مصر تبحث عن بدائل لتعويض نقص الماء الذي يسببه سد النهضة، فهل تنقذها من الجفاف؟
هذان الاحتمالان يدفعان القاهرة والخرطوم إلى التعاون لتفادي كارثة نقص المياه المتوقع من وراء بدء أديس أبابا الملء الثاني لسد النهضة.
البحث عن بديل لمصادر المياه
وفي إطار البحث عن بدائل في حال بدء الملء الثاني دون اتفاق تحدث وزير الموارد المائية والري المصري، محمد عبدالعاطي، عن عدة مصادر بديلة محتملة لتوفير المياه في اجتماعٍ عُقد في 17 أبريل/نيسان بالوزارة، بحسب تقرير لموقع Al-Monitor الأمريكي
وتحدث عبدالعاطي عن مشروع يستهدف ربط بحيرة فيكتوريا والبحر الأبيض المتوسط عبر ممر موازٍ للنيل، وآخر لتطوير “حوض بحر الغزال” أحد روافد النيل من جنوب السودان.
وفي 7 أبريل/نيسان، قال وزير الري بجنوب السودان، ماناوا بيتر جاتكوث، في مقابلة مع وكالة Sputnik الروسية، إن حكومة جنوب السودان اتفقت مع الحكومة المصرية على تطهير مجرى النيل في حوض بحر الغزال، ومساعدة جنوب السودان في التعامل مع الفيضانات والبدء في مشروعات ري ضخمة في المنطقة.
وأضاف جاتكوث أن تطهير مجرى النهر في حوض بحر الغزال سيسهل الملاحة النهرية ويزيد تدفق المياه إلى النيل عبر النيل الأزرق.
من جهة أخرى، قال أحمد مسعود، وهو باحث سابق في قضايا المياه بـ”الجمعية العربية لمرافق المياه”، لموقع Al-Monitor: “إن سد النهضة، سواء أكان باتفاق مع مصر والسودان أم لم يكن، فإنه سيؤثر سلباً على حصة مصر من مياه النيل أثناء ملء خزان السد”.
ومن ثم، يقول مسعود إن “مصر عليها أن تجد بدائل للوفاء باحتياجاتها من المياه خلال هذه الفترة”.
وأوضح مسعود أن “تطهير مجرى النهر في حوض بحر الغزال سيزيد من ثقة جنوب السودان بالخبرة والكفاءة المصرية، وهو ما قد يدفع إلى تسريع العمل في مشروع تطوير وتوسيع وتعميق قناة جونقلي، وهي قناة تربط مياه (بحر الجبل) في شمال جنوب السودان بنهر النيل”.
هل ستحل هذه الخطوة الأزمة؟
يستقبل حوض بحر الغزال 530 مليار متر مكعب من الأمطار سنوياً، ويتوقع المحللون أن يؤدي تطهير مجراه إلى إضافة نحو 4 مليارات متر مكعب سنوياً إلى مياه النيل. وذلك لأنه في الوقت الحالي، تحتجز المستنقعات على طول الطريق كميات كبيرة من المياه.
أما قناة جونقلي، التي اكتمل نحو 70% من أعمال الحفر فيها، فإنها ستضيف مباشرة نحو 3.2 مليار متر مكعب سنوياً إلى مياه النيل. وسترتفع هذه الكمية إلى نحو 7 مليارات متر مكعب مع التوسع المخطط له.
في المقابل، يُتوقع أن يقلِّص السد الإثيوبي من حصة مصر السنوية من مياه النيل، والبالغة 55 مليار متر مكعب سنوياً، بنحو 5 إلى 15 مليار متر مكعب سنوياً خلال فترات الملء، وذلك اعتماداً على معدل هطول الأمطار ومعدلات التبخر وغيرها من مصادر فقد المياه. وبحسب محمود أبوزيد، وزير الموارد المائية والري المصري السابق ورئيس “المجلس العربي للمياه” غير الحكومي، يمكن لمصر أن تتوقع استئناف تسلم حصتها العادية عند اكتمال الملء.
بالإضافة إلى ذلك، تستكشف مصر خيارات أخرى، منها خطط لمعالجة مياه الصرف الصحي، وربط الموارد المائية الأخرى بالنيل مثل نهر الكونغو، وتطوير روافد النيل التي تجري موازية للروافد الإثيوبية مثل نهر بحر الغزال وقناة جونقلي.
التصعيد أو التفاوض
تحدث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مرتين عن خيارات مصر في أزمة السد الإثيوبي منذ تعثر المفاوضات في مارس/آذار.
وقال السيسي في 31 مارس/آذار: “لا أحد يستطيع أخذ قطرة مياه من مصر” وإلا “ستشهد المنطقة حالة من عدم الاستقرار لا يمكن لأحد أن يتخيلها”.
وفي 7 أبريل/نيسان، قال السيسي إن “جميع الخيارات مفتوحة للتعامل مع أزمة سد النهضة”.
وينظر عديد من المراقبين إلى تصريحات السيسي على أنها تهديد بعملٍ عسكري ضد أديس أبابا إذا استمرت على عنادها.
وقال جمال العيسوي، عالم الهيدرولوجيا في “المركز الديمقراطي العربي”، وهي منظمة غير حكومية مقرها ألمانيا، لموقع Al-Monitor: “إن بحث القاهرة عن بدائل للمياه لا يعني بأي حال من الأحوال أنها استسلمت لاستراتيجية الأمر الواقع التي تنتهجها إثيوبيا”.
وأضاف العيسوي: “تعاني مصر عجزاً في إمدادات المياه حتى قبل إنشاء سد النهضة. لذلك، من الضروري البحث عن مصادر أخرى لتأمين إمدادات المياه وتطوير بدائل لتلبية احتياجات مصر منها، سواء أكان سد النهضة موجوداً أم لا”.
يُذكر أن مصر تحتاج إلى 114 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، إلا أن استهلاكها الفعلي يبلغ 80 مليار متر مكعب ويبلغ إجمالي موارد المياه العذبة لديها 60 مليار متر مكعب فقط.
ويشير العيسوي إلى أن نقص المياه ما ينفك يتسبب في تقلص مساحة الأراضي المزروعة قبل سنوات عديدة من بدء بناء سد النهضة. ومن ثم يؤكد العيسوي أن تنويع مصادر المياه يصب في مصلحة مصر لتقليل عجزها المائي ومنع الضغط عليها من دول أخرى في المستقبل.
مصر تتهم إثيوبيا بالتهرب في أزمة سد النهضة
وضمن إطار الصراع السياسي بين مصر وإثيوبيا قال محمد غانم، المتحدث باسم وزارة الري المصرية، الأربعاء 28 أبريل/نيسان 2021، إن بلاده عرضت 15 سيناريو لحل أزمة ملء وتشغيل السد، ورفضتها أديس أبابا.
جاء ذلك في مداخلة هاتفية لمتحدث الوزارة، مع نشرة “منتصف الليل” الإخبارية، بقناة الجزيرة القطرية، والتي تعد الأولى لمسؤول بهذا المستوى منذ اتفاق المصالحة بين الرباعي العربي، وبين القاهرة والدوحة في يناير/كانون الثاني الماضي.
غانم أوضح أن بلاده “شديدة الوضوح، وهي تريد اتفاقاً قانونياً ملزماً (لملء وتشغيل السد)، وأبدت في ذلك كل أشكال المرونة”، مضيفاً: “العقدة الرئيسية التي تفشل المفاوضات عدم وجود رغبة سياسية للجانب الإثيوبي، للوصول لاتفاق، وفي كل مرحلة تصل لاتفاق شفوي تتهرب أديس أبابا من التوقيع عليه”.
كما تابع غانم: “عرضنا على إثيوبيا 15 سيناريو، جميعها تفي بمتطلباتها (أديس أبابا) من إنتاج الكهرباء، وفي الوقت نفسه تحولُ دون حدوث ضرر لدولتي المصب؛ ورغم ذلك رفضت”.
ونفى غانم اتفاق بلاده مع إثيوبيا على جداول لملء السد، قائلاً: “هذا جزء من أكاذيب إثيوبية، فقد تمت مناقشة تلك الجداول المعنية بتحديد الملء والتشغيل (خلال اجتماعات سابقة) ولم نصل لاتفاق بشأنها”.
ورداً على سؤال بشأن “إمكانية تعرض إثيوبيا لخسائر تصل لمليار دولار حال عدم الملء الثاني”، أجاب قائلاً: “هذا استمرار للأكاذيب الإثيوبية، لسبب بسيط أنهم تحدثوا عن أن الخسارة حال عدم توليد الكهرباء من السد”.
التهديد باللجوء للتحكيم الدولي
في الوقت الذي تصر أديس أبابا فيه على ملء ثانٍ للسد بالمياه، في يوليو/تموز المقبل، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق مع دولتي المصب، مصر والسودان، هددت الخرطوم باللجوء إلى التحكيم الدولي.
فقال وزير الري السوداني ياسر عباس، الأسبوع الماضي، إن إثيوبيا رفضت دعوة لحضور قمة لمناقشة المفاوضات المتعثرة حول سد النهضة الإثيوبي، مهدداً باللجوء إلى التحكيم الدولي لحل الخلافات.
عباس قال في تصريحات مقتبسة من لقاء تلفزيوني إنه “في حال تم الملء الثاني دون التوصل لاتفاق قانوني ملزم لدينا فرق قانونية سودانية تعمل بمساعدة بعض مكاتب محاماة عالمية على رفع (دعاوى) قضائية ضد الشركة الإيطالية المنفذة وضد الحكومة الإثيوبية، للتعويض عن الأضرار التي ستلحق بالسودان، إضافة لعدم دراسة الآثار البيئية والآثار الاجتماعية وكل المخاطر الأخرى المحتملة لسد النهضة”.
يذكر أن القاهرة والخرطوم تتمسكان بالتوصل أولاً إلى اتفاق ثلاثي يحافظ على منشآتهما المائية، ويضمن استمرار تدفق حصتيهما السنوية من مياه نهر النيل المقدرة بـ55.5 مليار متر مكعب و18.5 مليار متر مكعب على التوالي.
وقامت إثيوبيا، منتصف يوليو/تموز 2020، بالملء الأول لسد “النهضة”، في إجراء أحادي الجانب، وسط رفض من البلدين.