ما حقيقة المفاوضات السرية بين “الحرية والتغيير” وحزب البشير؟
منذ أن رحل الرئيس السوداني المعزول، عمر البشير، عن سدة الحكم في السودان في الحادي عشر من أبريل/نيسان 2019، لم تنقطع المطالبات الشعبية بمحاكمة رموز النظام وعزلهم سياسيا، جزاء لما قاموا به من إفساد الحياة السياسية واقتصاد البلاد، لكن يبدو أن الأمور تسير عكس الشعارات التي رفعتها الثورة السودانية، نهاية العام 2018.
خلال الأيام القليلة الماضية تناولت بعض المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي أخبارا تتحدث عن مفاوضات بين قوى الحرية والتغيير وحزب المؤتمر الوطني السوداني”حزب البشير”.
وأشارت إلى أن هناك اجتماعات تمت بالفعل وناقشت كيفية التحالف مع المؤتمر، وأن شخصية سياسية وحزبية كبيرة في قوى الحرية هي التي تزعمت تلك المشاورات… ما هى حقيقة تلك المفاوضات أم أن الأمر لا يتعدى المكايدات السياسية؟
صراعات “قحت”
وقال مصدر سوداني إن اجتماع الحرية والتغيير في دار الأمة والتفاوض السري مع حزب المؤتمر الوطني الذي كان يحكم البلاد قبل 11 أبريل/نيسان من العام الماضي 2018 ورموزه في السجن، جاء نتيجة الصراعات الداخلية التي قسمت قوي الحرية والتغيير إلى جناحين العسكري “الجبهة الثورية السودانية” والجناح المدني أحزاب الخرطوم، والجناح الذي يفاوض حزب المؤتمر الوطني المحلول ورموزه في السجن الآن هو الجناح المدني من “قحت” في الخرطوم، التي سبق أن أقصت جناحها العسكري “الجبهة الثورية” من الساحة السياسية.
وأضاف المصدر، شٌكلت الحكومة الانتقالية بمختلف مستوياتها بعد المشاورات الداخلية التي تمت بينهما في أديس أبابا، ووصل الطرفين المتصارعين في قحت إلي اتفاق، وسرعان تنصل عنها الطرف المدني وجعل الوضع بينهما معقدا إلى حد بعيد من التوتر حتى الآن، وكان ذلك أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت الطرف المدني من أحزاب الحرية والتغيير المجتمعة في الخرطوم أن تتفاوض مع حزب المؤتمر الوطني المحلول ورموزه في السجن.
مفاوضات سرية
وأفاد المصدر بأن تفاصيل مفاوضات الحرية والتغيير مع “النظام السابق” يرجع إلى تاريخ 19 من ديسمبر/كانون أول الماضي، عندما عاد ابراهيم الشيخ الناطق الرسمي باسم ما يسمى بالمجلس المركزي لقحت من جوبا التي سافر إليها كوفد لقحت في التفاوض، بعد رفض الجبهة الثورية السودانية مشاركة الحرية والتغيير كأحزاب بعينها في المفاوضات، لأن الطرف الحكومي في التفاوض يحمل صفة دستورية في التفاوض باسم حكومة قحت نفسها.
وأشار المصدر السوداني إلى عقد اجتماع طارئ للمجلس المركزي لقوى اعلان الحرية والتغيير في الخميس 19 من ديسمبر/كانون أول الماضي في دار حزب الأمة القومي، وضم الاجتماع كامل عضوية المجلس المركزي لقحت وهم ( إبراهيم الشيخ – أحمد ربيع- هيفاء فاروق-عمار يوسف – فيصل يوسف -علي الريح السنهوري- عبدالرحيم عبدالله -صلاح مناع – مريم الصادق- صديق يوسف -احمد شاكر-الصادق الزعيم -كمال بولاد- يوسف محمد زين-أيمن خالد-أحمد شاكر -علي الحضرة – مهيد صديق – محمد خطاب -أمينة محمود – طارق حفيظ – حيدر الصافي) إضافة إلى الصادق المهدي، والذي كان يتابع من خارج المجلس ويشرف على الاجتماع الاستثنائي.
البنود الثلاثة
وأوضح المصدر أن الاجتماع شمل ثلاثة بنود وهي تشكيل الولاء استباقا لتوقيع السلام، وكيفية التعامل مع الملفات التي تسيطر عليها الحكومة الانتقالية سياسيا، خارج نفوذ قوى الحرية والتغيير خاصة ملف السلام الذي أحد أطرافه جزء من قوى إعلان الحرية والتغيير وترفض مشاركتهم فيها، وهي الجبهة الثورية السودانية المنافس التقليدي للطرف المدني في قحت، والتي ستكون في الخرطوم في إطار المفاوضات الجارية في جوبا، وستكون جزء من السلطة وتخصم من نفوذهم في السلطة، وهي طرف لا يستهان بها لأن لديها قوي عسكرية وسياسية وشعبية ولديها مشروع سياسي، وتعتبرها أحزاب الحرية والتغيير مشروع مضاد للمشروع التقليدي الذي تتبناه القوى السياسية التقليدية المكونة لها والمتحالفة معها في إعلان الحرية والتغيير.
وتابع المصدر السوداني، في هذا الاجتماع طُرح بند جديد للنقاش وهو كيفية التعامل مع الجبهة الثورية السودانية، لأن طبيعة الصراع فيما بين أطراف الحرية والتغيير، هي اختلاف رؤى، حركات الكفاح المسلح تريد ضمانات حقيقية ومشاركة حقيقية في القرار داخل التحالف، والقوى السياسية المدنية في الخرطوم تري أنه صراع تنافسي نحو التمكين في السلطة تمهيدا للانتخابات، وترى الجبهة الثورية السودانية هي المنافس المحتمل وهو الطرف الذي يملك كل شي من الكادر السياسي والعنصر الجماهيري في مناطق سيطرتها سكانيا وحواضنها الاجتماعية والقوى العسكرية في آن واحد.
الخلافات مع حمدوك
وذكر المصدر أن الاجتماع ناقش أيضا بند كيفية التعامل مع الحكومة في ظل عدم تجاوب “حمدوك” مع سياسات التمكين الحزبي الذي تسعى إليه قحت في المؤسسات على أسس سياسية وجغرافية وانتماءات حزبية، على أساس أن الكفاءة خلقت نوعا من الهوة بين الحكومة الانتقالية برئاسة حمدوك و”قحت” إلى جانب الخلافات في ملف التفاوض، فالحكومة الانتقالية تريد التفاوض بجدية مع الحركات المسلحة وتدفع استحقاقات السلام بجدية من أجل وقف الحرب إلى الأبد في الفترة الانتقالية، ومشاركة الحركات في السلطة الانتقالية وحل قضايا النازحين واللاجئين.
وأضاف المصدر “في حين أن قحت تريد المماطلة بهذا الملف لتفادي قدوم الجبهة الثورية السودانية إلى الخرطوم لتوفر لها حصتها من السلطة، أيضا الخلافات بين القحت والحكومة الانتقالية في موازنة 2020 وغيرها من الأمور جعلت الطرق تفترق بين القحت وحكومة حمدوك، وفي هذه الحالة القحت يخاف من الشعبية الكاسحة لدي حمدوك، وأن يدعم الشعب السوداني حكومته بثورة تصحيحية ومواكب لتفويض حمدوك ضدها، وبالتالي لجأت القحت إلى هذا الفكر من أجل وضع احتياطات لها في حال عدم سير حكومة حمدوك علي نهج القحت في إدارة البلاد، أو حال اختلافهم مع حمدوك هو اللجوء إلى إفشال حكومته، واللجوء إلى انتخابات مبكرة.
الإسلام السياسي
وكشف المصدر بعد المشاورات السرية بين قيادات كتل أحزاب الحرية والتغيير الخمسة، اتفق معظمهم بالتجاوب مع الفكرة وبعدها اجتمع الامام مع رجل الأعمال المعروف أسامة داود، وهو أحد إمبراطوريات المال والأعمال في عهد البشير، وطرح له الإمام رعاية فكرة الحوار بين النظام السابق وقيادات قوى إعلان الحرية والتغيير بإشراف الصادق المهدي.
ومن جانبه، قال خضر عطا المنان، الكاتب والمحلل السياسي السوداني لـ”سبوتنيك”، إن التحرك الذي يتزعمه حزب الأمة السوداني برعاية الصادق المهدي في أم درمان للتصالح مع حزب المؤتمر الوطني “حزب البشير” أو الإسلام السياسي، لا ننسى أن الصادق المهدي إسلامي وهذا هو سر علاقة النسب التي ربطته بالراحل حسن الترابي، والشيء الآخر أن الجناح المدني في قوى الحرية والتغيير الحاكمة اليوم، الجميع ليسوا على توافق تام.
مخاوف قحت
وأضاف المحلل السياسي، بأن المجموعة التي اجتمعت في دار حزب الأمة من قوى الحرية والتغيير، لبحث التعامل مع الجبهة الثورية والتحالف مع الإخوان المسلمين الذين ثارت الجماهير ضدهم، والغرض من هذا التحالف هو قطع الطريق أمام الجبهة الثورية بعد أن شعروا بأن تقدم المفاوضات مع الجبهة الثورية في اتفاق جوبا، سوف يأتي بها إلى الخرطوم للحصول على بعض المناصب وهذا بكل تأكيد سيكون على حساب بعض أفراد الحرية والتغيير.
وتابع المنان، المخاوف لدى “قحت” نشأت من هنا، حيث أن الانقسام الحاد بين مكونات الحرية والتغيير دفعهم إلى اللجوء لمثل هذا الخيار، ولم يجدوا غير الصادق المهدي الذي يمكنه أن يوفر لهم مثل هذا المطلب، بأن يتبنى مشروع الهبوط الناعم، لأنه يسعى أن يكون جزء من السلطة في المرحلة القادمة، على الأقل يكون لديه بصمة واضحة في التغيير الذي يحدث في السودان في المرحلة القادمة أو الفترة الأخيرة من المرحلة الانتقالية، وهذا هو السر في الاجتماع بحزب الأمة تحديدا، واختيار مقر حزب الأمة للاجتماع لم يكن اعتباطا، مشيرا إلى أن علاقة الصادق المهدي بالسلطة تشبه علاقة السمك بالماء، حيث يسعى دائما للواجهة وأن تسلط عليه الأضواء.
رد حزب الأمة
ومن جانبه، نفى اللواء فضل الله برمة ناصر، نائب رئيس حزب الأمة السوداني في حديث لـ”سبوتنيك” وجود أي حديث أو تفاوض مع حزب المؤتمر الوطني في الوقت الحاضر، وحدوث هذا غير وارد على الإطلاق في الوقت الراهن.
وقال نائب رئيس حزب الأمة، يجب أن تتم المساءلة أولا للمؤتمر الوطني، وأن يعترف قادته بالأخطاء التي ارتكبت بحق الشعب السوداني، وهناك أشخاص قدموا للمحاكمة ومن تثبت إدانته يعاقب والبرىء يخرج للحياة العامة.
وأكد برمة، رغم المناداة بالمحاسبة إلا أننا لا نؤمن بالعزل والإقصاء المجتمعي بعيدا عن القانون، وأعود للتأكيد أن باب السيد الصادق المهدي مفتوح للجميع لكن ليس هناك أي حوار مع المؤتمر الوطني، ولم يطرح في مؤسسات حزب الأمة سواء من جانب الصادق المهدي أو من مؤسسات الحزب أي حوار مع المؤتمر الوطني.
وأوضح نائب رئيس حزب الأمة أن المؤتمر الوطني ارتكب الكثير من الأخطاء بحق الشعب السوداني، بداية من الانقلاب على الديمقراطية في العام 1989 حتى عزل البشير في أبريل/نيسان من العام الماضي 2019، الأسبقية الآن للمساءلة والمحاسبة.
ومنذ 21 أغسطس/ آب الماضي، يشهد السودان، فترة انتقالية تستمر 39 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم السلطة خلالها كل من المجلس العسكري، وقوى “إعلان الحرية والتغيير”، قائدة الحراك الشعبي.