مخرج بريطاني يكشف غرائب سجون بلاده.. مخدر جديد يحول مدمنيه لمصاصي دماء وعلب التونة بديل للنقود
كشف مخرج بريطاني حكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات غرائب السجون البريطانية، وكيف تحولت إلى معاقل للمختلين عقلياً، والأهم كيف تستطيع النخب البيضاء الحصول على أغلب المميزات داخل السجون!
هيلين لويس: مؤلفة كتاب Difficult Women: A History of Feminism in 11 Fights أجرت حواراً مع المخرج البريطاني كريس أتكينز في السجون البريطانية نشر في مجلة The Atlantic الأمريكية.
سجن بعين مخرج
في يونيو/حزيران 2016، أدُين المخرج البريطاني كريس أتكينز بتهمة الاحتيال بعد أن قدّم فواتير مزيفة تخص فيلمه الوثائقي عن وسائل الإعلام البريطانية، وهو ما سمح لمنتجي الفيلم بتفادي ضرائب مستحقة عنه. حُكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات، وأُرسل إلى سجن واندزورث الواقع في جنوب لندن ويعد أحد أكبر السجون في أوروبا الغربية.
بُني السجن في عام 1851، ويتسع لنحو 1600 فرد، ويصنّف على أنه من فئة السجون (ب)، وهي الفئة التي تقع بدرجة واحدة مباشرة تحت فئة السجون المشددة التأمين والمخصصة للمجرمين العنيفين والإرهابيين. وبفضل حلاوة لسانه وتقربه من الحراس، سرعان ما نُقل أتكينز إلى أحد أقل أجنحة السجن عنفاً وأكثرها تهالكاً، وهي وحدة من الفئة (ج) تركّز على التدريب وإعادة تأهيل المساجين.
وفي النهاية، نُقل أتكينز من واندزورث إلى سجن آخر من الفئة (د) أو ما يسمى بالسجن “المفتوح” الذي يوفر حداً أدنى من الإجراءات الأمنية فقط ليقضي فيه بقية مدةٍ عقوبته، إلى أن أُطلق سراحه بعد ذلك في ديسمبر/كانون الأول 2018.
خلال المدة التي قضاها في سجن واندزورث، حظي أتكينز المحروم من حريته بتواصل منتظم مع ابنه الصغير، كيت، وهاتف ذكي، ليبدأ بعدها في تسجيل يومياته والاحتفاظ بها. ولـمّا كان الصحفيون لا يُسمح لهم إلا بوصول محدود إلى السجون ودواخلها، فإن قلة من البريطانيين من لديها فكرة حقاً عن السجون والأوضاع داخلها. ويُعزّي أتكينز نفسه بأنه على الرغم من حبسه لسنوات، فإن سجنه هذا أتاح له نفاذاً بلا قيود إلى “أهم قصة في حياته”.
وبعين المخرج، تمكن أتكينز من تسجيل تفاصيل صغيرة وشخصيات هائلة على حدٍّ سواء. وتتبّع أغوار تسلسل هرمي قائم بين نزلاء السجن: نظام طبقي مخفي. كانت بعض الأجنحة مليئة بالمجرمين البيض المتعلمين المدانين بارتكاب جرائم مثل الاحتيال واختراق حواسب آلية عائدة للغير.
في حين أن هناك أجنحة أخرى كان يشغلها بالأساس رجال يعانون مشاكل في صحتهم العقلية، وانخفاض في مستويات التعليم، وضعف اللغة الإنجليزية، والافتقار إلى الدعم الأسري.
غرائب السجون البريطانية
كانت أفضل الزنازين تلك الموجودة في الطابق الأرضي، “الزنازين”، والتي عادة ما تكون مشغولة بأصحاب الأحكام الطويلة أو أولئك الذين لديهم وظائف موثوق بها داخل السجن، مثل السجناء العاملين في المقصف.
غير أن الزنازين تزداد سوءاً كلما صعدت إلى طابق أعلى. ويقول أتكينز في المذكرات التي انبثقت عن يومياته في السجن، وحملت عنوان A Bit of a Stretch، إن “الانتقال من زنازين الطابق الرابع إلى الطابق الثاني كان تحسناً كبيراً، فالأمر كما لو أنك انتقلت من الدرجة العادية إلى الاقتصادية المميزة في الطائرة”.
في بريطانيا، أصبح الأمر الآن أشبه بكليشيهات الصحف الصفراء أن تصف السجون بأنها “كمعسكرات العطلات“، ومع ذلك فإن الواقع أكثر سوداوية.
فخلال العقد الماضي، خُفّضت الميزانيات الخاصة بالسجون، وقُلصت أعداد الحراس، وانتشر عقار يشبه الحشيش ويسمى spice أو البهارات.
وهو مزيج من الأعشاب (مواد نباتية ممزقة) والمواد الكيميائية المصنوعة في المختبرات مع تأثيرات تغيير العقل. وغالباً ما يطلق عليه “الماريغوانا الاصطناعية” أو “الحشيش المزيف” لأن بعض المواد الكيميائية الموجودة فيها تشبه تلك الموجودة في الماريغوانا. ولكن، في بعض الأحيان تختلف آثاره عن الماريغوانا، وغالباً ما تكون أقوى.
ويحوّل هذا المخدر متعاطيه إما إلى عنيفين وإما إلى “موتى أحياء”، في كل مكان في السجن.
وقد ذكر تقرير برلماني صدر في ديسمبر/كانون الأول 2017، أن ما يصل إلى 90% من السجناء يعانون اضطرابات في الصحة العقلية، وأن 12% يلجأون إلى إيذاء أنفسهم أو يحاولون الانتحار أكثر من مرة. وانضم أتكينز إلى مجموعة تدعى “المستمعين” listeners، وهي مجموعة دأبت على تقديم المشورة والمساعدة بين الرجال المتزاملين في السجن والذين يعانون الاكتئاب والضيق.
كيف دخل هذا المخرج المرموق إلى السجن؟
يكشف كتاب A Bit of a Stretch عن نظامٍ في خضم حالة من الفوضى، حيث يكافح الحراس للتعامل مع رجال مصابين بأمراض عقلية، ويفتقرون إلى التعليم ويعيشون في سجون مبانيها متداعية وأوضاعها بالغة السوء.
ومع ذلك فإن الكتاب بإمكانه في بعض مقاطعه أن ينتزع الضحكات من قارئه. وقد تواصلت مع أتكينز الأسبوع الماضي تزامناً مع موعد نشر الكتاب، وقد جرى تنقيح الحوار وتكثيفه لمزيد من التيسير والإيضاح.
الصحفية هيلين لويس: كيف انتهى بك الحال محبوساً في سجن واندزورث؟
المخرج كريس أتكينز: كنت أعمل على فيلم اسمه Starsuckers، بدأت في إنتاجه منذ قرابة 12 أو 13 عاماً. كان فيلماً ينتقد وسائل الإعلام، وبسبب ذلك واجهت صعوبة كبيرة في تمويله. ومن ثم انخرطت في صناديق الاستثمار الضريبي التي كانت حلاً عصرياً إلى حد كبير في ذلك الوقت. غير أن صندوقاً ضريبياً معيناً تجاوز الخط الفاصل من محاولة تجنب الضرائب، وهو أمر يستحق اللوم أخلاقياً، إلى التهرب الضريبي المباشر، وهو أمر غير قانوني بالطبع. ولا أعذار: لم يكن ينبغي لنا أن نفعل ذلك، لكننا فعلنا وكان علينا دفع الثمن.
البيض يحصلون على كل المزايا
لويس: في مذكراتك، كتبت أن سجن واندزورث “مرآةٌ غريبة للمجتمع الأكبر” حيث “تمكن السجناء الأرقى تعليماً والأثرياء من انتزاع أفضل الوظائف وأماكن العيش”.
أتكينز: في السجن، أنت تبدأ في الأساس من القاع ثم تعمل على الارتقاء صعوداً فيه. وقد نحتُّ طريقي مزاحمةً وتسلقاً إلى أفضل الزنازين وأحسن الأجنحة. وفي كل مرة تقطع خطوة في ذلك الاتجاه، تصبح حياتك أفضل قليلاً من ذي قبل، وجيرانك أقل مقاطعة لك، وتحصل على مزيد من الوقت للتأمل، ويصبح طعامك أفضل ولو بدرجة ضئيلة. ومن ثم فالسجن كالمرآة المعبرة على نحو غريب عن الطبقة المتوسطة في رحلة بحثها عن أفضل المنازل وأرقى المدارس.
وعادة ما ينتهي الأمر بالأشخاص البيض المتعلمين الذين لا يعانون من اضطرابات عقلية بأن يسكنوا ويتعلموا في أفضل الأماكن.
رغم أنها أضروا المجتمع أكثر من المجرمين العاديين
لويس: لقد نُقلت في نهاية الأمر إلى الجناح الأفخم، وحتى أفضل غرفة في ذلك الجناح، وكنت محاطاً بمُدانين آخرين من ذوي الياقات البيضاء [جرائم ذوي الياقات البيضاء تُطلق على الجرائم غير العنيفة التي يرتكبها المصرفيون وكبار رجال الأعمال وأصحاب النفوذ، وتتعلق غالباً بجرائم الفساد المالي والاختلاس وغيرها من الجرائم المالية]
أتكينز: لقد كانت مريحة وغير مريحة في آنٍ معاً. مريحة لأنني كنت محاطاً بأشخاص أكثر شبهاً بي. ما أعنيه هو أني لم أكن أتفق جيداً مع المصرفيين، لكنهم في واندزورث أصبحوا نوعاً ما أقرب إلى من مدمني المخدرات المضطربين عقلياً أو عناصر العصابات القادمين من أوروبا الشرقية.
ومع ذلك فقد كانت غير مريحة في الوقت نفسه لأنهم هم أيضاً ارتكبوا أشياء خاطئة. ويمكن القول حتى إنهم ارتكبوا أشياء كانت أضر على المجتمع من مدمني المخدرات المضطربين عقلياً. وبعضهم كان مسؤولاً عن فقدان عشرات من الأشخاص لمدخرات حياتهم.
لويس: قلة عدد حراس السجن كانت تعني أن نادي “ذوو الياقات البيضاء” كان يضطلع بكثير من المهام: إتمام أوراق السجن، والتنظيف، وتقديم المشورة، وإدارة المكتبة. وهو ما أبقى المكان قيد التشغيل.
أتكينز: تماماً. فأعضاء نادي ذوو الياقات البيضاء يسلمون الوظائف لبعضهم. لقد أرادوني هناك [في أفضل جناح في السجن]. كنت جذاباً لهم لمجرد أني لم أكن معتوهاً أو شخصاً مهووساً بنفسه، فكل شخص كان إما زميله معتوهاً وإما جيرانه معتوهين.
وعندما تأتي المهمات في السجن، كان لانس وسكوت [وهما زميلان من السجناء في قمة النظام الطبقي للسجن] يصبحان مثل ملك يوزع المنح على رعيته. في وقت لاحق، كانت المهمات تعرض علي ولم يكن بي رغبة في الحصول عليها، فكنت أقدمها مثل حلوى لأشخاص دوني. وعند نقطة ما، كان لدي سبع مهمات في وقت واحد.
لويس: كان رد فعل نادي ذوو الياقات البيضاء سيئاً عندما انتقل سجين عنيف يُدعى وين إلى قسمهم. ماذا حدث؟
أتكينز: كان الأمر على هذا النحو، “هذا المكان تحول تحولاً كبيراً إلى مكان سيئ. من المتواجدون في الزنزانة رقم 28؟ إنه يرفع صوت الموسيقى على نحو غريب”. كان الأمر مزعجاً لأن [وين] ربما كان يعاني اضطراباً عقلياً وربما اتخذ قرارات فظيعة في حياته. كان لدينا جميعاً مزايا في حياتنا وكلنا أهدرها.
في السجن، تتوقف عن القلق بشأن العالم الخارجي، لأن السجن مكان منغلق على ذاته جداً، لو كنت بالخارج لكان من الممكن أن أكون على سطح القمر. لكنك بدلاً من ذلك، تنبهر وتهتم في السجن بكل الأشياء التي تجري في محيطك المباشر… واقع الأمر أننا جميعاً كنا مهتمين، على سبيل المثال، بمن سينتقل إلى الجناح رقم H-12.
لويس: لأنَّك لا تستطيع التحكُّم إلَّا في بضعة أشياء قليلة للغاية، تصبح مهووساً بما يمكنك التحكُّم فيه.
أتكينز: ورغبات سجناء الزنازين المتجاورة متشابهة. ففي إحدى المرات، صنعنا صندوق مهملات. وقد استغرق ذلك ساعات. ثم لاحظنا أنَّ السجناء في الزنزانة المجاورة لديهم صندوقٌ له غطاء. فقُلنا لأنفسنا: يجب علينا الحصول على غطاء لصندوقنا. لقد كان ذلك أشبه بـ “يا إلهي! لديهم مسبح في الجوار، نحن أيضاً بحاجةٍ إلى مسبح”.
نسبة صادمة للأمية
لويس: لقد عملتَ في إجراء اختبارات تعليمية للسجناء الجدد. فكم كانت نسبة الأميين فيهم؟
أتكينز: كان 50% منهم أميين وظيفياً. لم يكن بإمكانهم القراءة ولا الكتابة تقريباً.
لويس: بعد بضعة أشهر، ظللت أنت وحبيبتك السابقة “تتحدثان طوال مدةٍ مختلفة تماماً” حين أتت لزيارتك. حدِّثني عن اكتسابك “الطابع المؤسسي”/تأقلمك مع الوضع.
أتكينز: لا يتعلق ذلك بأن تُصاب بمزيدٍ من الخلل الوظيفي أو الانهيار. بل يتعلق بالتكيُّف مع بيئتك. فحين كان أشخاصٌ من ذوي الياقات البيضاء يدخلون السجن، كانوا يطلبون نقل زنزاناتهم. ثم يطلبون ذلك مرةً أخرى بعد نصف ساعة. ثم يُكرِّرون الطلب مجدداً. إذ كانوا معتادين تحقيق رغباتهم فوراً، ويبدو أنَّ السبب وراء ذلك هو سرعة وتيرة المجتمع الحديث، حيث إذا كنت تريد شيئاً ما، يمكنك طلبه عبر خاصية العملاء المميزين في موقع Amazon وتسلُّمه في اليوم نفسه. لكنَّ الأمور في السجن تسير ببطءٍ شديد. وبينما تتكيف مع بيئتك الجديدة، تبدأ كذلك في التحرُّك ببطءٍ شديد.
لويس: قلت إنَّك كنت أحد الأشخاص القلائل في سجن واندزورث الذين لم يكن لديهم هاتف iPhone. فكيف كان وضعك بسبب ذلك؟
أتكينز: كان هناك شخصٌ ما فوقي في الزنزانة يجرُّ أحد الكراسي باستمرار، فكان ذلك يُحدث اهتزازاً. وحينئذٍ، كنت أشعر بأنَّه اهتزاز الهاتف، على غرار ظاهرة الإشراط البافلوفي، وكنت أضع يدي على جيوب ملابسي بحثاً عن ذلك الهاتف المُتَخيَّل، لكنَّ ملابس السجن لم يكن بها جيوب. فقُلت لنفسي: كيف يمكنني البقاء على قيد الحياة بدون هاتف؟ ظللت أشعر بذلك طوال ثلاثة أسابيع، ثم اعتدت الأمر.
جنة لعشاق الكتب
لويس: كنت تدرس للحصول على شهادةٍ في علم النفس في ظل توفُّر كل هذا الوقت الإضافي.
أتكينز: لقد كنت أنجز أكثر بكثير ممَّا أنجزه الآن، في ظل تبدُّد الوقت بين تويتر وإرسال الرسائل النصية إلى رفاقي. لكنني ما زلت لا أوصي به. كان الناس يقولون باستمرار عن السجن: “يبدو وكأنه معزلٌ رائع للكُتَّاب”.
لويس: لقد وجدت دعابةً في أحلك المواقف: لقد طلبت مطرقة صخور ومُلصقاً لريتا هيوارث باسم أحد زملائك السجناء.
أتكينز: السجون أماكن مضحكة للغاية بالطبع. وفي سجن واندزورث، لم أكن أستطيع الانتظار في بعض الأحيان كي أعود إلى زنزانتي وأخبر رفيقي في الزنزانة بما حدث في الجناح E. وكانت بعض الأشياء التي تحدث تُثير الضحك العصبي، الذي يعد بمثابة رد فعل على الصدمة النفسية.
لويس: لقد عملت “مُنصِتاً”، أي أشبه برجلٍ سامري كان يوفر الدعم للأشخاص المصابين بصدمات نفسية. فما المشكلات التي كانت لديهم؟
أتكينز: كان بعض الأشخاص يدخلون زنزانتي ويقولون إنَّهم يريدون قتل أنفسهم. وفي كثير من الأحيان، كانت هذه مجرَّد شكوى، ولكن حتى الشكوى تساعد، لأنَّ الناس يُنفِّسون عمَّا بداخلهم. وكانت أبرز شكوى هي الوجود مع رفيقٍ مُزعج في زنزانة وحدة. إذ لا يكون السجين قادراً على اختيار رفيقه في الزنزانة إلَّا بعد مرور فترةٍ معينة من انضمامه إلى النظام، لذا ربما تُحشر في زنزانةٍ واحدة مع شخصٍ لا تطيقه طوال 23 ساعة يومياً.
أمَّا معظم مشكلات النساء فكانت أنَّ رفيقتها لن تزورها أو أنَّها ستغادر السجن. وكان البعض يشتكون من إدانتهم بتُهمٍ جديدة وهُم ما زالوا داخل السجن. فيما كان هناك أشخاصٌ يعانون أمراضاً عقلية حادة، وكان هذا هو الشيء الأكثر إثارةً للصدمة.
لويس: إحدى الصدمات التي يكشفها الكتاب هي أنَّ نظام السجون غير رقمي على الإطلاق. فكل شيء يسير بالورق حرفياً
أتكينز: أكتب مسلسلاً درامياً تلفزيونياً حول هذا الموضوع. لقد هرَّبت مجموعة كبيرة من الأوراق من السجن لأنني قلت لنفسي: الناس لن يصدقوا ذلك أبداً. (ففي السجن)، إذا كنت تريد أي شيء على الإطلاق: إذا كنت ترغب في الحصول على زيارات إضافية، أو إذا كنت ترغب في تناول وجبة كوشر، أو إذا كنت تريد الذهاب إلى القداس المسيحي، أو إذا كنت قد طلبت حلوى من المقصف ولم تصل، أو إذا كنت بحاجة إلى شحن رصيد الهاتف، تكتب طلباتٍ ورقية، لكنَّ نصف هذه الطلبات يستقر في سلة المهملات، ولا يُردُّ عليها أبداً.
لويس: كتبت أنَّك الشخص الوحيد في واندزورث الذي كان يحصل على صحيفة The Guardian اليسارية. لقد فوجئت بأنَّ المجلة الأكثر شعبية في السجن هي مجلة GQ.
أتكينز: كان أصحاب فئة السجناء مؤمنين حقاً بالحلم الرأسمالي. لكنهم كانوا غير محظوظين، أو غير متعلمين، أو تعساء، أو وُلدوا في المكان الخطأ لدرجةٍ منعتهم من الحصول على كل الأشياء التي أخبرهم المجتمع بأنَّها ينبغي أن تكون لديهم. لقد لقِّنوا منذ سنٍ صغيرة جداً بأنَّهم يستطيعون الحصول على كل شيء، ليس فقط الثروة ولكن المقتنيات اللازمة. إذ قيل لهم إنَّ (الأحذية الرياضية) مهمة، وساعات اليد مهمة، والسيارات مهمة.
مخدر يحول مدمنيه إلى مصاصي دماء
لويس: حدِّثني عن “البهارات”، التي يبدو أنها أصبحت المُخدِّر المُفضَّل لدى السجناء البريطانيين.
أتكينز: لقد كانت منتشرة في كل مكان. كنَّا نستطيع تحديد متعاطيها فوراً، إذ كانوا أشبه بمصَّاصي الدماء وكانت أعينهم تلمع كالزجاج. وكان يرقدون في أسِرَّتهم في حالةٍ من اليقظة اللاواعية.
أعتقد أنَّ (متعاطيِّ مخدر البهارات) كانوا معتادين تدخين الحشيش القوي. لكنَّهم لا يستطيعون الإفلات بتدخين الحشيش بسبب الرائحة. لكنَّ البهارات ليس لها رائحة. والكلاب البوليسية لا تستطيع اكتشافها.
ويبدو أنَّ ذلك نتج من إحدى العواقب غير المقصودة. إذ قال أحد السجَّانين إنَّه كان من المعتاد أنَّ السجناء يدخنون الأعشاب المخدرة. ولكن بعد ذلك، طبَّقت (السجون) اختبارات الكشف عن المخدرات، ومن المعروف أنَّ آثار الماريغوانا تظل في الجسم لمدة شهر. لذا توقفوا عن تعاطيها، وبدأوا في تعاطي البهارات، مما يجعل السجناء عنيفين ومصابين بحالةٍ من اللاوعي رغم يقظتهم.
يجب معالجة مشكلة الصحة النفسية في السجون
لويس: كيف تقارن بين سجن واندزورث والسجون الموجودة في الروايات والأفلام الخيالية؟ لقد كتبت أنَّ ضغط المياه كان أفضل بكثير في فيلم Shawshank Redemption.
أتكينز: لا شيء يُسيطر على الفوضى والخلل الوظيفي والشروط المتناقضة. ولا شيء يسير كما ينبغي. فهناك اقتصادٌ سري متكامل في السجون. فأنا لم أتناول التونة قط، لكنني كنت أملك عشرات علب التونة بجوار الباب لمقايضتها مقابل الأشياء التي كنت أحتاج إليها.
لقد انهارت الطريقة التي كان من المفترض أن تسير بها الأمور في السجن، والجميع كانوا يعرفون ذلك.
لويس: إذا أعطيتك عصا سحرية، فما أول شيء تود إصلاحه؟
أتكنز: الصحة النفسية. أخرجي أصحاب الأمراض النفسية من النظام، أو قدمي لهم الرعاية الصحية النفسية الملائمة أثناء تواجدهم فيه. هذا هو الأمر الإنساني الوحيد الذي يمكن فعله.
لويس: ماذا كنت لتُغير غير ذلك؟
أتكنز: ينبغي أن يتبنوا التكنولوجيا، التي ستوفر الكثير من المال وستكون فعالة أكثر. على الرغم من أنني قد أقول هذا؛ لأنني كنت واحداً منهم، فإبقاء المجرمين ذوي الياقات البيضاء في سجون من الفئة C (السجون المغلقة، مثل واندزورث) أمر سخيف. فليرسلوهم إلى سجن مفتوح، فهو أرخص كثيراً ويمكنهم تعليم السجناء الآخرين القراءة والكتابة.
لا يزال النزول في السجن المفتوح أمراً بغيضاً؛ لأنكِ لست مع عائلتك أيضاً. ما يقتلك هو الفراق، أما الظروف فتعتادين عليها، مهما كانت.