ليس السعودية ولا روسيا.. تعرف على الخاسر الأكبر بعالم النفط بعدما انحدر سعر البرميل لـ40 تحت الصفر
يبدو المشهد كالتالي: أسعار النفط تنخفض إلى أقل من الصفر، والسفن تتسكع في البحار وعلى متنها حمولات لا يرغب أحد فيها، والتجار يبحثون عن حلول إبداعية للعثور على مكان لتخزين النفط. والآن صار الفصل التالي من أزمة النفط محتوماً، توشك قطاعات كبيرة من صناعة النفط أن تبدأ في الإغلاق.
مزَّق التأثير الاقتصادي لفيروس كورونا صناعة النفط على مراحل دراماتيكية، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
إذ بدأ بتحطيم الطلب، في ظل حالات الإغلاق التي استتبعت إغلاق المصانع أبوابها وبقاء السائقين في منازلهم، ثم بدأت المخازن تمتلئ، ولجأ التجار إلى ناقلات النفط التي تجوب المحيط لتخزين الخام، أملاً في تحسن الأسعار لاحقاً.
وزادت حرب أسعار النفط بين السعودية وروسيا الطين بلة، خاصة بالنسبة لشركات النفط الصخري الأمريكية، التي يتسم إنتاجها بأن تكلفة استخراجه مرتفعة مقارنة بالسعودية وروسيا.
والآن، ترتفع أسعار الشحن إلى مستويات جنونية، في ظل نفاد الصناعة من الناقلات النفطية، ما يعطي ملمحاً حول مدى الاضطراب الذي صار يعاني السوق منه.
قطار الإغلاق في صناعة النفط يتحرك بعد كارثة الإثنين الأسود
كان شبح توقف الإنتاج -والتأثير الذي سيحمله على الوظائف، والشركات، ومصارفها، والشركات المحلية- أحد الأسباب التي دفعت زعماء العالم نحو تضافر الجهود من أجل خفض الإنتاج بطريقة منظمة. ولكن نظراً إلى أن حجم الأزمة يُقزم جهودهم، مع الفشل في وقف انخفاض الأسعار إلى ما دون الصفر في الأسبوع الماضي، يبدو الإغلاق حقيقة الآن، وأنه السيناريو الأسوأ بالنسبة لشركات الإنتاج والتكرير.
قال توربيورن تورنكفيست، رئيس شركة جونفور العملاقة المتخصصة في تجارة السلع، في مقابلة معه: “إننا نتحرك نحو نهاية اللعبة، ستكون ذروتها بين مطلع مايو/أيار ومنتصفه، وإننا على بعد أسابيع وليس شهوراً منها”.
أخيراً شركات النفط الصخري تخضع وتبدأ في تخفيض إنتاجها
من الناحية النظرية كان أول خفض في إنتاج النفط يجب أن يأتي من مجموعة أوبك+، التي وافقت في وقت سابق من هذا الشهر على خفض الإنتاج في 1 مايو/أيار. غير أنه مع الانخفاض الكارثي في الأسعار، الإثنين 20 أبريل/نيسان، عندما انخفض سعر خام غرب تكساس الوسيط إلى سالب 40 دولاراً للبرميل، صارت مجموعة إنتاج النفط الصخري الأمريكي هي التي تقود هذه المبادرة.
وكانت شركات النفط الصخري الأمريكية تنتهز أي اتفاق بين الدول الكبرى المنتجة للنفط لتعزيز حصتها في الأسواق.
ويعد أفضل مؤشر على كيفية استجابة الصناعة الأمريكية هو التراجع السريع في عدد منصات النفط التي تعمل، والتي انخفضت الأسبوع الماضي إلى مستوى غير مسبوق منذ 4 سنوات. قبل الضربة التي وجهتها أزمة فيروس كورونا إلى الصناعة، كانت شركات النفط تدير 650 منصة في الولايات المتحدة. ومع حلول الجمعة 24 أبريل/نيسان، توقف أكثر من 40% منها عن العمل، ولا تزال 378 منصة فقط قيد التشغيل.
قال بين لوكوك، الرئيس المشارك لتجارة النفط في مجموعة تجارة السلع بشركة ترافيغورا جروب، إن أحداث يوم “الإثنين جعلت الناس حقاً يركزون عقولهم على أنه يجب إبطاء الإنتاج. إنها الصفعة التي كان السوق في حاجة إليها كي يدرك أن هذا خطير”.
تعتقد مجموعة ترافيغورا، التي تعد أحد أكبر مصدري الخام الأمريكي من خليج المكسيك أن إنتاج تكساس، ونيومكسيكو، ونورث داكوتا، وولايات أخرى، سوف ينخفض الآن أسرع بكثير من المتوقع؛ لأن الشركات تستجيب إلى الأسعار السلبية، التي استمرت لأيام عديدة خلال الأسبوع الماضي في السوق العينية.
إلى أن انهارت الأسعار يوم الإثنين، كان الإجماع يشير إلى أن الإنتاج سوف ينخفض بحوالي 1.5 مليون برميل يومياً، مع حلول شهر ديسمبر/كانون الأول. ويرى مراقبو السوق الآن أن تلك الخسارة ستأتي في أواخر يونيو/حزيران. قال روجر ديوان، المحلل الخبير بالنفط في شركة IHS Markit Ltd للاستشارات: “الأرجح أن شدة ضغوط الأسعار سوف تؤدي دور الحافز للهبوط الفوري في النشاط والإغلاقات”.
المنتجون يدفعون 50 دولاراً للبرميل
كانت صدمة الأسعار شديدة بدرجة خاصة في السوق العينية، إذ إن منتجي أنواع النفط مثل جنوب تكساس الحامض وشرق كانساس المشترك، اضطروا لدفع أكثر من 50 دولاراً في البرميل من أجل تفريغ إنتاجهم في الأسبوع الماضي.
أعلنت كل من شركة كونوكو فيليبس ومنتجة النفط الصخري كونتيننتال ريسورسيز، عن خطط لإغلاق الإنتاج. وصوت المشرعون في أوكلاهوما على السماح لحفارات النفط بإغلاق الآبار بدون خسارة عقود الإيجار، واتخذت نيوميكسيكو قراراً مماثلاً.
أما نورث داكوتا، التي كانت لأعوام مرادفاً لثورة النفط الصخري الأمريكي، فإنها تشهد تخفيضاً سريعاً. أغلق منتجو النفط بالفعل أكثر من 6 آلاف بئر، ما يعني تقليص الإنتاج بحوالي 405 آلاف برميل يومياً، أو ما يقرب من 30% من إجمالي إنتاج الولاية.
من تشاد إلى البرازيل الإنتاج يتراجع
لن يقتصر الخفض على الولايات المتحدة: من تشاد، وهي دولة إفريقية فقيرة وحبيسة، وصولاً إلى فيتنام والبرازيل، فإن المنتجين الآن إما يخفضون الإنتاج أو يخططون لتنفيذ ذلك.
قال ميتش فليغ، رئيس شركة Serica Energy النفطية في بحر الشمال، خلال مقابلة معه: “لا أريد أن أتحمس بشأن الأمر ولكن أجل، وبوضوح لا بد أن يكون هناك خطر حدوث إغلاقات. وفي مناطق محددة من العالم يعد هذا خطراً حاضراً وحقيقياً”.
في اجتماعات طارئة لمجالس الإدارة في الأسبوع الماضي، ناقشت شركات النفط الكبيرة والصغيرة نظرة مستقبلية هي الأكثر تشاؤماً بالنسبة لأي مسؤول تنفيذي في صناعة النفط. سوف تتعلق الأسابيع القليلة القادمة بالنسبة للشركات الصغيرة بالاستمرار في السوق وحسب. ولكن حتى بالنسبة للشركات الأكبر، مثل إكسون موبيل وشركة بي بي البريطانية، يشكل هذا المطلب تحدياً. سوف تقدم الشركات الست الكبار رؤية واضحة حول الأزمة، عندما تقدم الشركات تقارير الأرباح هذا الأسبوع.
سوف تنضم السعودية وروسيا وبقية دول مجموعة أوبك+ إلى خفض الإنتاج يوم الجمعة 1 مايو/أيار، لتقلص إنتاجها بأكثر من 20%، أو ما يعادل 9.7 مليون برميل يومياً. تقلل شركة أرامكو السعودية المملوكة للدولة إنتاجها بالفعل للوصول إلى المستهدف. وأعلنت شركات النفط الروسية أن صادراتها من خام الأورال سوف تتراجع في مايو/أيار إلى أدنى مستوى لها منذ 10 سنوات.
كل هذه التخفيضات قد لا تكون كافية
ومع ذلك، قد لا يكون هذا الخفض كافياً. في كل أسبوع يذهب 50 مليون برميل من الخام إلى المخازن، وهي كمية تكفي لتوفير الوقود إلى ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة مجتمعة. بهذا المعدل سوف ينفد المخزون العالمي بحلول شهر يونيو/حزيران. وما لا يخزن على اليابسة يُدخر في ناقلات النفط. فقد قالت قوات خفر السواحل الأمريكية، الجمعة 24 أبريل/نيسان، إن هناك عديداً من الناقلات راسية قبالة سواحل كاليفورنيا، وإنها كانت تراقب الموقف.
يُرجح أن تكون الأزمة أقل حدة، نظراً إلى أن المخزون سوف يسد الفجوة بين الطلب والعرض. إضافة إلى أن تجار النفط يقولون إن الاستهلاك ربما قد وصل إلى القاع، وسوف يبدأ حدوث انتعاش لطيف للغاية.
إغلاق المصافي
ولكن قبل أن يترسخ ذلك سوف ينتشر الإغلاق الكبير في قطاع تكرير النفط كذلك.
خلال الأسبوع الماضي، أعلنت شركة ماراثون للبترول، وهي واحدة من أكبر شركات التكرير الأمريكية، أنها سوف توقف الإنتاج في حقل بالقرب من سان فرانسيسكو. وعطلت شركة رويال داتش شل عديداً من الوحدات في ثلاث محطات تكرير في ولايتي ألاباما ولويزيانا. وفي أنحاء أوروبا وآسيا، تعمل عديد من معامل التكرير بنصف معدلاتها. عالجت مصافي النفط الأمريكية 12.45 مليون برميل فقط يومياً بين 10 أبريل/نيسان و17 أبريل/نيسان، وهو أقل رقم منذ ما يقرب من 30 عاماً، باستثناء حالات الإغلاق التي حدثت بسبب الأعاصير.
قال تجار واستشاريو النفط إن مزيداً من عمليات إغلاق معامل التكرير سوف يأتي، ولاسيما في الولايات المتحدة، حيث بدأت حالات الإغلاق بسبب الفيروس بعد أوروبا، ولا يزال الطلب يتقلص. قال ستيف سوير، مدير التكرير في شركة Facts Global Energy، إن معامل التكرير العالمية سوف توقف ما يصل إلى 25% من إجمالي طاقتها في شهر مايو/أيار.
وأضاف: “لن يستطيع أحد أن يتفادى هذه الرصاصة”.