مصطلح حق الاعتراض  2/6

سليم يونس

 جرى في التداول المعرفي والسياسي والقانوني، أكثر من مصطلح للتعبير عن امتياز حق الاعتراض(الفيتو) الذي استحوذت عليه الدول الخمس الكبار في مجلس الأمن، فهناك مصطلح “حق النقض” وهناك أيضا مصطلح “حق الاعتراض” وغالبا ما يجري  تناولهما بمعنى واحد.

مع العلم أنه لم يرد لفظ “فيتو” في ميثاق الأمم المتحدة، بل ورد لفظ “حق الاعتراض” الذي هو في واقع الأمر “حق إجهاض” للقرار وليس مجرد اعتراض. إذ يكفي اعتراض أي من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن ليجري رفض القرار وعدم تمريره نهائياً. حتى وإن كان مقبولاً من قبل الدول الأربعة عشر الأخرى أعضاء المجلس(1).

وفي البحث في مدى مقاربة كل منهما من الواقعة القانونية التي يعبر عنها المصطلح سنحاول تقصي مفهومي المصطلحين المتداولين في اللغة وفي المصطلح، کي نقف على المقاربة القانونية لكليهما، وأيهما المعبر عن ذلك الامتياز لغة ومصطلحا.

أولا: في اللغة:

أ-حق النقض: تأتي كلمة نقض في اللغة، بمعنى نَقَضَ العهد، أو الأمر أفسده بعد إحكامه، والنقيضان هما الأمران المتمانعان بالذات، بحيث لا يمكن اجتماعهما بوجه واحد، كالإيجاب والسلب. أي أن الأمر قد وجد قبلا، ثم جرى نقضه، فأصبح كأنه

لم يكن.

 ب – أما الاعتراض في اللغة: فيأتي بمعنى الرد برفض تأكيد، ونفي اقتراح(2).

ثانيا: في المصطلح:

يستخدم بعض الشرّاح مصطلح حق النقض بدلا من مصطلح حق الاعتراض، إلا أن لكل من هذين المصطلحين مجاله الخاص ودلالاته المحددة، سواء كان ذلك في اللغة الطبيعية أو الاصطلاحية، فلكل من المصطلحين أساسه المفاهيمي المميز، فحق النقض يفترض قيامه على الوجود القانوني لموضوعه بأي شكل من الأشكال المنتجة لآثاره القانونية.

في حين أن هذا الفرض لا يقوم على إطلاقه بالنسبة لحق الاعتراض، ذلك أن مشروع القرار الذي يطرح على مجلس الأمن للتصويت عليه والقابل لاستخدام هذه المكنة القانونية، لا يتوفر فيه الوجود القانوني المنتج لآثاره في حالته قبل التصويت عليه، لأنه لا يزيد عن كونه ورقة قابلة للتعديل الجزئي أو الكلي سواء من حيث الشكل أو المضمون.

ومن ثم فإن أي مشروع قرار لا يكتسب بوضعه السابق على التصويت عليه صفة قطعية الأثر، ولو بحد أدني في الشكل أو الموضوع، ويستمر هذا الوضع إلى حين انتهاء التصويت، فإذا فاز المشروع انقلب حالا إلى قرار قانوني مكتسبا صفة الوجود

القابل للتنفيذ، أما إذا استعمل حق الاعتراض ضد مشروع القرار ولو من عضو واحد من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، اعتبر كأن لم يكن.

لكل لذلك فإن سقوط مشروع القرار المعروض على مجلس الأمن باستخدام حق الاعتراض لا يتضمن معنى الإلغاء، لأن الإلغاء لا يكون إلا حيث يوجد الشيء أو العمل الملغي قانونا، وهذا الوجود غیر قائم من ناحية، ومن ثم فإنه من غير المتصور إلغاء شيء غير قائم أصلا من ناحية أخرى. وهذا على خلاف آثار النقض، بمعنى أن كلمة “الاعتراض” ليست هي نفسها كلمة “النقض” سواء في بمقياس اللغة الحقيقية أو اللغة الصورية.

لذلك فان المصطلح المطابق لمفهوم هذه المكنة القانونية هو “حق الاعتراض” وليس “حق النقض”، وعلى هذا النحو جری جمهور شراح القانون الدولي العام، إلا أن البعض الآخر من الكتاب يستخدم هذين المصطلحين بمعنى واحد دون تمييز(3)، وفي إطار    ترسيخ المفهوم المعرفي للمصطلح يأتي استخدام مصطلح حق الاعتراض على قاعدة أن المصطلح يجب أن يدل على نفسه شكلا ومضمونا فيما سيرد تعبير النقض بين مزدوجين.

مفهوم حق الاعتراض(الفيتو)

حق النقض “الفيتو” لغة هو كلمه لاتينية معناها (أنا لا أسمح أو أنا أمنع)، وهو حق إجهاض وعدم تمرير أي مشروع قانون أو قرار مقترح، أي اعتراض شخص أو هيئة على إصدار تشريع مقترح.

وهو صفة تعزى إلى القوة، أو هو القدرة على وقف النتائج غير المرغوب فيها. ثم إنه قدرة توجد لدى طرف واحد، مع أن الفاعلين قد يتعاونون على ممارسة مشتركة للفيتو. ويمكن إضفاء الطابع الشرعي على الفيتو بالنص عليه في القوانين الداخلية والدولية.

وبعض الدساتير منحت الملوك والرؤساء حق الفيتو، مثل الدستور الانجليزي الذي منح الملك هذا الحق، وكذلك الدستور الأمريكي الذي منح الرئيس حق النقض على مشروعات القوانين التي يقترحها الكونجرس(4).

وحق الاعتراض(الفيتو) في مجلس الأمن، يعني أن دولة دائمة العضوية من الدول الخمس يمكنها بمفردها منع صدور قرار مجلس الأمن في المسائل الموضوعية، حتى لو كانت الدول الأربعة عشر الأخرى موافقة عليه، بمعنى أن صدور قرارات مجلس الأمن في المسائل الموضوعية تتطلب موافقة الدول دائمة العضوية بإجماعها (المادة السابعة والعشرين).

ويقصد بهذا الامتياز قيام أي دولة من الدول دائمة العضوية بالاعتراض صراحة على مشروع القرار عندها يعتبر كأن لم يكن، والدول التي تعترض إنما تهدف إلى منع الأساس القانوني لأي مشروع عمل موضوعي جماعي يراه أغلبية المجلس، ومع ذلك فإن استخدام هذا الامتياز (الحق)، لا يمنع بعد ذلك من العودة لمناقشة المشروع الذي تم إحباطه، ولكن بإصدار توصية بشأنه، وهي بذلك لا تصل إلى مرتبة العمل القابل للتنفيذ وإن كان منتجا لآثاره.

وحق الاعتراض(الفيتو) يمكن اللجوء إلى استخدامه من قبل إحدى الدول دائمة العضوية، بشكل صريح أو بشكل ضمني، وذلك عن طريق التهديد أو التلويح باستخدامه في حالة تقديم مشروع القرار إلى مجلس الأمن، وفي الحالتين تسري آثاره القانونية، وهي الحيلولة دون اتخاذ مجلس الأمن قرارا في الموضوع الذي يجري عرضه ونقاشه(5).

——–.

المصادر

  • ويكيبيديا- الموسوعة الحرة، شبكة المعلومات الدولية ( الإنترنت).

2-المنجد في اللغة العربية، منشورات دار الشرق، بيروت، الطبعة الثامنة والعشرون 1986.

3-محمد العالم الراجحي، مصدر سبق ذكره، صفحة15-16.

4-محمد حسين كاظم العيساوي، حق النقض (الفيتو Veto) في مجلس الأمن: دراسة من منظور القانون الدولي، مجلة أهل البيت، العدد 11

5-د. حامد سلطان، القانون الدولي العام، دار النهضة العربية مصر، الطبعة الثالثة 1968، صفحة

  • 959-962.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى