ماراثون حوارات فتح وحماس .. الهدف النهائي لا شيء
سليم يونس
انتهى احتفال التقاط الصور في العاصمة الجزائر، بأن حاز الشيح إسماعيل هنية زعيم حماس على الصورة الأبرز التي تداولتها وسائل الإعلام، ليحقق بذلك إنجازا “حمساويا” في اجتماع لم الشمل الفلسطيني في نسخته الجزائرية.
إن صورة هنية رافعا يده بشارة النصر والاحتفال المجيد بهذا الإنجاز وبمخرجات ذلك الاجتماع تختزل المشهد وتدل على تلك العقلية التي تحكم مصير تلك الحوارات في الجزائر أو غيرها، والنتائج، التي خرج بها اجتماع الجزائر.
المفارقة أن هناك أربعة عشر وفدا فصائليا ، وجود معظمها في الواقع هو وجود هامشي لكن لأن كلا من فتح وحماس تريد هذا الوجود الشكلي كأصوات للتعبير عما تعتبره الالتفاف الفلسطيني الفصائلي حول مواقفها وخيارتها، في حين أن لا أحد يصدق هذه الفنتازيا الفلسطينية، كون هذه القوى لا تمثل إضافة بالمعني السياسي والتنظيمي والكفاحي في الحالة الفلسطينية، وهي من ثم لا تملك أن تقرر ولكنها تستطيع أن تصطف حيث مصالحها، لكن قدرة التقرير هي لدى حركتي فتح وحماس لثقلهما الموضوعي الذي جزء كبير منه نتاج فعل عامل خارجي واكبهما على امتداد سنوات، ولأنهما أيضا السبب فيما يعانيه المشهد الفلسطيني من انقسام جراء انقلاب حماس الدموي من جانب، وذهنية فتح التي تأسست على الاستحواذ والهيمنة من جانب آخر، ولأنها كذلك فهي لم تكن على استعداد فكري وسياسي لتقبل طرف آخر ينازعها الهيمنة التي هي بعد أوسلو باتت تندرج ضمن ما يسمى مفهوم تداول السلطة و(أي سلطة!).
وهذا أمر جديد على المشهد الفلسطيني قرره اتفاق أوسلو مهما قيل غير ذلك، فتاريخيا كانت هناك حوارات للوحدة وكم من مرة احتضنت الجزائر تلك الحوارات، لكن تلك الحوارات لم تكن تبحث عن مغانم وتقاسم نفوذ وحصص، ولكنها حوارات سياسية بامتياز هدفها توحيد الرؤية السياسية لتلك القوى الفلسطينية الفاعلة في سياق فعل الثورة المستمر، في وجود قوى تتمتع بحد عال من النزاهة والصدقية والمستعدة للتضحية من أجل وحدة الموقف والرؤية السياسية والتنظيمية والكفاحية للثورة الفلسطينية، وكانت قادرة على إدارة حتى التناقضات البينية ضمن شرط الصراع في إطار الوحدة.
ومن ثم فإن التعامل من قبل الفلسطينيين بلامبالاة مع وثيقة الجزائر لا يعكس موقفا من الجزائر التي سبق أن احتضنت لقاءات الوحدة الوطنية الفلسطينية وإعلان الدولة عام 1988 قبل التحاق حماس بالثورة الفلسطينية المعاصرة ولكن كطرف بديل لمنظمة التحرير حينها بأكثر من عقدين من الزمن، وهذه النظرة لاجتماع لم الشمل الفلسطيني لا تتعلق بالجزائر ونواياها الصادقة ارتباطا بعلاقتها الوجدانية والعملية بالقضية الفلسطينية، وإنما لأن هناك انقسام فعلي جغرافي وسياسي واجتماعي بعد استحواذ حماس على قطاع غزة وإقامة نظام خاص بها في القطاع أضفت عليه ملامح من فكرها خلافا لبقية المناطق الفلسطينية. فحماس التي كانت تعيش حالة نشوة حصولها على الأفضلية النسبية في انتخابات 2006 بسبب قانون الانتخابات المشوه، جعلها تعيش حالة “شبق” سلطوي، بعد أن قدرت أن فتح قد هزمت ، وأنها هي الأقدر على استلام السلطة بسبب تفوقها النسبي أولا وثانيا لأنها تعتقد أنها تمتلك مفاتيح الجنة كونها حركة ربانية، حسب تعبير أحد شيوخها.
هذه الذهنية جعلتها تعتبر نفسها الوريث الشرعي للسلطة والأمينة على المشروع الوطني، في حين أن فتح موضوعيا لم تعد فتح تلك التي كانت بسبب وضعها الداخلي وبؤس خياراتها السياسية، ومن الطبيعي في ظل مثل هذا التوصيف أن يكون لحماس مقاربة مختلفة، بعد عززت وجودها وحضورها خلال سيطرتها على غزة حتى باتت عنوانا مقررا مصريا وصهيونيا عند البحث في الهدنة بعد أي عدوان صهيوني على القطاع باعتبارها سلطة الأمر الواقع هناك. ليكون السؤال في مثل هذا الواقع لماذا تقدم حماس على تقديم تنازلات من مكاسبها في غزة أو غيرها؟ فيما يمكنها أن تقفز لقيادة المشهد دون دفع أي ثمن، إذا ما غاب رئيس منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وقائد فتح محمود عباس عن المشهد .
وخلاصة القول هل حماس التي تقبض على رقبة غزة وأقامت فيها نموذجها الحمساوي، وهي التي سبق أن اعتبرت انقلابها شرعيا، هل هي على استعداد للتنازل عن نموذجها الغزي؟!
وبطرح نفس السؤال ولكن لفتح ، هل فتج التي تعي أنها ليست في كامل عافيتها التنظيمية والسياسية والكفاحية، لكن مع ذلك لها حضورها وثقلها الجماهيري الموضوعي، التي تكشف التقارير الإعلامية والمراقبين أن فتح بكل ما تعيشه، هي المظهر العام في الاشتباك مع الاحتلال في الضفة: على استعداد أن تعطي حماس طوعا، ما بجردها من امتيازاتها في السلطة، وادعاءها بأبوة المشروع السياسي الوطني،
وبالعودة لمجريات اجتماع الجزائر مع أخذ ما يفكر في طرفي معادلة الانقسام، يكون السؤال أليس من العبث انتظار عمل وحدوي تقرره إرادة طرفي المشكلة، كون كل منهما يرى الوحدة من خلال حصته في مغنم سلطة هي تحت الاحتلال، لأن الطرفين على استعداد لشيء واحد فقط ..وهو تقاسم الحصص وليس التنازل المتبادل لتحقيق الوحدة، وبهذا المعني فإن إعلان الجزائر كما أعتقد يرسم ملامح مشهد فلسطيني فصائلي يعيش حالة انفصام عما يجري في الضفة دون التقليل من دور ونوايا الجزائر الدولة، لأن المسألة تتعلق بمن كان سببا في الانقسام واستمرأ استمراره، وهي حماس أولا، وفي فتح التي تصر على أنها ما زالت فتح التي كانت منذ عدة عقود، دون وعي أن هناك متغيرات جدت على المشهد الفلسطيني لابد أن تؤخذ بعين الاعتبار وربما يجيب على سؤال مهرجانات اجتماعات الوحدة في الجزائر أو غيرها ما قاله زياد النخالة زعيم حركة الجهاد في لقاء مع قناة الجزيرة القطرية من أن ” حوار الفصائل الفلسطينية هو مضيعة للوقت، ولن تحدث مصالحة بدون موافقة إسرائيل التي تتحكم بالجغرافية والأمن والاقتصاد” علما أن فصيل النخالة طرف أساسي في كل حوارات مضيعة الوقت تلك!!.
وأخيرا نعتقد أن هذه الثنائية التي أضرت بالعامل الكفاحي الفلسطيني في ظل تغول جيش الاحتلال وقطعان مستوطنيه وحالة الاشتباك الشعبي ومن فرسان الشعب الفلسطيني المتعدين للتقسيم الفصائلي من الضروري وجود قطب ثالث لا يسعى وراء الحصص، بل من أجل إعادة التوازن للحالة الفلسطينية وكسر هذه الثنائية التي أضرت بالقضية الفلسطينية في الواقع وحرفت البوصلة بعيدا عن اتجاهها الموضوعي.