مسلمون ضد مسيحيين وأورومو ضد أمهريين.. تفاصيل الصراع الأهلي المعقد بإثيوبيا وحقيقة تدبيره من الحكومة

أورومو ضد أمهريين وتيغراي، مسلمون ضد مسيحيين، مهاجرون ضد سكان أصليين، تفاصيل معقدة للاضطرابات التي شهدتها إثيوبيا الشهر الماضي، بعد اغتيال المطرب والناشط الأورومي هاشالو هونديسا، وسط تزايد شكوك المنظمات الإنسانية بأن هناك تطهيراً عرقياً عمدياً ضد الأورومو.

وبدأت الأحداث عندما اقترب الشخص الذي كان يحمل مسدساً، بجوار السيارة التي كان يجلس فيها هاشالو هونديسا في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وضغط على الزناد. أنهت عملية القتل بدمٍ بارد، والتي وقعت ليلة 29 يونيو/حزيران، حياة الشاب الذي يعد أحد أشهر الفنانين الموسيقيين والنشطاء في إثيوبيا. وكانت كذلك بداية بعض أهم الأيام القليلة في تاريخ إثيوبيا الحديث.

بعد ساعات، استيقظت سيلاز راسل على صوت إطلاق نار وصراخ في بلدة زيواي الواقعة على ضفاف بحيرة بمنطقة أوروميا الإثيوبية، التي ينحدر منها المغني القتيل هاشالو. وبعد ذلك اتصل أحد الأصدقاء بسيلاز، وهي بريطانية وُلدت في إثيوبيا وتملك فندقاً بالبلدة، وقال لها: “استيقظي والتقطي جواز سفرك، واتركي ممتلكاتك، واهربي بحياتك”.

وبعد أن فرَّت هي وطاقم الفندق، اقتحمت مجموعة من الحشود، أغلبهم من الشباب وبينهم بعض النساء، الفندق وأشعلوا فيه النيران، بينما كانوا يحملون البنزين والعصي والمناجل والسكاكين.

كان المشهد مماثلاً في مناطق أخرى. في أديس أبابا، نُهبت المنازل والأعمال التجارية وشكّل السكان مجموعات دفاع، وفي حالات قليلة هاجموا السكان من أبناء قومية الأورومو والبنايات التي يمتلكونها. نُشرت القوات الإثيوبية لاستعادة النظام وقُطع الإنترنت عن البلاد لأكثر من أسبوع. واعتُقل الآلاف، ومن ضمنهم قادة بارزون من المعارضة.

في بعض الأماكن، بدا العنف عشوائياً وعفوياً، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

العنف كان منظَّماً في بعض المناطق ويستهدف الأورومو تحديداً.. فهل هو تطهير عرقي؟

قالت سيلاز إن بعض من هاجموها كانوا كما لو أنهم في حالة سُكر ولا يرون شيئاً. ولكن في أماكن أخرى مثل مدينة شاشامانه، التي تقع على بُعد 90 كيلومتراً جنوب زيواي، بدا الأمر منظَّماً؛ نظراً إلى أن الممتلكات التي تعود إلى غير أبناء قومية الأورومو، سرعان ما جرى استبعادها من هذا التدمير.

قال أحد سكان المدينة من الأورومو، بعد أن طلب عدم ذكر اسمه: “كانوا يعرفون ما الذي يفعلونه على وجه التحديد”. ذكرت المجموعة الدولية لحقوق الأقليات، في بيان لها، أن التنسيق والتعمُّد يشكلان “علامات مميزة للتطهير العرقي” (غير أنه لا يوجد دليل قاطع على ذلك).

في الساعات الـ24 التالية للاغتيال، انتشر خطاب الكراهية والرسائل التحريضية، على مواقع التواصل الاجتماعي وعبر قناة تلفزيونية كان يديرها سابقاً الناشط السياسي النافذ جوار محمد، أحد أبناء الأورومو.

وأشارت تقارير إلى وفاة أكثر من 160 شخصاً خلال الاضطرابات، وبعضهم اغتيل على يد الحشود- وأحياناً في ظروف مروعة- فيما أطلقت القوات الأمنية الرصاص على آخرين. أُشعلت النيران في المنازل والمصانع والأعمال التجارية والفنادق والسيارات والمكاتب الحكومية بمنطقة أوروميا، أو تعرضت للتدمير. وأوضح مكتب الاتصالات الحكومية في أوروميا، أن أكثر من 10 آلاف شخص فروا من منازلهم بدافع الخوف، أو لأن ممتلكاتهم دُمرت.

ما حدث في 29 يونيو/حزيران وفي الأيام التالية، زاد من حالة الاستقطاب بالبلاد، التي تُمزق العلاقات المتوترة بالفعل بين أكبر جماعتين عرقيتين في البلاد، الأورومو والأمهرة، والتي تؤلِّب معسكرات المعارضة -عموم الإثيوبيين والقوميين العرقيين- بعضها ضد بعض بطريقة أكثر عنفاً.

وتحدث كذلك في سياق تحوُّل ديمقراطي مطروح للنقاش، تقول عنه جماعات المعارضة إنه متوقف، وهو تحوُّل ديمقراطي صار فيه استخدام القوة من جانب الحكومة -ظاهرياً بغرض استهداف الجماعات المسلحة في أوروميا– منتشراً وعشوائياً بطريقة متزايدة.

بحسب ناشط من الأورومو لديه علاقات جيدة، خُطط للاستعدادات من أجل احتجاجات مناهضة للحكومة على مدى أسابيع عديدة قبل اغتيال هاشالو.

ومنذ ذلك الحين، اتسعت الشقوق السياسية والاجتماعية الكامنة في الأزمة الحالية لإثيوبيا.

الحكومة تنفي مسؤوليتها وتُحمِّل الجريمة للمسلحين الأورومو

تقول الحكومة إن هاشالو اغتيل على يد المسلحين القوميين الأورومو في إطار مؤامرة أكبر لعرقلة أجندتها الإصلاحية. وأشار الحزب الحاكم كذلك إلى أن منافسيه في منطقة التغراي، وهم جبهة تحرير شعب التغراي، هم الذين دبروا هذه المؤامرة.

بحسب مكتب النائب العام في إثيوبيا، كانت أكثر الوفيات المسجلة رسمياً من صفوف أبناء جماعة الأورومو، مما يثير شكوكاً حول بعض المزاعم الصارخة، ومن ضمنها مزاعم محاولة تنفيذ “تطهير عرقي” ضد الأمهرة.

والصراع كان يقع أحياناً على أساس ديني

حدثت بعض الصراعات الأكثر فتكاً في منطقتين تابعتين لمنطقة أوروميا -بيل وأرسي- حيث يتماس العنف القبلي مع الخطوط الدينية، مما يثير المسلمين والمسيحيين من أبناء الأورومو بعضهم ضد بعض. بحسب سلطات الكنيسة، كان 10 من أصل 38 مسيحياً أرثوذكوسياً قُتلوا في الاضطرابات، من أبناء الأورومو.

في مثل هذه الأماكن، يمكن أن ترتبط ديناميكيات الصراع بالجذور المحلية للمنطقة؛ نظراً إلى أن الجماعات المختلفة تتنافس على السلطة والموارد وسط تركيبة سكانية سريعة التغير. على سبيل المثال، تغيرت التركيبة الدينية في مدينة شاشامانه تغيراً جذرياً في العقود الحديثة، في ظل هجرة عدد كبير من المسلمين الأورومو إلى المدينة، مما أثار التوترات بين المسيحيين الذين هيمنوا في الماضي على الاقتصاد المحلي.

وفي مدن أخرى، كان الصراع بسيطاً أو غير موجود، حيث تصادم المحتجون بدلاً من ذلك مع القوات الأمنية.

رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد/رويترز

في أداما، التي تبعد 75 كيلومتراً شرق العاصمة، أحرق المتظاهرون مكاتب الشؤون المالية والبلدية بالمدينة. وقال طبيب في حديثه مع صحيفة The Guardian البريطانية، إن المستشفى المحلي عالج 117 من الضحايا، 20 منهم أصيبوا بأعيرة نارية.

قالت بوز بولتي، البالغة من العمر 25 عاماً، إن زوجها جيزاهين تسيجايي أُردي قتيلاً بعد أن أُطلق عليه الرصاص في الصباح التالي لليلة اغتيال هاشالو.

وأضافت بوز، وهي حامل في شهرها الخامس: “كان يعبر ببساطة عن حزنه ويحتج ضد اغتيال الفنان هاشالو هونديسا. أُطلقت رصاصة على كتفه ومات أثناء الاحتجاج”.

شهدت مدن أخرى في أوروميا أحداثاً مماثلة، لا سيما مدينة أمبو التي وُلد فيها هاشالو.

وقادة الاحتجاجات الآن في السجن

العديد من قادة الاحتجاجات في أداما صاروا الآن إما في السجن أو يختبئون. فقد قال سائق سيارة أجرة يبلغ من العمر 22 عاماً، كان قد غيّر عنوانه وهاتفه: “تلاحق [السلطات] الجميع. وصلت هذه الحكومة إلى السلطة في الأساس بسبب دماء شعب الأورومو، لكنها تجاهلت جميع تضحياتنا ومطالبنا”.

في حديثه إلى تجمُّع من قادة المعارضة في 29 يوليو/تموز، أنكر رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، حقيقة أن اعتقال أعداد كبيرة من الإثيوبيين يشكل حملة سياسية. وقال: “لا أقرر شخصياً من يُعتقل ومن يُطلَق سراحه”. وتعهد بمواصلة ما أطلِقَ عليه “توافقاً وطنياً” بالشراكة مع المعارضة.

ومع ذلك، يكثف الجانبان الأعمال العدائية، حتى إن المجال المتبقي للحوار والمفاوضات قد بدأ في الانكماش.

قال رشيد عبدي، المدير السابق لمشروع القرن الإفريقي بمركز المجموعة الدولية للأزمات: “لا أشكك ولو لدقيقة واحدة، في العنف بأوروميا، وفي ديماغوجية بعض مسلحي الأورومو. لكن اعتقال قادة الأورمو، مثل جوار، يفاقم الوضع في واقع الأمر. جماعة الأورومو القومية بلا قائدٍ الآن، والتطرف في حالة تصاعد، وذلك مخيف جداً”.

وأضاف: “في الوقت ذاته، تولِّد الدولة العنف، وتستعر السياسات العدائية، التي تثير في الغالب مزيداً من العنف”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى