ماذا تُريد مصر من لبنان؟.. استقرار النظام، وثورات البحر والخوف من الإسلاميين

يعود الدور المصري للبنان من بوابة الأزمة اللبنانية المتسارعة الأحداث، وهذه العودة اليوم يرى البعض أنها من بوابة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري والذي قدم اعتذاره عن مهمة تشكيل الحكومة.

وقدم الحريري استقالته مباشرة بعد عودته من زيارة القاهرة، ولقائه مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ومدير مخابراته، عباس كامل؛ لذا فإن الحضور المصري في لبنان يتعزز اليوم في ظل الحديث عن تحضير القاهرة لمبادرة عربية بالتنسيق مع دول عربية وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية لحل الأزمة اللبنانية.

ووفقاً لمعلومات “عربي بوست” التي حصل عليها من مصدر دبلوماسي فإنه قبيل زيارة الحريري الأخيرة إلى القاهرة، جرى تنسيق عالي المستوى بين الإدارتين المصرية والسعودية لمناقشة تداعيات الأزمة اللبنانية.

وأضاف المصدر ذاته أن المصريين يجرون مشاورات مع مجموعة دولٍ عربية، بما فيها قطر والإمارات لإقامة مؤتمر عربي عاجل لإنقاذ لبنان، برعاية دولية منعاً لتفتت الدولة الوطنية اللبنانية.

وبحسب المصدر ذاته، فإن عدم اعتذار الحريري عن تشكيل الحكومة في مراحل سابقة يعود لرفض مصر هذا الخيار، خوفاً من خلق قواعد دستوريةٍ جديدةٍ تمُس شكل النظام اللبناني القائم على اتفاق الطائف، والذي يكرس دوراً أوسع لرئيس الحكومة في العملية السياسية والإدارية اللبنانية.

الاهتمام المصري بلبنان

وكشف مصدر لـ”عربي بوست” أن الاهتمام المصري المستجد بلبنان مرتبط بمجموعة عواملٍ لا يُمكن إغفالها، وهي أن القاهرة حريصة على ترتيب ملف المتوسط، بمشاركتها وتأثيرها المباشر، خاصة أن الملف بات حامياً، ويشهد تطورات كبيرة بدأت من ليبيا، وتمتد لتحالف مصر مع مجموعة دول متوسطية، ولا تنتهي بالتحالف الثلاثي مع الأردن والعراق، والذي يراد ضم لبنان وسوريا له بموافقة أمريكية وروسية.

ووفقاً للمصدر ذاته، فإنه في الملف السياسي المرتبط بلبنان ومحيطه وعلى الرغم من تطور العلاقة التركية-المصرية فإن القاهرة حريصة على سد أي ثغرة تسمح لأنقرة بالتسلل في المنطقة العربية، وخاصة أن شعبية تركيا تزداد مؤخراً في الساحة اللبنانية وفي الحاضنة التي تعتبر عربية تاريخياً.

أيضاً، تبقى القاهرة حريصة على احتضان الحريري ودعمه وتأمين حمايةٍ سياسيةٍ له؛ لأنه يمثل بطبيعة الحال تياراً سياسياً سني الهوية لكنه معتدل ويميل للعلمانية، وأن أي محاولة لضرب الحريري أو إقصائه تفتح الباب لتسلل إما حركات إسلامية أو جماعات أكثر تطرفاً، وهذا ما تسعى القاهرة لمنعه في محيطها.

في المشهد الإقليمي الكبير، يرى المصدر ذاته أن لبنان يعيش فراغاً عربياً عقب انسحاب السعودية؛ لذا فإن المنطق السياسي يقول إن الفراغ يجب أن يتم ملؤه، ومصر الأقدر بموقعها الجيوسياسي وتأثيرها الإقليمي أن تلعبه، لكن بالتنسيق مع دول المنطقة، وتحديداً السعودية وتركيا.

الأبعاد الاستراتيجية

يقول المحلل السياسي، منير الربيع إن “الجسم البنيوي لمصر يقوم على الدولة المركزية والدولة الوطنية، وإن هذا التصور التاريخي المصري يُفضل المصريين رؤيته في كل الدول المحيطة كسوريا ولبنان وليبيا وغيرها”.

وأضاف المتحدث في تصريح لـ”عربي بوست” أن التطلعات السياسية المصرية تنطلق من مفهوم البنية المركزية للدولة القائمة على منع أي دينامية حركية غير متوقعة، والمرتكزة بالحفاظ على مؤسسات الدولة المدنية والجيش والأمن (عسكرة المجتمع)، والتي ترفض أي حركية سياسية مرتبطة بالتغيير، وتؤثر على الاستقرار وتتحول لفوضى.

وأشار المتحدث إلى أن “مصر تخشى من حراك ينبع من امتداد هذا التغيير ويتسلل للداخل المصري؛ لأن الثورات والانتفاضات (معدية)، لذا فإن الجانب المصري حريص على إجراء تسوية لبنانية سريعة؛ لأنه يحرص على بقاء الأنظمة المشابهة له في المنطقة”.

وبحسب الربيع، فإن التعاطي المصري مع الملفات اللبنانية يختلف عن تعاطي العديد من الدول العربية معها، فالمصريون يتحدثون بشكل دائم مع حزب الله وإيران، وفي الوقت نفسه يتواصلون مع خصوم الحزب، وهذا تاريخياً ضمن الأداء المصري في لبنان.

وأعطى المتحدث مثالاً على ذلك، كون أن جمال عبدالناصر كان داعماً لقوى اليسار اللبناني، والحركة الوطنية بقيادة كمال جنبلاط، وفي الوقت نفسه كان صديقاً جداً للرئيس فؤاد شهاب العسكري المسيحي والمؤسس لبنية الدولة الوطنية اللبنانية، وجرى لقاء تاريخي بينه وبين عبدالناصر في الخيمة الشهيرة على الحدود اللبنانية-السورية، كما أن قوى اليمين المسيحي كانت على علاقات جيدة ومتقدمة مع الجانب المصري.

استراتيجية البحر المتوسط

يرى المحلل السياسي، منير الربيع أن هناك سعياً مصرياً للعب دور ريادي في المنطقة، انطلاقاً من حجم مصر البشري الكبير، وأنها دولة قابلة لاستقطاب رؤوس الأموال.

ووفقاً للمحلل السياسي اللبناني، فإن الاهتمام الرئيسي لمصر مؤخراً بلبنان هو المشاريع الاستراتيجية النفطية في البحر الأبيض المتوسط، وهذا ما يتجلى بالاتفاق الثلاثية بين مصر والأردن والعراق مؤخراً، والذي تُريد القاهرة ضم لبنان له برعاية إقليمية ودولية.

وبحسب الربيع، فإن المصريين حريصون على المشاركة في حل أزمات المناطق المحيطة، لأنه يساعدهم على ملء فراغ الانسحاب الأمريكي في المنطقة.

أما على المستوى السياسي فإن مصر بحسب الربيع، لا تتعاطى مع الدول من منطلقات طائفية ومذهبية لكنها تفضل دعم ومساندة “الاعتدال السني”، والذي يمثل الحريري جزءاً كبيراً منه في لبنان، لذلك فإن مصر تخشى انكفاء الحريري “المعتدل” على حساب حركات وجماعات إسلامية لا يمكن التفاهم معها.

مصر تاريخياً في لبنان

من ستينيات القرن الماضي ومع إطلاق مسيرة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، تعزز الحضور السياسي لمصر في لبنان على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والأهلية، وهذا الاهتمام لم يكن وفقاً للعديد من المطلعين محصوراً بالشق الرسمي السياسي، بل تعداه حينها للجانب الاجتماعي المباشر الأول بإنشاء مصر لجامعة بيروت العربية كأول جامعة تعليمية عربية تبصر النور في لبنان، واستجلاب الأساتذة المصريين إلى لبنان؛ ما يعبر عن مدى الرغبة المصرية بالحضور في الداخل اللبناني.

واستمر الاهتمام ليشمل إرسال البعثات الأزهرية لمساجد لبنان في مواجهة المد الوهابي السعودي المناوئ حينها للحضور المصري؛ الأمر الذي يجعل مصر وإلى هذا اليوم المؤثر الأول في دار الفتوى اللبنانية.

ويعتبر ربيع دندشلي الباحث اللبناني لـ”عربي بوست” أن مصر كانت حاضرة في الشأن اللبناني اليوم، وكانت صديقة كل الأطراف اللبنانية، وحتى القوى المتخاصمة، معها؛ بدليل أن اللبنانيين في عام 1969 توافدوا للقاهرة ووقعوا على اتفاق القاهرة الشهير بمشاركة قوى اليمين المسيحي اللبناني، والذي أتاح لمنظمة التحرير الفلسطينية نقل نشاطها من الأردن إلى لبنان.

سياسياً يعتقد دندشلي أن تلك المرحلة اللبنانية كان التقاطع والتباين هو من يحكم العلاقة المصرية مع السعودية في لبنان، وذلك حتى اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية والتي بموجبها جرت مقررات جامعة الدول العربية التي أعلنت إرسال قوات ردع عربية لفك الاشتباك اللبناني، والذي  سرعان ما تحول لانكفاء مصري في مقابل تلزيم لبنان للجانب السوري والذي اختلف مع المصري بعد اتفاق كامب ديفيد الشهير.

لكن دندشلي يرى أن الرئيس الراحل حسني مبارك لعب مع مدير مخابراته عمر سليمان أدواراً عدة في لبنان، الأول باحتضان فريق 14 آذار بعد اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ومحاولة تأمين غطاء ومظلة عربية لإخراج سوريا من لبنان، بالإضافة لملفات مرتبطة بالواقع الفلسطيني في لبنان وتوقف هذا الدور في 2011 عقب انطلاق عجلة الثورات العربية.

يعتقد دندشلي أن الدور المصري يعاود نشاطه لبنانياً مع الانحسار السعودي عن لبنان منذ سنوات والفراغ على المستوى السني وعدم الرغبة التركية للعب دور في الساحة المحلية اللبنانية في المدى المنظور إلا من الجانب الرسمي ودعم المؤسسات العسكرية الوطنية أو عبر مشاريع تنموية في كل المساحة اللبنانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى