محمود عباس عندما تكون اللغة مفارقة
سليم الزريعي
قد يبدو مقبولا للبعض أن يرسل الرئيس محمود عباس رسالة للرئيس السابق والمرشح من الحزب الجمهوري للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب، للاطمئنان على سلامته بعد محاولة اغتياله الفاشلة، يستهلها بتعبير صاحب السعادة، هذه الرسالة التي كشف عنها ترامب أثارت غضب واستهجان الكثير من الفلسطينيين، الذين اعتبروها إهانة لمحمود عباس نفسه وللشعب الفلسطيني من صاحب صفعة القرن لا السعادة، الذي كان رئيسا فظا متعال اتخذ خطوات ملموسة على طريق تصفية القضية الفلسطينية من خلال تماهيه في المشروع الصهيوني الذي ينكر بعض أطرافة وجود شعب فلسطيني ابتداء..
المفارقة أن رسالة محمود عباس التي تعبر عن قلق رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية على حياة ترامب، وهو الذي لا تهمه حياة كل الفلسطينيين، وكأن محمود عباس لم يسمع أو يقٍرأ أو يشاهد مناظرة دونالد ترامب مع الرئيس جو بايدن، قبل أن ينافق ترامب , ويحاطبه قائلا: “لقد تلقيت بقلق بالغ الأنباء، وشاهدت لاحقا لقطات لمحاولة اغتيالك”.
قلق الرئيس محمود عباس على حياة ترامب صاحب السعادة، تأتي بعد المناظرة التي كشف فيها ترامب عن موقف شديد العداء لأهل غزة الذين كانوا يواجهون حرب إبادة موصوفة، وفق تكييف مؤسسات الأمم المتحدة الحقوقية ومحكمة العدل الدولية ، وهنا من المهم التذكير بموقف ترامب من تلك الحرب التي ينفذها الكيان الصهيوني بدعم أمريكي لوجستي واستخباراتي وبالسلاح والحماية الدبلوماسية في الأمم المتحدة، وصلت إلى أن مدعي عام محكمة الجنايات الدولية يطلب من قضاة المحكمة إصدار مذكرة قبض في حق رئيس وزراء الكيان الصهيوني ووزير حربه. عندما اتهم الرئيس بايدن الشريك في المحرقة، بأنه منع نتنياهو من مواصلة تلك الحرب التي دمرت غزة وشردت أهلها وقتلت 40 ألف تقريبا. وفقد فيها 10 آلاف تحت الأنقاض وتعرض اكثر من 80 ألف لمختلف الإصابات، إضافة إلى ممارسة الحصار وحرب التجويع مع سبق الإصرار.
إن ترامب في المناظرة في موقفه من غزة يقف على يمين بايدن الشريك في الحرب، ومع ذلك لا يجد ترامب ذلك كافيا، ودون أي وازع أخلاقي أو إنساني يتهم بايدن خلال المناظرة التي جرت بينهما الشهر الماضي بأنه فلسطيني كنوع من التحقير ، وأنه منع نتنياهو من مواصلة حربه على أهل غزة التي جرمها العالم.
ولا شك أن هذه اللغة الفظة وذلك الاستعداد العدائي للفلسطينيين لدى ترامب في حال عودته للبيت الأبيض لن تكون في مصلحة أي طرف فلسطيني وبالتأكيد ليست في صالح القضية الفلسطينية التي هي الأهم، ومع كل ذلك، يعبر محمود عباس عن قلقة في رسالة متهافتة لا تليق بصمود وكرامة الشعب الفلسطيني.
وكأني بالرئيس عباس ينتظر عودة ترامب للبيت الأبيض، وأنه نسي مواقف إلغائه حد النفي للشعب الفلسطيني وقضيته، عندما حاول فرض ما سماها صفقة القرن على السلطة، واعتبار القدس الموحدة حقا دائما للكيان الصهيوني، واعتبار المستوطنات أمرا مشروعا، على النقيض من قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية.
فيما اختزل مشروع الدولة الفلسطينية في كانتونات مجزأة لا اتصال بينها، ودون سيادة ومنزوعة السلاح. إضافة إلى وقوفه ضد محاولات اعتراف المؤسسات الدولية بفلسطين كدولة أسوة بشعوب عديدة نالت هذا الحق.
ويبقى كل ذلك في كفة ومقاربات الرئيس عباس حول العنف وحل ما سماها بالنزاعات في كفة أخرى. وهنا يبدو أن المشكلة ذهنية لدى الرئيس عباس كان لا بجب أن يسقط فيها وهو الأكاديمي، في إسقاط مجافي للواقع وللحقائق وللتجربة الإنسانية، عندما قال في رسالته إن الأفعال الشنيعة المتمثلة في محاولات الاغتيال أو الاغتيالات الناجحة هي أفعال ضعف وعدم فهم للتدابير السلمية لحل النزاعات. هذا الإسقاط والإيحاء من قبل عباس من شأنه أن يبعث رسالة خاطئة، لكل المتربصين بالشعب الفلسطيني، كون ما قاله عباس ريما يوحي للبعض أننا لا نخوض صراعا وجوديا مع الكيان الصهيوني وإنما هو نزاع يمكن حله وفق رسالة عباس، في حين أن صراعنا مع العدو الصهيوني هو في كون وجوده وجود احتلالي كولنيالي، وليس نزاعا .
لكن للأسف مقاربة محمود عباس المجافية إلى ترامب قد يفهم منها أنه يرى أن الوجود الكولنيالي الصهيوني هو نزاع. يمكن حله حتى بـ” بوس اللحى”، وفق هذه الذهنية التي تعتبر أن حل الخلافات يجب أن يكون من خلال التواصل مع حرية التعبير”.
ليكون السؤال ماذا حقق محمود عباس من خلال تواصله مع العدو طوال 3 عقود، شهدت ضياع مزيد من الأرض حتى أنه موضوعيا، لم تعد هناك من أرض متواصلة يمكن أن تقام عليها الدولة الفلسطينية. وفي ظني أن المشكلة هي في خيارات منظمة التحرير المختطفة منذ أوسلو، من أن المفاوضات يمكن أن تنتزع لها دولة ، وهو ما ثبت فشله بامتياز، في حين أن التجربة تقول أن الحقوق في ظل الاحتلال تنتزع بالقوة، بمختلف أشكالها، ولا تستجدى.