آخر الأخبارتحليلات و آراء

مؤتمر الخذلان العربي الإسلامي

قـــــادر......ولم يفعــــــل

أبو علي حسن

    في محاولة لذر الرماد في العيون, استجاب “الزعماء” العرب والمسلمين لطلب قمة استثنائية للوقوف  أمام العدوان الاسرائيلي على غزة, والمساندة للشعب الفلسطيني الذي يتعرض إلى أبشع إبادة جماعية في العصر الحديث, وبما أنها “قمة استثنائية” فيها (57) دولة عربية ومسلمة, كان بالضرورة ان تكون نتائجها استثنائية وغير مسبوقة على حدث استثنائي غير مسبوق في عدوانيته وهمجيته, وأن يعكس البيان الختامي الدور والوزن السياسي والجيوسياسي والجيوثقافي للعرب والمسلمين على المسرح العالمي من جهة ويعكس حرص هذه الدول على الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية من جهة أخرى, بيد أن قرارات القمة “البيان الختامي” لم يرقى إلى أي مستوى من مستويات الحدث الجلل, الذي يمثل عدوان استثنائي يفوق الخيال في همجيته البربرية ضد المدنيين والأطفال والرضّع والنساء والشيوخ, راح ضحيتها اكثر من (12 ألف) شهيد مدني منهم أربعة آلاف طفل ورضيع, وخمسة وعشرين ألف جريح, وتدمير عشرات ألآلاف من البيوت على رؤوس أصحابها, وضرب كل مرافق الحياة من قطع المياه والكهرباء والاتصالات ومنع المساعدات الدوائية, وضرب المستشفيات والمراكز الصحية, وارتكاب أكثر من (140) مجزرة ضد المدنيين, وتدمير البيوت والأبنية بشكل ممنهج, وإفراغها من سكانها وترحيلهم إلى جنوب غزة…

هذا الحدث/ العدوان الاستثنائي في وحشيته التي ترتقي إلى جرائم إنسانية قبل أن تكون جرائم حرب, حيث فاق في وحشيته ما تركته قنبلة ناجازاكي عام (1945) على يد الجيش الأمريكي, كل هذا كان من الضروري أن يثير المشاعر والعواطف والنخوة عند الأشقاء العرب, وعند إخوة الدين والثقافة, وتلتئم قمم عربية وإسلامية للتضامن والمساندة مع شعب غزة لوقف الحرب, ومعاقبة المعتدي, وأن تستجيب هذه القمة إلى مشاعر وغضب ومطالبات الشعوب العربية والإسلامية في نصرة الشعب الفلسطيني…

غير أن هذه القمة الموسعة قد أضفت مشهداً من الكوميديا السوداء, إن في مضمون الكلمات التي قيلت في هذا المؤتمر “مع الاستثناء لبعض الدول” أو لجهة مضمون البيان الختامي وقراراته…

  • حيث أثبت هؤلاء الزعماء أنهم ليسوا أهلاً بأن يكونوا زعماء بلدانهم وشعوبهم, فهم على نقيض من مشاعر ووجدان شعوبهم…
  • كما أن البيان الختامي قد أثبت وكرّس دونية هؤلاء المجتمعون وقزميتهم أمام التحديات, ولا سيما هذا الحدث الجلل الذي تسال فيه دماء الشعب الفلسطيني…
  • كما أثبت هؤلاء الزعماء عرباً ومسلمين وللمرة المائة أنهم أعجز من أن يشكلوا وزناً ما في كفة ميزان القوى في أي عملية صراع مع الآخر, وأعجز من أن تتموضع دولهم في المعادلات السياسية والدولية على خرائط الصراع…
  • لقد افتقد البيان الختامي لأي آلية تنفيذية على هبوطه السياسي والعملاني  ولم تعره “اسرائيل” أي قيمة تحد من حربها على غزة واستمرارها في ارتكاب الجرائم, بل يشجع الكيان على استمرار عدوانيته وبربريته ولا يشكل لديها أي تحدي, بل يمكن القول أن الكيان كان مرتاحاً إلى أبعد الحدود لمستوى هذا البيان, وأنها على استعداد لتكريم هؤلاء الزعماء على بيانهم العتيد…
  • لم يشكل هذا البيان الختامي أي انتباهة لأي سياسي أو مواطن عربي كونه يفتقر إلى الحد الأدنى لما هو مطلوب لوقف العدوان على غزة, ويفتقر إلى أي وسيلة ضغط على الكيان برغم كثرة الخيارات لدى هؤلاء الزعماء في الضغط على الكيان ومناصريه…
  • فقد كان بوسع هذه القمة الموسعة أن تستعمل سلاح النفط للضغط على الغرب الذي يؤيد الكيان, ويرفض وقف العدوان, وكان بوسع المطبعين أن يعلنوا وقف التطبيع, وكان بوسع المعترفين بالكيان أن يسحبوا الاعتراف في فرصة تاريخية مشروعة لوقف الاعتراف  في ضوء عدوان الكيان وبربريته, غير أن مجرد التلويح بالبيان لأخذ مثل هذه المواقف لم يجرؤ المجمتعون أن يتبنوها…
  • وفي هذا السياق لم يجرؤ هؤلاء الزعماء في بيانهم الختامي الإشارة بالاسم إلى دور الولايات المتحدة الأمريكية في دعم الكيان المعلن سياسياً وميدانياً وتسليحياً, واكتفوا بالدعوة إلى وقف تسليح الكيان دون الإشارة إلى الفاعل المعلن, مما يعكس حالة الجبن من العم سام, وحالة التبعية التي لا تتمرد على المتبوع الأمريكي…
  • ومن المفارقات السياسية أن يلجأ هؤلاء الزعماء في بيانهم الختامي إلى اصطلاح الإدانة للكيان…!!! حيث هناك ثماني قرارات إدانة واستنكار من أصل (31) قرار وفي خطابهم السياسي تحول مفهوم الإدانة من مصطلح قانوني إلى مصطلح “شتيمة” للكيان لا أكثر ولا أقل, أي لغو سياسي يريح الضمير العاجز, في حين أن مفهوم الإدانة هو مفهوم قانوني يصدر عن جهة لديها قوة القانون والعقاب على المدعى عليه, أي الإدانة لها استحقاقاتها القانونية في معاقبة المتهم والمذنب, بينما المجتمعون أرادوا أن يتبنوا الإدانة تعبيراً عن عجز وقلة خياراتهم…
  • لم يجرؤ هؤلاء الزعماء في بيانهم الختامي أن يسموا الحرب على غزة وقتل المدنيين بالآلاف, بالمجازر التي صورها الإعلام بوضوح, بأنها جرائم “إنسانية” وليس فقط “عقاباً جماعياً يمثل جريمة حرب“, مما يشي بأن هذه الحرب تصنف على أنها عقاب للفلسطينيين, والاعتراض فقط يدور على العقاب الجماعي, وليس على الحرب والإبادة الجماعية الممنهجة سياسياً وميدانياً…
  • وفي السياق ذاته يتجاهلون عن قصد, وعن جبن تسمية الكيان الصهيوني بأنه دولة عنصرية, ودولة إرهاب ودولة استيطان, ويضفون عليها صفة “دولة الاحتلال الاستعماري” وليس دولة التطهير العرقي والعنصرية, أي الاعتراف بالدولة والاستنكار للاحتلال…!!!
  • وفي دلالة على عجز المؤتمر وزعمائه, أكثر البيان الختامي في قراراته من الحشو الإنشائي, كأن يشير في البند الثامن إلى إنشاء وحدة رصد قانونية متخصصة مشتركة توثق الجرائم الاسرائيلية…إلخ وإعداد مرافعات قانونية حول الانتهاكات, وفي بند عاشراً, يشير إلى إنشاء وحدة رصد إعلامية مشتركة توثق جرائم الاحتلال…!!!

إن مثل هذه القرارات لا تحتاج إلى مؤتمر قمة على مستوى (57) دولة, بقدر ما تقوم به مراكز أبحاث ومؤسسات دولية دون الرجوع إلى هذا المؤتمر وقراراته, وهم يدركون أن هناك وحدات رصد فلسطينية وإعلامية ودولية قائمة, وتقوم بدورها دون انتظار قرارات القمة العربية الإسلامية, ولعل أحد أكبر المحامين, الفرنسي   Gilles) Devers) الذي تطوع لتجنيد (300) محامي من مختلف الجنسيات, لأجل محاكمة الكيان الصهيوني وكذلك إقدام (60) نائباً من أوروبا وأمريكا اللاتينية بادروا إلى أخذ نتنياهو وفريقه للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية, لم ينتظروا قمة عربية أو إسلامية كي يتحرك الحس الإنساني, بما يثبت أن قرارات القمة في هذا الشأن ليست إلا حشواً إنشائياً لا قيمة له…

  • وبعد أكثر من عشرين عاماً, تعود حليمة لعادتها القديمة, حيث أعاد المؤتمر العتيد مجدداً التمسك بالسلام كخيار استراتيجي لإنهاء الاحتلال, وفي الوقت الذي يعلن فيه الكيان أنه يشن حرباً لا هوادة فيها ضد شعب غزة, فأي سلام مع الكيان في ظل الحرب المعلنة والإبادة الجماعية, ويؤكد المؤتمر على مبادرة السلام العربية عام 2002 التي ماتت منذ زمن ولم يعرها الكيان في أي يوم أي اهتمام, فقد حصل على العلاقات العربية معه قبل إنهاء احتلاله, وها هو يحصل عليها مرة أخرى حتى في ظل هذه الحرب البربرية, كما أكد المؤتمر على فرض السلام القائم على أساس “حل الدولتين” في الوقت الذي سمع فيه كل المجتمعون ما قاله الرئيس بايدن ” إن حل الدولتين لم يعد موجوداً على جدول الأعمال” الأمر الذي يشي بأن هؤلاء الزعماء لا زالوا يسبحون في بحر الأوهام أو اللعب في مسرح الخداع الاستراتيجي للإدارة الأمريكية والغرب الإمبريالي…
  • لقد سقط المجتمعون للمرة المائة في اختبار الكرامة والنخوة والعروبة, بيد أن غزة أيقظت العالم على قضيتها فلسطين وأدخلتها إلى كل بيت بالعالم, لكنها لم تستطع أن توقظ زعماء الأمة العربية والإسلامية من سبات لا صحوة منه..

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى