مفكر جزائري يدعو لـ“إلغاء“ فريضة الصيام درءًا لمخاطر كورونا

أثار المفكر الجزائري نور الدين بوكروح (70 عامًا)، جدلا واسعا عقب دعوته المسلمين إلى ”تعليق الصيام والتخلي عن شهر رمضان لهذا العام، كحلّ للشفاء من فيروس كورونا“، مقدمًا مقاربته الفكرية بالاستناد على شواهد تاريخية ومفاهيم حول الحضارات.

وقال بوكروح الذي ترشح لانتخابات الرئاسة عام 1995، إنه إذا لم يتمكن ”الكفار“ (أتباع الحضارات-الأديان الأربعة الأخرى) من القضاء على فيروس كوفيد 19 في غضون خمسة عشر يومًا، فإن العلم الديني القديم ”الصالح لكل زمان و مكان“ سيواجه إحراجًا خطيرًا، بحسب تعبيره.

ويعد بوكروح من أبرز طلاب المفكر الإسلامي الراحل مالك بن نبي، وهو كاتب مشهور بتبني أفكار الليبرالية والاقتصاد الحر ومناهضة الحكم الفردي، قاد لسنوات حزب ”التجديد الجزائري“، ثم تفرّغ للنشر والكتابة ويستخدم كثيرًا اللغة الفرنسية للتعبير عن أفكاره، كما تقلد منصب وزير للتجارة في بداية حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

وقال بوكروح  إنه سيكون على المسلمين، ”إما الاضطرار إلى تعليق صيام هذا العام، لأن خواء الجسم يزيد من قابليته لفتك الفيروس ويحفز إذاً انتشاره، وإما تثبيت الصيام وبالتالي تحدى خطر تفشّ أوسع له في صفوف المسلمين وغيرهم على حد سواء، لأن هؤلاء يعيشون جنبا لجنب في كل مكان تقريبًا، ما الذي يجب أن يمثل الأولوية؟ حياة عدد غير محدد من البشر أم فريضة دينية؟“.

ورأى المفكر الجزائري أنه ”لأول مرة في تاريخ البشرية ، تواجه جميع الدول والحضارات والأديان في آن واحد إشكالا شاملا و فوريا: خطر الموت بفيروس كورونا، إذا كنا اليوم نعيش سياسيا في عصر تشرذمها الوطني، فإن جميع البلدان لا زالت، من الناحية الثقافية، تحدد هويتها بالانتماء إلى حضارة معينة، و التي بدورها تتأثر بديانة معينة. فالصين في أغلبها بوذية، و الهند هندوسية، والغرب مسيحي وإسرائيل يهودية“.

العلاج المفقود

وتابع بقوله: إن ”هذه الكيانات الثقافية، والتي ترتبط بها بلدان أخرى، تحتل المراكز الأولى في القوة الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية والعلمية، كما تستحوذ الدول التي تتصدّر طليعة هذه الكيانات المراتب الأولى في جميع التصنيفات الدولية، وهي اليوم تخوض سباقًا حشدت له مواردها العلمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية والأخلاقية، حتى تتمكن من التغلب على كوفيد 19، الذي تأمل كل واحدة منها سرًّا أن تكون هي من يبتكر العلاج الذي سيوقف المجزرة“.

وعاد بوكروح إلى عهد الفتوحات، عندما واجه الخليفة عمر بن الخطاب حالة مشابهة للوضع الذي نعيشه اليوم، وفق تعبيره، ”وهي تفشي الطاعون في سوريا أين كان يوجد الجيش الذي أرسله لفتحها هي وفلسطين“، و في مواجهة الخسائر التي خلفها الوباء في صفوفه، أمر الخليفة بالانسحاب من المدينة و وضعها تحت الحجر الصحي.

وقال إن قرار الخليفة عمر لقي اعتراض قائد جيشه (أبو عبيدة) الذي رأى في ذلك ”هروبا من قدر الله“، لكن عمر رد عليه: “ نفرّ من قدر الله إلى قدر الله ”، ويظل هذا الموقف من أشهر الصور التي توضح الجدال بين ”القدريين“ و ”الجبريين“ في فجر الإسلام.

موجة استياء

وشنّ الكاتب الصحفي محمد يعقوبي هجومًا لاذعًا على دعوة نور الدين بوكروح، معتبرًا أنها تضمنت ”حشدًا لكل خيبات التاريخ الإسلامي وجلدًا مبرحًا لكل ما يرتبط بالإسلام كمشروع سياسي حضاري، ليقول لنا في النهاية يجب أن تتوقفوا عن الصيام وتتخلوا عن شهر رمضان لهذه السنة إذا أردتم الشفاء من فيروس كورونا !!“.

وخاطب يعقوبي المفكر المثير للجدل بقوله: ”يا سيد بوكروح لستَ طبيب أوبئة لنأخذ منك الرأي حول علاقة الصيام بانتشار الفيروس، ولا فقيهًا مفتيًّا لنأخذ عنك تعاليم الصيام..لذلك عد إلى سباتك فهذه الأجيال قد لا تكون مستوعبة حقا لتناقضات تاريخها الإسلامي (التي تلعب أنت على وترها في كل كتاباتك) لكنها حتما تفرق جيدا بين تخلف المسلمين وقداسة الرسالة التي جاء بها الإسلام ”..

وتحدّى يعقوبي مواطنه: ”سنصوم رمضان لهذا العام بإذن الله تعالى، وسنشفى من هذا الوباء بالوقاية والدواء والدعاء ..وكل رمضان وأنت بخير ..!“

وتباينت مواقف الجزائريين حول دعوة الرجل، بين من يراه حاملاً لفكر التجديد الديني وممجّدٍ للفلسفة التي تغلب على كتاباته بوصفه ”ٍمفكرًا تنويريًّا“، فيما هاجمه آخرون وتبنوا موقف الكاتب محمد يعقوبي، حين اعتبروه شخصًا متحاملاً على الإسلام والموروث العربي الإسلامي بكلّ تجلياته، خصوصًا أن يكتب مقالاته الفلسفية باللغة الفرنسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى