“مسمار جحا” لتشويه الاحتجاجات ضد إسرائيل.. كيف يتحول انتقاد الحرب على غزة إلى “معاداة السامية”؟
كانت مشاهد الاشتباكات بين الشرطة والطلاب المعارضين للحرب الإسرائيلية على غزة قد تصاعدت بحدة، الخميس 25 أبريل/نيسان، مما أثار تساؤلات حول الأساليب العنيفة المستخدمة لقمع الاحتجاجات التي اتسعت رقعتها وزاد عدد المشاركين فيها منذ اعتقال أكثر من 100 طالب في جامعة كولومبيا الأسبوع الماضي.
جامعات أمريكا تدعم فلسطين
شهدت الاحتجاجات الطلابية المنددة بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة اتساعاً في رقعتها مؤخراً لتضم عشرات الجامعات والمؤسسات التعليمية في مختلف الولايات. ومنذ أيام، يواصل طلاب احتجاجهم في عدة جامعات أمريكية للمطالبة بـ”وقف دائم لإطلاق النار في غزة ووقف المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل وسحب استثمارات الجامعات من الشركات التي تتربح من الاجتياح الإسرائيلي”.
واجتاحت قوات الأمن الأمريكية العديد من الجامعات ونكلت بمئات الطلاب والباحثين وأعضاء هيئة التدريس واعتقلت العشرات منهم. لكن ذلك التنكيل أدى إلى إشعال الموقف وتوسعت الاحتجاجات بشكل يومي لتغطي عدداً أكبر من الجامعات الأمريكية.
الشرطة وفض الاحتجاجات بالقوة
ففي 18 أبريل/نيسان الجاري بدأ طلاب متضامنون مع فلسطين بجامعة كولومبيا بمدينة نيويورك اعتصاماً في حديقة الحرم الجامعي؛ احتجاجاً على الاستثمارات المالية المستمرة للجامعة في الشركات التي تدعم احتلال فلسطين و”الإبادة الجماعية” في غزة. وفي اليوم التالي، اعتقلت الشرطة 108 طلاب خلال المظاهرات، بعد أن سمحت رئيسة الجامعة نعمت مينوش شفيق لشرطة نيويورك بإخلاء المخيم الاحتجاجي.
والخميس 25 أبريل/نيسان، اعتقلت الشرطة أكثر من 20 طالباً متظاهراً في جامعة تكساس بمدينة أوستن، بعد طلب مسؤولي الجامعة وحاكم المدينة بتدخل السلطات. وقال متظاهرون إنهم خططوا للإضراب والتوجه إلى حديقة الحرم الجامعي الرئيسية، حيث سيقيمون فعاليات طيلة فترة الظهيرة مناهضة للحرب الإسرائيلية على غزة، لكن الجامعة قالت في بيان إنها “لن تتسامح مع الاضطرابات” كتلك التي تحدث في جامعات أخرى. وأفادت شرطة مقاطعة ترافيس بأنه تم سجن 57 شخصاً، ووجهت إليهم تهم بالتعدي الجنائي عقب الاحتجاجات الجامعية.
وفي كاليفورنيا، اعتقلت الشرطة، الأربعاء 24 أبريل/نيسان، 93 طالباً في جامعة كاليفورنيا الجنوبية، شاركوا باحتجاجات ضد إسرائيل بدأت في الجامعة قبل أيام. ولم تسمح شرطة لوس أنجلوس للطلاب بنصب الخيام في أجزاء معينة من الحرم الجامعي، وشرعت في إصدار تحذيرات للمتظاهرين بالتفرق. كما أغلقت الشرطة الحرم الجامعي الرئيسي أمام العامة، واتخذت إجراءات أمنية واسعة النطاق في المنطقة المحيطة.
مشاهد الاحتجاجات واقتحام الشرطة للحرم الجامعي لفضها واعتقال عشرات من الطلاب والباحثين والأساتذة امتدت أيضاً لجامعات أوهايو وهارفارد وكاليفورنيا التطبيقية وكلية أوستن وعشرات المؤسسات التعليمية الأخرى في أنحاء الولايات الأمريكية.
هل انتقاد إسرائيل معاداة للسامية؟
كيف تبرر إدارة جو بايدن تلك الاحتجاجات الداعمة لوقف الحرب على غزة والمنددة بإسرائيل؟ تصفها بأنها “معاداة للسامية” وترفع مؤسسات وأعضاء في الكونغرس تلك الاتهامات ضد المشاركين في الاحتجاجات، وهذا هو التوجه العام في الإعلام الأمريكي.
رئيس مجلس النواب، الجمهوري مايك جونسون، معه عضوا مجلس الشيوخ، جوش هولي وتوم كوتون، زاروا حرم جامعة كولومبيا، الأربعاء، معلنين دعمهم للطلاب اليهود ومطالبين إدارة بايدن بنشر الحرس الوطني في الجامعة لمنع من وصفوهم بالمروجين “لخطاب الكراهية والمعادين للسامية” من “نشر الأفكار الإرهابية في المؤسسات التعليمية”، بحسب تقرير لمجلة بوليتيكو الأمريكية.
هذا الموقف الذي يخلط التنديد بما يرتكبه جيش الاحتلال الإسرائيلي من فظائع بحق المدنيين في غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول وبين “معاداة السامية” هو ما يتبناه أغلب السياسيين الأمريكيين، وخاصة الجمهوريين، في عام انتخابي شرس، وذلك سعياً لإرضاء اللوبي اليهودي المؤثر، بحسب كثير من المراقبين.
إذ قدمت الاحتجاجات المتصاعدة في الجامعات الأمريكية ضد الحرب الإسرائيلية على غزة “أداة للجمهوريين كي يوجهوا نيران أسلحتهم (السياسية) نحو خصمين رئيسيين: الأكاديمية الليبرالية التي توجد بها مشاعر قوية داعمة لفلسطين وزعماء الديمقراطيين الذين يرفضون حتى الآن الرضوخ ونشر قوات الحرس الوطني في الجامعات”، بحسب تقرير بوليتيكو.
من جانبه، لم يفوت المستفيد الأكبر من استمرار الحرب على غزة الفرصة. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو انضم هو الآخر لمن يتباكون على “معاداة السامية”، وانتقد تلك المظاهرات الطلابية في أمريكا، واصفاً المشاركين فيها بـ”الإرهاب”، ومطالباً بـ”سحقها” على الفور، بحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
ساندرز لنتنياهو: “كفى استهزاء بالعقول”
لكن السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز لم يفوت الفرصة هو الآخر ووجه نقداً لاذعاً لادعاءات نتنياهو بأن المظاهرات الداعمة لغزة وأهلها في الجامعات الأمريكية “معاداة للسامية”.
ففي منشور على منصة إكس، الخميس، كتب ساندرز: “كلا، يا سيد نتنياهو، إن تسليط الضوء على مجازر حكومتك المتطرفة التي قتلت أكثر من 34 ألف فلسطيني، 70 بالمئة منهم من النساء والأطفال، وجرحت أكثر من 77 ألفاً، خلال فترة قصيرة لا تتجاوز 6 أشهر، ليس معاداة للسامية أو تأييداً لحماس”.
“لا تستهزئ بذكاء الشعب الأمريكي عبر مساعيك لصرف انتباهنا عن السياسات العسكرية الفاشلة وغير الأخلاقية لحكومتك المتطرفة والعنصرية. لا تستخدم معاداة السامية لصرف الانتباه عن الاتهامات التي تواجهها من المحاكم الإسرائيلية (في قضايا فساد). محاسبتك على أفعالك ليست معادية للسامية”، بحسب منشور ساندرز.
ساندرز يهودي الديانة وهو واحد من أهم أعضاء مجلس الشيوخ، فهو مؤسس وزعيم التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي، وهو أيضاً أحد أبرز المنتقدين لحكومة نتنياهو التي توصف بأنها الأكثر تطرفاً في تاريخ الدولة العبرية.
ما عبر عنه ساندرز في منشوره عبر عنه كثيرون أيضاً من المشاركين في تلك الاحتجاجات، معتبرين أنه لا يوجد في مطالبهم ما يمثل معاداة للسامية أو كراهية اليهود، وفي الوقت نفسه لا تعتبر خرقاً لقواعد حرية التعبير، بحسب قادة الأسر والجمعيات الطلابية في أعرق الجامعات الأمريكية.
فرانشيسكا ريشيو أكرمان، طالبة الدكتوراه في جامعة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، كانت قد أكدت في مقابلة مع وكالة الأناضول التركية على بذل جهود خاصة في المؤسسات التعليمية الأمريكية لمواجهة منع حرية التعبير فيما يتعلق بدعم الفلسطينيين أو توجيه الانتقادات لإسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول: “هناك جهد متعمد لإسكات الانتقادات الموجهة لإسرائيل تحت اسم خطاب الكراهية من خلال الخلط بينه وبين معاداة السامية”.
تأثير الانتخابات الأمريكية ولوبيات الضغط
لكن على الرغم من تزايد حدة الغضب في الجامعات الأمريكية ووصول الأمور إلى ما هي عليه الآن من تصعيد وعنف واعتقالات بل وتهديد بالترحيل للطلاب الأجانب المشاركين في احتجاجات دعم فلسطين، إلا أن الإدارة برئاسة بايدن وأعضاء في الكونغرس يصرون على “تجاهل” تلك الحقائق لأسباب انتخابية، حسبما جاء في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي يبرز الانقسام المتزايد داخل أروقة السياسة الأمريكية بشأن الدعم الأمريكي الرسمي لإسرائيل.
فقد وجدت دراسة للناخبين الأمريكيين المحتملين أن 61% يؤيدون الدعوة إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وكان ذلك بعد أسابيع فقط من الحرب على غزة، حينما كان عدد الضحايا يقرب من 19 ألف شهيد، أغلبيتهم الساحقة من الأطفال والنساء، فضلاً عن الدمار واسع النطاق الذي طال أغلب مناطق القطاع.
لكن رغم هذا الدعم الواسع، فإن 14% فقط من أعضاء مجلس النواب الأمريكي أعلنوا تأييدهم العلني لوقف إطلاق النار؛ إذ تقدم الجماعات المؤيدة لإسرائيل مساهمات كبيرة في الحملات الانتخابية، وتزور أعضاء الكونغرس بشكلٍ متكرر، وتضغط من أجل دعم أنشطة الحكومة الإسرائيلية، كما يقول النقاد الذين تحدثوا إلى الموقع الأمريكي.
ويبرر بايدن ومسؤولو إدارته وأعضاء الكونغرس هذا الموقف الذي يبدو منفصلاً عن الموقف في الشارع والجامعات – ربما للمرة الأولى منذ زرع إسرائيل على أرض فلسطين عام 1948 – برفع شعارات معاداة السامية واستهداف اليهود.
عنف الشرطة الأمريكية: أين حرية التعبير؟
من جانب آخر، يرى نشطاء ومنظمات حقوقية أمريكية ودولية أن استخدام سلطات إنفاذ القانون، بناء على طلب من إدارات الكليات، مسدسات الصعق الكهربائي والغاز المسيل للدموع ضد الطلاب المتظاهرين يثير القلق بشدة بشأن قدسية الحرم الجامعي وحرية التعبير في دولة عظمى ترفع شعارات الديمقراطية بل وتشن حروباً لحمايتها.
ففي تكساس مثلاً، أسقط الادعاء التهم الموجهة ضد 46 من بين 60 شخصاً تم احتجازهم من جامعة الولاية، مرجعاً القرار إلى “أوجه القصور في إفادات السبب المحتمل”. ورغم ذلك يبدو أن جامعات أخرى عازمة على منع تنظيم مظاهرات مماثلة تستمر لفترة طويلة واختارت الاستعانة بالشرطة لتفريقها بسرعة، وفي بعض الحالات، بالقوة.
وبشكل عام، اعتقلت السلطات ما يقرب من 550 شخصاً في الأيام الماضية من الجامعات الأمريكية الرئيسية فيما يتعلق بالاحتجاجات على حرب غزة، وفقاً لإحصاء أعدته وكالة رويترز. وقالت إدارات الجامعات إن المظاهرات غالباً ما تكون غير مرخصة؛ لذا تدعو الشرطة إلى فضها.
جامعة إيموري قالت إن الشرطة اعتقلت 28 شخصاً في حرمها الجامعي بعد أن بدأ المتظاهرون في نصب خيمة في محاولة لمحاكاة رمز الحراك الحالي بجامعة كولومبيا وغيرها. وقال الفرع المحلي لمنظمة “صوت يهودي من أجل السلام” إن الشرطة استخدمت الغاز المسيل للدموع والصعق الكهربائي لتفريق المظاهرة واحتجزت بعض المتظاهرين. وأقرت شرطة أتلانتا باستخدام “المهيجات الكيميائية” لكنها نفت استخدام الرصاص المطاطي.
وأظهر مقطع فيديو بثته قناة أمريكية اشتباكاً بين الشرطة وبعض المتظاهرين، واستخدم الشرطيون خلاله مسدس صعق على ما يبدو للسيطرة على شخص فيما تصارع آخرون مع متظاهرين على الأرض قبل اقتيادهم بعيداً. وقالت شيريل إليوت، نائبة رئيس جامعة إيموري للسلامة العامة، في بيان: “هدفنا الأساسي هو تطهير المنطقة من المخيم المثير للمشكلات مع محاسبة الأفراد أمام القانون”.
مكتب الجمعية الوطنية للنهوض بالملونين في جورجيا أثار تساؤلات حول ما وصفه بأنه “استخدام واضح للقوة المفرطة” ضد أشخاص يمارسون حرية التعبير. وأضاف: “يجب اعتبار استخدام القوة ملاذاً أخيراً فقط، ويجب أن يكون متناسباً مع التهديد القائم”.
الترحيل لمنتقدي إسرائيل!
من جانبها، نددت هيومن رايتس ووتش واتحاد الحريات المدنية الأمريكي باعتقال المتظاهرين وحثا السلطات على احترام حقوقهم في حرية التعبير. لكن وزير التعليم الأمريكي، ميجال كاردونا، قال إن وزارته تراقب عن كثب الاحتجاجات بما في ذلك ما وصفها بأنها “تقارير مثيرة للقلق بشدة عن معاداة السامية”.
لكن لا يبدو أن الأمور قد تتوقف عند عنف الشرطة أو الاعتقالات، فقد أكدت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية، الأربعاء 24 أبريل/نيسان، أن الطلاب الأجانب قد يواجهون أيضاً خطر الترحيل إذا تم إيقافهم عن الدراسة بعدما دخلوا البلاد بموجب تأشيرة الطلاب، حسبما أفاد تقرير لشبكة فوكس نيوز الأمريكية الداعمة لإسرائيل، والتي تصف الاحتجاجات في تغطيتها بأنها “معاداة للسامية ودعم للإرهاب”.
ففي ظل الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل التي تشهدها الجامعات في جميع أنحاء البلاد، تحولت الفصول الدراسية من الحضور الشخصي إلى الدراسة عبر الإنترنت في جامعة كولومبيا بسبب المخاوف المتعلقة بالسلامة، وأثار ذلك تساؤلات حول إمكانية إلغاء تأشيرات بعض الطلاب أو ترحيلهم. وطالبت السيناتورة الجمهورية، مارشا بلاكبيرن، في منشور على منصة “إكس” بترحيل الرعايا الأجانب الذين يدعمون حركة المقاومة الفلسطينية حماس، بحسب تقرير للشبكة اليمينية.
وكتب بلاكبيرن: “أطالب بالترحيل الفوري لجميع الطلاب الأجانب الذين يدرسون في الولايات المتحدة ويدعمون حماس. كما يجب إلغاء القروض الطلابية الفيدرالية لأي طالب أمريكي يتم اعتقاله بسبب دعمه لحماس”.
وكالة “تحقيقات الأمن الداخلي” التابعة لوزارة الأمن الداخلي قالت لشبكة “فوكس نيوز” إن “الطالب الأجنبي يعتبر ملتزماَ بالقانون إذا كان يحرز تقدماً في دراسته، وإن التعليق المؤقت عن الدراسة لا يؤثر بالضرورة على هذا الوضع. ولكن هناك مسار يؤدي من خلاله هذا التعليق إلى البدء في إجراءات الترحيل”.