مقاربة في شعار “حركة الجهاد”.. وحدة الساحات
سليم يونس
في مهرجانها الأخير احتفلت حركة الجهاد الإسلامي في القطاع وبيروت ودمشق بما سمته وحدة الساحات، في حضور جمهور الجهاد ومشاركة فصائلية فلسطينية كحماس وغيرها، لكن هل ترتيب حركة الجهاد لمهرجانات متزامنة شكل نقلة نوعية في مجرى النضال الفلسطيني؟ وما هو مفهوم وحدة الساحات فلسطينيا وعربيا؟ ثم هل يكفي أن تقول ثم تقيم حركة الجهاد مهرجانا في أكثر من مكان لإثبات وجود وحدة الساحات واقعا عمليا؟
ساحات غزة.. !
للأسف المعطيات تقول: إنه هذا عمل شكلاني، وهو عاطفي شعبوي وفيه من الدعاية أكثر مما يحمل من واقعية الشعار مع صوابية الشعار بالمعنى المجرد، على الأقل فيما يتعلق بمكنة ترجمته إلى فعل وليس مجرد دعاية، ثم هل شعار وحدة الساحات يخص وحدة الساحات الفلسطينية التي مزقها الاحتلال وطرف فلسطيني ساهم في تمزيقها جغرافيا وديمغرافيا مع سبق الإصرار؟
وفي محاولة لتفكيك هذا الشعار الصحيح من ناحية المبدأ، إلا أن محاولة توظيفه من قبل حركة الجهاد الإسلامي كنتاج لمواجهة الحركة العدوان الصهيوني الأخير في ظل وجود أكثر من ساحة في غزة، بعضها لم يكن جزءا من حالة الرد ( ساحة حماس) على العدوان، وعن وعي بما يجري ولتبعاته، عندما امتنعت حركة المقاومة الإسلامية حماس عن المشاركة في رد العدوان، وهي ليست المرة الأولى بل الثانية، فقد سبق أن وقفت ذراع حركة المقاومة الإسلامية حماس “كتائب القسام”، عام 2019 موقف المتفرج عندما خاضت “الجهاد” حرباً ضد الاحتلال بعد اغتيال القيادي في ذراعها العسكري “سرايا القدس” بهاء أبو العطا، ليتكرر ذلك في العدوان الأخير على غزة.
وهذا التكرار يمثل موقفا “حمساويا” واعيا، ومن ثم فهو ليس بسبب اجتهاد البعض من حماس، ولكنه موقف مدروس وقد بررته مصادر حمساوية مطلعة وفقاً لمعلومات حصلت عليها صحيفة «الأخبار» اللبنانية التي كشفت أن (خذلان) حماس لحركة الجهاد، يعود إلى أن الكيان الصهيوني ربط بين دخول «حماس» على خطّ المعركة، وبين «إعادة الأوضاع الإنسانية إلى ما قبل عشر سنوات»، أي إعادة تجفيف المصادر المالية، ومنْع المؤسّسات الدولية من العمل في القطاع، فضلاً عن وقْف المنحة القطرية وسحب تصاريح عمل 15 ألف عامل من غزة، إلى جانب التهديد بمضاعفة مستوى ضرب الأهداف المدنية، ولا سيما الأبراج السكنية والبنى التحتية. وتُدافع تلك المصادر عن خيار حماس، بأن «اختيار إسرائيل توقيت المعركة وتجهيزها لها على النحو الذي صفّرت فيه الأهداف على حدود القطاع البحرية والبرّية، هو ما دفعنا(حماس) إلى عدم التدخّل للمحافظة على أن لا تتحوّل المعركة إلى حرب شاملة ليست المقاومة متجهّزة لها ولم تخترْ توقيتها، كما أن مبرّرات الجهاد لتصعيد الموقف ليست منطقية».
خارج سياق المعطيات
إن توصيف حماس لمبررات الجهاد حول معركة الأيام الثلاثة بأنها غير منطقية، وهو موقف لابد أن الجهاد تعرفه جيدا، إنما يكشف أنه لا توجد وحدة حال كفاحية في غزة، يعزز ذلك أن الحديث عن غرفة عمليات مشتركة التي مكونها الأساس حماس التي لم تكن طرفا في الرد على العدوان، إضافة لفصائل أخرى مثل ( الجبهة الشعبية، والديمقراطية اللتان شاركتا في الدفاع عن القطاع وفق إمكانياتهما ليس إرضاء لهذا أو ذاك، وإنما لأن هذا واجبهما من منطلق فكري وسياسي ووطني وأخلاقي، ومع ذلك تجاهلت الجهاد دورهما )، وبصرف النظر عن مدى صحة توصيف حماس بأن مبررات الجهاد غير منطقية لتبربر موقفه، فإن شعار الجهاد في ظل هذا التباين بين حماس والجهاد، يمكن القول أنه يمثل حالة إنكار للواقع إرضاء للذات كنوع من النزوع الإرادوي التعسفي لتصوير الواقع عكس ما هو عليه، وهو يكشف إلى أي جد كانت الجهاد حريصة على إطلاق الشعار دون توفر أسس وجودة في تلك اللحظة. وكأن الشعار هو من سيترجم نفسه إلى أفعال.
ولذلك جاءت مفارقة إعلان الجهاد شعارها وحدة الساحات خارج سياق المعطيات ونعتقد أن إعلان الجهاد شعار وحدة الساحات إنما جاء ربما كنوع من إرضاء وتضخم الذات وفي الوقت نفسه رسالة موجهة لقوى إقليمية وفلسطينية .
شعار الجهاد.. أي ساحات؟!
والسؤال الذي يوجه للجهاد، أي ساحات هي المعنية ؟ ومن هي قواها التي اتفقت وقررت العمل تحت هذا الشعار؟ وهل تقتصر الساحات على الجغرافيا الفلسطينية فقط؟ أم أنها تتسع لتشمل الجغرافيا العربية؟ ثم من هي قواها الفلسطينية، وكذلك قواها وأطرافها الإقليمية وضمن أي جغرافيا؟
لكن ألا يجب فلسطينيا إذا كانت وحدة الساحات تخص فلسطين، أن يكون شعار وحدة الساحات تتويجا لعمل وحدوي سياسي تنظيمي كفاحي، يعيد وصل ما فجّره انقلاب حماس في النسيج الاجتماعي والجغرافيا والديمغرافيا الفلسطينية؟ ثم هل معطيات الواقع في الضفة التي تعيش حالة اشتباك يومي وهي المهددة بشكل مباشر أرضا وبشرا ومقدسات، يشبه الحال في غزة،؟ ثم من يستطيع أن يقرر القفز على حركة فتح بشكل أساسي بكل حضورها الشعبي والكفاحي في الضفة الغربية والقدس، وبطلق شعارا يتجاوز قوة فتح الكفاحية والشعبية وبالطبع بعيدا عن فتح الرسمية (السلطة)، مع أن طبيعة الاشتباك في الضفة هي في شموله، كونه يحتوي كل أشكال النضال بخلاف قطاع غزة الذي تعتمد فصائله على استخدام القصف الصاروخي ، وربما مضايقة أو إرباك مستوطنات غلاف غزة وجيش الاحتلال أحيانا وبالطبع عن بعد.
الشعار كنتاج للوحدة
وهنا من المفيد إعادة التذكير درءً لسوء الظن، أن المشكلة ليست في صحة الشعار من عدمه وإنما في تلك الرغبوية من قبل الجهاد في إطلاق شعار بشكل منفرد دون الاتفاق مع أحد على كيفية تنفيذه وحدوده الجغرافية والقوى المعنية بترجمته في الزمان والمكان، كون تجربة الوعيد والتهديد الذي أعقبت معركة سيف القدس، قد أثبتت أن الدعاية الإعلامية والخطاب الشعبوي شيء، وتنفيذ التعهدات شيء آخر، بعد أن أكدت وقائع مسيرتي الأعلام وذكرى نزول التوراة لغلاة اليمين الديني وقطعان المستوطنين خذلان حركة حماس وغرفة العمليات المشتركة في غزة لأهل القدس وللأقصى.
ولأن تبعات هذا الشعار السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية التي ستترتب على ترجمته كبيرة وخطيرة ، فإنه يصبح من الخفة وغياب الرؤية عدم الإحاطة بها، بعد الموقف من مسيرتي الأعلام ونزول التوراة، خاصة وأنه جرى تحديد هاتين المسيرتين بالاسم من قبل مسؤولي حماس السياسيين والعسكريين كخط أحمر يستوجب تكرار تجربة سيف القدس. ولذلك فإن المسألة أكبر من أن تقررها حركة الجهاد بمفردها بالاتكاء على الدعم الإيراني المادي والمعنوي لها، لأن الصحيح أولا هو إعادة الوحدة ضمن برنامج سياسي تنظمي كفاحي أولا، لأن النوايا الطيبة وحدها للجهاد أو غيرها لا تكفي لتقرير مسار استراتيجي بمعزل عن المجموع الفلسطيني وتحمل تبعات الشعار.
هذا في الجانب الفلسطيني وإذا ما وسعنا قوس دائرة شعار وحدة الساحات بالمعني الإقليمي التي روجت له وسائل إعلام محسوبة على تلك القوى، فإن ذلك يفترض أن تقرره الأطراف الفلسطينية والإقليمية مجتمعة، وأن يكون هناك استعدادا متبادلا لإشعال الساحات الأخرى ،إذا ما تعرضت ساحة ما لعدوان من أي جهة، فهل الجميع على استعداد لذلك ومتى حدث ذلك وكيف؟!
الخلط بين الخاص والعام
نقول ذلك لأن شرط الكفاح الفلسطيني بتعقيداته يختلف عن شرط مصالح الدول الإقليمية، من ذلك أن شرط الكفاح في فلسطين له محدداته وأهدافه التي هي بالمعنى السياسي المرحلي والاستراتيجي تتمثل في التحرير والعودة، وهو شرط يلعب سلوك الاحتلال وممارساته دورا مهما فيه، فعلى ضوء شلوك كيان الاحتلال، تجري فلسطينيا ترجمة أشكال الكفاح المختلفة، وأيا منها سيكون هو المظهر العام، ومن ثم من غير المنطقي إلا أن يكون الشرط الفلسطيني هو العامل المقرر فلسطينيا، وليس البعد الإقليمي مهما كان، لأن قضية التحرير بشروطها الفلسطينية هي البوصلة والناظم.
إن الاستعجال والنزوع للعب دور قيادي مواز لحماس جعل حركة الجهاد تخلط بين الشعار في شموله كشعار فلسطيني شامل للجميع دون استثناء وهو ما تنفيه المعطيات، وبين شعار خاص بساحات الجهاد وهو حق لها، وهي ساحات في الضفة الغربية، وليست في دمشق أو طهران أو بيروت،، وقد تأكد ذك من خلال طلبات الجهاد من الوسط المصري، بأن اختزل الشعار في تحرير أعضاء الحركة ، مع التقدير العالي لهؤلاء المناضلين، إلا أن رسم سياسة كفاحية لتحرير وطن من الطبيعي أن تتجاوز الأشخاص، ولذلك كان شعار وحدة ساحات الجهاد هو شعار خاص وليس شعارا وطنيا جامعا.