آخر الأخبارتحليلات و آراء

 مطالب السلطة الفلسطينية.. وتشجيع “التصهين”

سليم يونس الزريعي

لأنها سبق أن فرطت مجانا في 78% من فلسطين واعترفت بالكيان الصهيوني، فقد فتحت فعلتها تلك الباب أمام كل متصهين عربيا كان أو إسلاميا ليعترف بسلب فلسطين ويقيم علاقة طبيعية مع الكيان الصهيوني الموسوم بأنه كيان فصل عنصري، لذلك بات أمر تصهين أيا من الدول العربية،  بتبنيها سردية ونتائج مشروع الحركة الصهيونية في فلسطين بالنسبة لسلطة رام الله وحاملتها الحزبية نظريا حركة فتح ، بعد أن استحوذت على منظمة التحرير وأفرغتها من مضمونها لتتكيف مع مصالحها وهبوط مشروعها السياسي من التحرير إلى  تحسين شروط العيش تحت الاحتلال.

ولأنها لا تستطيع أن تطلب من أي دولة أن تكون فلسطينية أكثر من منظمة التحرير بعد أن ارتكبت جريمة أوسلو، فمن الطبيعي والحال هذه أن لا يعني لها إقامة بعض الدول العربية والإسلامية علاقات طبيعية مع كيان الاحتلال تصرفا عدائيا بالمعني الفكري والسياسي والحقوقي والإنساني الذي هم نسف ليس لتطلعات الشعب الفلسطيني في التحرير والعودة وإنما لحقوقها التاريخية الثابتة،  التي أسقطتها سلطة رام الله وباتت تبحث عن تحسين شروط العيش تحت الاحتلال وليس كنسه.

وهي بذلك تصادر حق الأجيال الفلسطينية التي تتوارث رواية الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني في تحرير وطنها المعمدة بالدم والتضحيات طوال عشرات العقود، وتتجاهل أن أي اقتراب لأي دولة عربية من الكيان الغاصب هي اعتراف بروايته التوراتية ونتائجها بكل الجرائم التي رافقت زرع ذلك الكيان، وفي وجهها المقابل هي نفي لحقوق الشعب الفلسطيني التاريخية الثابتة لتي قامت من أجلها الثورة ومنظمة التحرير الفلسطينية وهذا النضال الطويل الممتد منذ ما بعد وعد بلفور حتى  الآن.

ووفق هذه الذهنية المفصولة عن واقع الشعب الفلسطيني الصامد المكافح لا يبدو أنه يهم هذه السلطة من أمر إقامة علاقات بين بلد الحرمين والكيان الصهيوني مبدأ عدائية هذه الخطوة بالنسبة للشعب الفلسطيني، وإنما في انتهاز فرصة التعامل معها بشكل مصلحي لتحقيق مكاسب للسلطة تحرف مفهوم الصراع مع الكيان الغاصب من التحرير والعودة إلى تحسين شروط العيش تحت الاحتلال . وعِوض إدانة وكشف مخاطر مثل هذه العلاقة السعودية بسبب ثقلها الموضوعي الإسلامي والمالي. فإن سلوكها يعكس تشجيعا للسعودية على توظيف القضية الفلسطينية من أجل تحقيق مكاسب خاصة من راعي الكيان الصهيوني الإدارة الأمريكية  على حساب الشعب الفلسطيني.

وفي سياق هذا السلوك المفارق سياسيا التقى فريق من كبار مسؤولي السلطة الفلسطينية بما في ذلك رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، وحسين الشيخ، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية – بمستشار الأمن القومي السعودي مساعد العيبان ومبعوث الرئيس الأميركي للشرق الأوسط، بيرت ماكغورك، في الرياض، لمناقشة المطالب الفلسطينية كجزء من أي صفقة سعودية أمريكية صهيونية، وجاءت قائمة المطالب الفلسطينية مقابل المشاركة في العملية التي تدعمها الولايات المتحدة ،متمثلة في:

-“نقل أجزاء من الضفة الغربية الخاضعة (المناطق ج) حاليا للسيطرة الإسرائيلية الكاملة إلى حكم السلطة الفلسطينية

-“وقف كامل” للنمو الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية

-استئناف الدعم المالي السعودي للسلطة الفلسطينية، الذي تباطأ منذ عام 2016 وتوقف تماما قبل ثلاث سنوات.

-إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس التي أغلقها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب

-استئناف المفاوضات التي توسطت فيها الولايات المتحدة بين إسرائيل والفلسطينيين من حيث توقفت في عهد وزير الخارجية آنذاك جون كيري في عام 2014.

لكن مع كل هذا التهافت الفلسطيني الذي يتجاهل بؤس ثلاثة عقود من أوسلو تصر السلطة على أن لا تتعلم وتعيد إنتاج نفس سلوكها السياسي والعيش في الوهم المزين بمنح مالية ورضا أمريكي في حين أن الشعب الفلسطيني في واد آخر، ولسان حالة يقول إن هذه المطالب لا تمثلني أو تمثل قواه الفاعلة في الميدان ، ومع ذلك فإن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تعتقد أن المطالب الفلسطينية المقدمة في محادثات الرياض هي مطالب الحد الأقصى، ما يجعل تلبيتها من قبل الإدارة في الوقت الراهن أمرا صعباً جداً، وأن من الأجدى أن يتقدم الفلسطينيون بمطالب “أكثر معقولية” تخدم وقف التصعيد وتراجع العنف، وتحسين حياة الفلسطينيين اليومية، وتجمد الخطوات الانفرادية (للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي) التي تعقد احتمالات الوصول إلى حل الدولتين الذي يعتبر هدف الولايات المتحدة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

فيما يطالب مسؤولون أمنيون إسرائيليون باستغلال الاتصالات الجارية حول صفقة أمنية – عسكرية بين الولايات المتحدة والسعودية وتشمل اتفاق تطبيع علاقات بين السعودية وإسرائيل، من أجل دفع تهدئة أمنية في الضفة الغربية المحتلة، بواسطة تقديم “مبادرات نية حسنة وتنازلات” للفلسطينيين، وفق ما ذكرت صحيفة “هآرتس” الخميس 7/9/2023.

ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني قد حددا سقف المطالب بأن توظف السلطة قواها الأمنية في خدمة ما يسمونه وقف التصعيد وتراجع العنف، عبر التنسيق الأمني  أي دور الوكيل الأمني مقابل الدعم المالي في حين أن جوهر المسألة هو الاحتلال والاستيطان واستباحة جيش الاحتلال وقطعان مستوطنيه كل مساحة الضفة الغربية دون وضع أي اعتبار لوجود السلطة التي ما تزال تعيش حالة وهم مرضي يجعلها مفصولة عن الواقع.

وإنه لمحزن أن تطلب هذه السلطة استئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين من حيث توقفت في عهد وزير الخارجية آنذاك جون كيري في عام 2014. دون تتعظ من تجربة المفاوضات التي استمرت لسنوات كحرث في البحر، وأن تعي المتغيرات التي جرت على صعيد الحالة الكفاحية الفلسطينية، وأن من يحكم الكيان حاليا هي قوى الصهيونية الدينية الفاشية متحالفة مع اليمين الصهيوني المتطرف، ليكون السؤال هل سلوك السلطة الفلسطينية وسياساتها تمثل حقا الشعب الفلسطيني؟ أم أنها تمثل فريق أصحاب المصالح الذي نظن أن فتح الفكرة والتاريخ والدور والقاعدة التنظيمية براء منه؟ وأن أغلبية الشعب الفلسطيني الذي يمثله المشتبكون في الضفة مع جيش الاحتلال  أيضا براء منه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى