محرم على النساء ويحظى باهتمام روسي متزايد، ما قصة جبل آثوس المقدس؟
إلى اليوم لا يزال الاتحاد الأوروبي يطالب اليونان بتغيير القانون الذي يمنع النساء من زيارة جبل آثوس الشهير، إلا أن الحكومة اليونانية لا ترغب في تغيير قانون تم سنّه واتّباعه طوال أكثر من ألف عام، فما قصة هذا الجبل “المقدس”، ولماذا يُبدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اهتماماً خاصاً به؟
جبل آثوس الذي يدخله الذكور فقط
في شبه جزيرة كالسيديس، الواقعة ضمن مقاطعة مقدونيا، المطلة على بحر إيجة، يقع جبل آثوس، الذي يُعرف أيضاً بـ”الجبل المقدس”.
ورغم أنه يقع شمالي اليونان فإنه لا يخضع لسلطة الحكومة اليونانية بشكل مباشر، ويُعرف سياسياً بـ”ولاية الجبل المقدس النُّسكية المستقلة ذاتياً”، التي تتخذ من بلدة “كاريس” عاصمةً لها، مع العلم أن “كاريس” هي البلدة الوحيدة الموجودة في المنطقة، وتخضع هذه الولاية لسلطة بطريرك القسطنطينية المسكوني (الزعيم الروحي للمسيحيين الأرثوذكسيين).
لا يسكن جبل آثوس سوى الرهبان فقط، إذ يعيش فيه اليوم قرابة ألفي راهب من اليونان والعديد من الدول الأرثوذكسية الشرقية الأخرى، مثل رومانيا ومولدوفا وجورجيا وبلغاريا وصربيا وروسيا.
لماذا تُمنع النساء من زيارة جبل آثوس؟
وفقاً للروايات الأرثوذكسية، فقد أبحرت مريم العذراء برفقة القديس يوحنا الإنجيلي إلى قبرص لزيارة أحد القديسين، إلا أن السفينة أخطأت مسارها ورست على شاطئ آثوس، الذي كان يسكنه الوثنيون آنذاك.
وقد سُحرت مريم العذراء بالمناظر الخلابة للجبل، وباركته وأطلقت عليه اسم “حديقتها”، لذلك حرم الرهبان دخول امرأة أخرى سواها إلى المنطقة.
كما أن دخول النساء إلى المنطقة قد يُشتت الرهبان عن حياة الزهد التي اختاروا أن يعيشوها في الجبل، وهذا سبب آخر يدفعهم لمنع النساء من دخوله.
والغريب في الأمر أن الحظر لا يشمل النساء فقط، بل يشمل كذلك إناث الحيوانات، باستثناء القطط، التي يجدها الرهبان مفيدةً في صيد الفئران.
وهناك استثناء أيضاً يتعلق بالحيوانات البرية، وإناث الطيور والحشرات التي من المستحيل أن يتم السيطرة عليها.
ومنذ القدم كان دخول الجبل مقصوراً على الرجال ذوي اللحى، إذ يحظر دخول الجبل على الخصيان، وعلى الفتيان كذلك، لاحتمالية تسلل الفتيات بينهم.
لكن اليوم بات الرهبان أكثر تقبلاً لزيارة الصبية للجبل بصحبة البالغين.
نساء دخلن إلى آثوس رغم الحظر
طوال ما يزيد عن 1000 عام بقي الجبل مُحرّماً على النساء اللواتي لا يُسمح لهنَّ بالاقتراب لمسافة 500 متر من الشاطئ.
لكن مع ذلك تمكَّنت بعض النساء من زيارة الجبل المقدس عدة مرات خلال هذه الفترة.
فقد سمح للأميرة الصربية مارا برانكوفيتش، زوجة السلطان العثماني مراد الثاني، بالدخول إلى المنطقة، كونها كانت حلقة الوصل بين المسيحيين والعالم الإسلامي آنذاك.
ودخلته كاتبة فرنسية تدعى “ماريس تشويسي” في العام 1931، حيث تنكرت بزيّ بحار وبقيت في آثوس لمدة شهر كامل، كتبت خلاله رواية “شهر مع الرجال” A month among men.
وفي عام 1953، تنكّرت اليونانية ماريا بوامندو في زي الرجال، لتمكث في آثوس ثلاثة أيام، وهو ما دفع الحكومة لسَنِّ قانون يمنع النساء من دخول الجبل.
كما استقبل الجبل اللاجئين، بما فيهم النساء، في أعقاب الثورة اليونانية التي قامت عام 1770، وخلال ثورة عام 1821 كذلك.
واليوم يعتبر دخول الجبل من قِبل النساء جريمةً يُعاقِب عليها القانون بالسجن لمدة تتراوح ما بين عام أو عامين، بالرغم من أن برلمان الاتحاد الأوروبي قد طلب أكثر من مرة من اليونان تغيير هذا القانون، لكن دون جدوى.
جبل آثوس في الأساطير اليونانية
قبل أن يصبح “الجبل المقدس”، استمد جبل آثوس اسمه من الأساطير اليونانية؛ إذ أطلق عليه اسم “آثوس” تيمناً بأحد الوحوش العمالقة، الذي تحدى “بوسيدون”، إله البحر، فألقى عليه صخرة عملاقة ليُغرقه في بحر إيجه، إلا أن بوسيدون تمكن من التغلب عليه ودفنه في ذلك الجبل، الذي أُطلق عليه اسمه لاحقاً.
وقد كان أقدم ذكر ورد لجبل آثوس على الإطلاق في إلياذة هوميروس. كما ورد ذكره في مخطوطات تعود للقرن الخامس قبل الميلاد، عندما قام الملك الفارسي خشایارشا الأول بشقّ قناة بطول 2.4 كم في شبه جزيرة كالسيديس، التي تضم الجبل المقدس، وذلك لتأمين حركة أسطوله وحمايته من أي محاولة للالتفاف حوله والإيقاع به، ولا تزال آثار تلك القناة واضحة في المنطقة إلى اليوم.
وفي العام 850 بدأ الرهبان باستيطان الجبل، لكنهم لم يستأثروا به، ليفرضوا قوانينهم على المنطقة حتى عام 963، بدعم من الإمبراطور البيزنطي نقفور الثاني.
اهتمام روسي بالجبل المقدس
منذ بداية القرن الحادي عشر أبدت روسيا اهتماماً خاصاً بجبل آثوس، وبفضل الدعم الروسي بدأ الطابع الأرثوذكسي يغلب على الجبل، إذ مولت روسيا عملية بناء الأديرة في جبل آثوس.
ومع حلول عام 1400، بلغ عدد الأديرة في الجبل قرابة 40 ديراً، لم يتبق منها اليوم سوى النصف تقريباً.
وقد بذلت روسيا القيصرية جهوداً للسيطرة على المنطقة في العام 1913، وذلك بدعمها للرهبان الموجودين في الجبل، وإصرارها على تحويله إلى منطقة حكم ذاتي مستقلة عن اليونان، لذلك يخشى المسؤولون اليونانيون اليوم من أي محاولات للتدخلات الروسية في جبل آثوس.
وبالرغم من أن الحكومة اليونانية قد رفضت منح تأشيرات لعدد من كبار مسؤولي الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في العام 2015، فإنها سمحت للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالزيارة مرتين، الأولى في العام 2005، والثانية عام 2016.
ويعتقد البعض أن الرئيس الروسي يحاول استعادة مجد القياصرة في جبل آثوس، وذلك عبر إنفاق ملايين الدولارات في ترميم الأديرة الموجودة في الجبل، وإرسال التبرعات التي تقدر قيمتها منذ 2005 بحوالي 200 مليون دولار، وذلك وفقاً لتقرير صادر عن هيئة الإذاعة البريطانية (BBC).
وقد علقت الصحافة الروسية على زيارة بوتين للجبل المقدس بكونه عومل من قِبل الرهبان “كإمبراطور بيزنطي”.
ما الشروط التي تُمكِّنك من زيارة جبل آثوس؟
لا يستطيع الجميع زيارة الجبل المقدس بحرية، فكما ذكرنا مسبقاً هو محرم على النساء، ويتوجب على الذكور الراغبين في زيارته تقديم صورة جواز سفرهم لمكتب زيارة جبل آثوس أولاً، ثم انتظار الموافقة.
إذ يستقبل الجبل يومياً 100 من الأرثوذكس، و10 من غير الأرثوذكس، ويسمح للزائرين بقضاء 3 ليالٍ في أحد الأديرة الموجودة في الجبل.
وبينما يقصد السياح من مختلف الجنسيات الجبل للتمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة، يقصده الأرثوذكس للحج والتبرك بالأماكن المقدسة.
ومن الجدير بالذكر أن كنائس الجبل تحتوي على مكتبات تضم مخطوطات ترجع للعصور الكلاسيكية والوسطى، فضلاً عن القطع الأثرية والوثائق القديمة والأعمال الفنية ذات القيمة التاريخية الهائلة، الأمر الذي دفع اليونيسكو لتصنيف الجبل كموقع للتراث العالمي في العام 1988.