي. وفي عام 2013، أقرضت بكين أديس أبابا 1.2 مليار دولار لبناء خطوط توزيع الكهرباء من السد إلى مناطق وبلدات في إثيوبيا، كما وعدت بكين آبي أحمد، العام الماضي، بقروضٍ قيمتها 1.8 مليار دولار لتمويل توسيع شبكة الكهرباء الإثيوبية.

ويرى المحللون أن الوقت قد حان لكي تتدخل بكين في الأزمة وتستغل الثقل الذي تتمتع به لدى أطراف الأزمة الثلاثة، وهذا ما عبَّر عنه أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للدراسات الشرقية والإفريقية بقوله إنه على بكين أن تستغل خبراتها في تشييد وإدارة السدود العملاقة لمساعدة الدول الثلاث على التوصل إلى اتفاق: “يمكن أن تقدم الصين مشروع اتفاق يفصل الأمور الفنية للتشغيل ومستويات المياه، عكس المبادرات السياسية التي فشلت حتى الآن في الوصول لنتيجة، فالمهم الآن هو أن يطمئن كل طرف بأنه لن يتعرض للضرر”.

بعد التلويح بالحرب.. أول اتفاق بين السيسي وآبي أحمد بشأن
السيسي وآبي أحمد/الشبكات الاجتماعية

ويرى الباحث غير المقيم في معهد دراسات الشرق الأوسط بواشنطن محمد سليمان، أن الصين من الناحية الدبلوماسية، تدعم التفاوض تحت رعاية الاتحاد الإفريقي: “تتمتع بكين بعلاقات قوية مع القاهرة وأديس أبابا، وتشارك في تمويل وبناء مشاريع التنمية الاقتصادية الرئيسية بالبلدين، ويهمها بالطبع تجنب أي تصعيد بين مصر وإثيوبيا”، مضيفاً أن “الوساطة الصينية يمكنها أن تعيد بناء الثقة المفقودة بين الجانبين”.

وفي يونيو/حزيران الماضي، أجرى وزير خارجية الصين، وانغ يي، محادثات هاتفية منفصلة مع نظيريه المصري سامح شكري والإثيوبي أندار غاتشو، عبَّر فيها عن رغبته في أن يؤدي “الحوار إلى حل مقبول لجميع الأطراف في أسرع وقت ممكن”، مؤكداً “استعداد بكين لمواصلة لعب دور بنّاء في التوصل لاتفاق”.

هل الحياد سياسة بكين الفعلية؟

على الجانب الآخر، يرى البعض أن علاقات بكين القوية مع الدول الثلاث هي على الأرجح ما يجعلها تفضّل عدم التدخل في قضية سد النهضة، وهو ما عبَّر عنه سفير واشنطن السابق لدى إثيوبيا، دافيد شين، بقوله إن “الصين لا تريد أن تعرِّض علاقتها القوية مع أي منهم للخطر”.

فبحسب شين، الصين يهمها جداً أن يكتمل السد الإثيوبي، أي إن لها مصلحة مباشرة، وهو ما يُعقِّد عملية تدخُّلها المباشر في المفاوضات، مستدركاً بأن ما يمكن أن تقوم به بكين هو “تقديم التمويل لتحسين ممارسات إدارة المياه في مصر والسودان”.

موقف الصين إذن ربما لا يكون حياداً بالمعنى المفهوم للحياد، وإنما الحفاظ على مصالحها المرتبطة بشكل مباشر بإكمال السد من ناحية، وفي المقابل إقراض مصر والسودان مليارات لتنفيذ “إدارةٍ أفضل لمواردهما المائية” التي ستتأثر من جرائه؛ ومن ثم تفوز بكين في جميع الحالات، طالما استمرت الأمور في إطار التفاوض وعدم التصعيد عسكرياً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى