ما حقيقة ما أعلنه دياب عن “خطة للانقلاب”، وإلى أين تتجه الأمور في لبنان؟
ربما تكون المرة الأولى التي يستخدم فيها رئيس وزراء لبنان حسان دياب لغة تصعيدية، حملت تهديداً واتهامات تجاه “المعارضة”، فهل يعني ذلك أن البلاد مقبلة على ما هو أسوأ سياسياً واقتصادياً؟ أم أن اتهامات دياب مجرد فصل آخر من الفصول المكرَّرة منذ اندلاع الاحتجاجات العام الماضي؟
“خطة للانقلاب على مكافحة الفساد”
أمس السبت 13 يونيو/حزيران، اتهم دياب معارضيه بتعميق أزمة العملة في البلاد، والتحريض على “الاضطرابات”، وفي كلمة متلفزة تحدَّث رئيس الوزراء عن “خطة للانقلاب على ورشة مكافحة الفساد”، مؤكداً أنه تم “إسقاطها”، وقال إن المعارضين السياسيين يسعون لتقويض جهود الحكومة للتحقيق في قضايا الفساد، وإنهم أثاروا الاضطرابات الأخيرة.
“اليوم نحن هنا، وسط هذا الهمّ المالي والمعيشي، حاول البعض الاستثمار مجدداً، من دون أي رادع وطني، ضخوا الأكاذيب والشائعات وساهموا في تعميق أزمة الليرة اللبنانية، وتسبَّبوا بأزمة كبرى، ودفعوا الناس إلى الشارع”.
ولم يحدد دياب المعارضين الذين يتهمهم بالتحريض على الاضطرابات، فيما يمكن أن تكون المرة الأولى التي يستخدم فيها دياب لغة حادة بهذه الطريقة منذ تولي منصبه في يناير/كانون الثاني، في خضم الاحتجاجات التي كانت قد اندلعت منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، تحت شعار “كلن يعني كلن”، في إشارة للطبقة السياسية التي تحكم لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية عام 1990.
لماذا تجدّدت الاحتجاجات؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال، من المهم أن نذكر أن الاحتجاجات في لبنان لم تتوقف بصورة شبه كاملة إلا بسبب انتشار وباء كورونا، والذي استخدمته حكومة دياب في فرض حظر التجول ومنع التجمعات والتظاهرات، وكان ذلك منذ منتصف مارس/آذار الماضي.
لكن الخميس الماضي، 11 يونيو/حزيران، اندلعت الموجة الأحدث من المظاهرات، وهذه المرة أيضاً السبب اقتصادي، بعد انخفاضات جديدة في قيمة العملة خلال الأسبوع الماضي، ما أجَّج الغضب بسبب عجز الحكومة عن احتواء الأزمة الاقتصادية التي ألحقت ضرراً شديداً بأوضاع المعيشة.
وفقدت الليرة نحو 70% من قيمتها منذ أكتوبر/تشرين الأول، عندما غرقت البلاد المدينة بشدة في أزمة مالية تسببت في رفع الأسعار وتقليص الوظائف وفرض قيود على صرف الودائع الدولارية، وهو ما جمّد حسابات الادخار بتلك العملة، وارتفعت الليرة قليلاً، والتي كان سعر صرفها يبلغ 5 آلاف أمام الدولار، يوم الجمعة، بعد إعلان حكومي عن قيام مصرف لبنان المركزي بضخ دولارات في السوق، الإثنين 15 يونيو/حزيران.
لكن إعلان الحكومة عن ضخ دولارات في السوق، والذي جاء كردّ فعل على تجدُّد الاحتجاجات، أدّى لمزيد من الغضب في الشارع، ولفت كثيرٌ من النشطاء إلى أنَّ الحكومة لا تتحرك إلا تحت ضغط الشارع، فعاد المحتجون إلى الشوارع في مختلف أنحاء البلاد أمس السبت، وتظاهروا في بيروت وطرابلس في الشمال، وصيدا في الجنوب، وطالب كثير منهم الحكومة بالاستقالة.
نشر الجيش واندلاع مواجهات
في هذا السياق، جاءت تصريحات دياب، الذي لا تحظى حكومته بدعم سوى تيار حزب الله والرئيس ميشيل عون، لتؤكد أن هذا التيار ينوي الاستمرار في التصعيد في مواجهة تيار المستقبل برئاسة سعد الحريري رئيس الحكومة السابق والمتحالفين معه، وهما رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ورئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط.
وزادت حدة المواجهات في الشارع أمس السبت، فقام الجيش اللبناني مساء بالدفع بتعزيزات عسكرية إلى مدينة طرابلس، وذلك بعد إصابة العشرات في الاشتباكات الدائرة بين محتجين وقوات الأمن، واليوم الأحد 14 يونيو/حزيرانن تشهد طرابلس انتشاراً مكثفاً لرجال الأمن، ويسود المدينة حالة من الهدوء الحذر.
والمؤكد أن تجدد الاحتجاجات والعنف سوف يؤديان إلى تعقيد المحادثات الجارية مع صندوق النقد الدولي حالياً حول برنامج إصلاح تأمل حكومة دياب أن يتيح لها الحصول على تمويل قيمته مليارات الدولارات، لكن من غير المرجح أن توافق القوى الغربية، وتحديداً الولايات المتحدة وفرنسا، على تقديم دعم لحكومة يهيمن عليها حزب الله، خصوصاً في ظل استمرار المواجهات في الشارع.
هل تعود الأمور لنقطة الصفر؟
الواقع الآن يشير إلى أنه على الرغم من اللغة الهجومية التي استخدمها دياب ضد معارضيه واتهامهم بمحاولة انقلاب يقول إنه أسقطها، لا يمكن الجزم بقدرته على الصمود طويلاً في مواجهة المعسكر المعارض، الذي يزداد قوة ويعلو صوته يوماً بعد يوم.
وحتى تكون الصورة أكثر وضوحاً، نجد أن السياسي الوحيد الذي قدم استقالته نتيجة للاحتجاجات أو الثورة اللبنانية كما يسميها النشطاء هو سعد الحريري، رئيس الحكومة السابق، والذي يحظى بالدعم الأكبر وسط المعسكر السني، كما أن السياسي الآخر الذي أجبرته الاحتجاجات على التواري عن المشهد هو جبران باسيل، وزير الخارجية في حكومة الحريري، وصهر الرئيس عون الطامح إلى خلافته.
فمنذ إعلان دياب عن خطة حكومته الاقتصادية وبدء محاولاته مع الداعمين والمنظمات الدولية بهدف الحصول على مليارات الدولارات، بدأت المعارضة في التشكيك في جدوى الخطة، وخصوصاً ما أعلن عنه رئيس الحكومة من “اقتطاع جزء من الودائع لسد الفجوة الاقتصادية”، وهو ما وصفه سعد الحريري رئيس كتلة “المستقبل” النيابية “بالانتحار الاقتصادي”، واعتبره تغييراً لنظام لبنان الاقتصادي.
وجاء في بيان للكتلة أن “الحكومة تعيش في وادٍ والشعب في وادٍ آخر، وأن لا حد أدنى لديها من الرؤية للأيام المقبلة، في ظل ما يتهدد البلاد من ملامح انفجار اجتماعي، ولا تتشاطر إلا بالحديث عن إنجازات وهمية واستعراضات إعلامية، ومواقف كيدية”.
وعلى الرغم من أن انتقاد كتلة المستقبل لحكومة دياب ليس غريباً، لكن الجديد الآن هو أن عودة سعد الحريري للصورة بقوة، ومع وجود جعجع وجنبلاط في صفّ الحريري، وضيق حلقة فريق الحكومة الذي أصبح مقتصراً على الرئيس وحزب الله، يصبح من غير المستبعد أن يتم التوافق على استقالة دياب وعودة الحريري لرئاسة الحكومة، أي العودة للمربع صفر، الذي انطلقت بسببه الثورة من الأساس في أكتوبر/تشرين الأول.