مكاسب إسرائيل وخسائر العرب.. “صفقة التطبيع” ستفتح الباب أمام تل أبيب لتقديم نفسها كضابط لتوازن القوى بالخليج
وافقت إسرائيل والإمارات على بدء التطبيع بموجب اتفاق توصلتا إليه بوساطة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي اعتبره بأنه “اختراق” ويمثل طفرة في العلاقات مع إسرائيل بالمنطقة. وهذه هي الاتفاقية الثالثة من نوعها التي تُوقِّعها إسرائيل مع دولة عربية، والأولى مع مملكة خليجية. وفي مقابل التطبيع، وافقت إسرائيل على “تعليق” مخطط ضم مستوطناتها في الضفة الغربية المحتلة الذي كان من المقرر تنفيذه في البداية خلال هذا الصيف، ومع ذلك تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بتنفيذ الضم مستقبلاً.
وعلى الرغم من ارتباط البلدين بعلاقات سرية خلال السنوات الأخيرة، أُعلِن عن الاتفاقية المفاجئة للمرة الأولى في المكتب البيضاوي لترامب، الذي أجرى مكالمة ثلاثية مع نتانياهو وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، الحاكم الفعلي للإمارات.
ووصف نتنياهو بابتهاج، خلال حديث في مؤتمر صحفي، بأنها “أمسية تاريخية تبشر بحقبة جديدة في علاقات إسرائيل مع العالم العربي”. وقارن بين الإمارات وإسرائيل مقارنة إيجابية، قائلاً “إنَّ كلتا الدولتين قوى عالمية متنامية استطاعت تحويل الصحراء إلى أرضٍ مزهرة”، حسب تعبيره.
اتفاق دون أي التزامات من إسرائيل، بل مكاسب
وفي نقلة نوعية من صيغة “الأرض مقابل السلام” القديمة التي اقتضت عقوداً من جهود السلام في الشرق الأوسط، وصف نتنياهو الصفقة الجديدة بأنها “السلام مقابل السلام، والسلام من خلال القوة. هنا أيضاً حققنا إنجازاً”.
من جانبه، كان محمد بن زايد أقل اندفاعاً في حماسه كما تقول مجلة Foreign Policy الأمريكية، واختار تسليط الضوء على الثمن الذي دفعته إسرائيل. إذ قال في تغريدة: “توصلت إسرائيل والإمارات إلى اتفاق لوقف المزيد من الضم الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. واتفقت الإمارات وإسرائيل أيضاً على التعاون ووضع خارطة طريق نحو إقامة علاقة ثنائية”.
بيد أنَّ حقيقة عدم اشتراط الاتفاق أية التزامات من إسرائيل تجاه الجبهة الفلسطينية يعكس تغيراً كبيراً في العالم العربي، أو على الأقل في أجزاء منه.
وكان المسؤولون الإماراتيون قد أعربوا عن قلقهم بشأن تداعيات المضي قدماً في تنفيذ مخطط ضم من هذا القبيل، ووصفها وزير الخارجية بـ”القنبلة الموقوتة” التي نجحوا في نزع فتيلها. وكان السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، قد اتخذ خطوة غير مسبوقة، في وقت سابق من هذا الصيف، بنشر مقال رأي باللغة العبرية في الصفحة الأولى من صحيفة إسرائيلية يومية واسعة الانتشار، وألمح فيه إلى المقايضة التي أُعلِنَت يوم الخميس، 13 أغسطس/آب.
وكتب العتيبة: “مارسنا الدبلوماسية الهادئة وأرسلنا إشارات عامة جداً للمساعدة في تغيير الديناميات وتعزيز الممكن”. وأضاف أنَّ الضم الإسرائيلي “سيزعزع بالتأكيد وعلى الفور التطلعات الإسرائيلية لتحسين العلاقات الأمنية والاقتصادية والثقافية مع العالم العربي ومع الإمارات العربية المتحدة”. لكن نتنياهو بدد لجمهوره أي مخاوف حول التراجع عن الضم بعد هذا الاتفاق، مشيراً إلى أنَّ ترامب هو الذي طلب “وقفاً مؤقتاً” للضم. ومع تزايد احتمالية حدوث انتخابات إسرائيلية أخرى وتراجع تأييد نتنياهو في استطلاعات الرأي، فإنَّ الوصول لاتفاق سلام مع دولة عربية مجاورة دون أي ثمن مقابل، يعد إنجازاً مهماً لرئيس الوزراء الحالي، كما أن هناك مكاسب أخرى استراتيجية ستحققها تل أبيب من هذا الاتفاق.
الإمارات مجرد بداية، والخطوة القادمة: إسرائيل ستبرز نفسها “كصانع سلامٍ” بين دول الخليج
وتعمل الإمارات ودول الخليج الأخرى المتخاصمة، على تعزيز العلاقات مع إسرائيل منذ سنوات؛ بزعم أن ذلك يرجع إلى “التهديدات المشتركة التي تفرضها إيران ووكلاؤها الإقليميون، والجماعات الإرهابية”. وأصبح التعاون الأمني والاستخباراتي أمراً شائعاً، وشهد بيع الشركات الإسرائيلية لدول الخليج أسلحة إلكترونية متطورة، حتى إنَّ السياسيين والرياضيين الإسرائيليين يزورون دول الخليج منذ سنوات.
ويقول دوري غولد، دبلوماسي إسرائيلي كبير سابق ورئيس مركز Jerusalem Center for Public Affairs، لمجلة Foreign Policy: “كنا نتقدم ببطء نحو علاقات أفضل مع الخليج، ويعود الفضل أيضاً إلى إدارة ترامب لمساهمتها في تطوير علاقات وثيقة للغاية من جانبها مع معظم دول الخليج أيضاً”.
واستفاد الإسرائيليون بشكل كبير من الأزمة الخليجية منذ 3 سنوات ويتطلعون إلى توظيفها في تطبيع العلاقات بشكل أوسع من هذه الدول. تقول مجلة Foreign policy الأمريكية، قد يفترض مراقبون أن التدخل الإسرائيلي في الانقسام الخليجي الذي وقع بعد حصار قطر في 5 يونيو 2017 لم يكن مرحباً به، لكن الواقع يشي بغير ذلك، فالدول الأربع التي حاصرت قطر هي التي أقحمت إسرائيل في نزاعها العربي – العربي من خلال التركيز على نحو حصري تقريباً على الارتباط بين قطر وحماس كحجةٍ أساسيةٍ لطلب دعم ترامب لحصار الدوحة. بدورها، استجابت إسرائيل لذلك عبر تطوير علاقاتها لكي تصبح شريكاً مقبولاً في تلك القضية لكل من الإمارات وقطر وعمان، في الوقت نفسه، بسبب نفوذها في واشنطن وقدرتها على الحفاظ على ميزان القوى في الخليج.
وبهذه الديناميكيات، مهدت واشنطن الطريق إلى مشاركة “مثمرة” بالنسبة إليها في منطقة الخليج، وبالتحديد من خلال إطلاق “التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط” (ميسا) MESA الذي طال انتظاره، وهي مبادرة لإدارة ترامب لم تؤت ثماراً بعد. أُعلن عن التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط رسمياً في مايو/أيار 2017، وكان من المقرر أن يضم دول مجلس التعاون الخليجي الست، البحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات، إلى جانب مصر والأردن. وبالنظر إلى دور إسرائيل الآخذ في التشعب في شؤون الخليج، ترى واشنطن أنه “سيكون من المفيد منحها وضع المراقب في هذا التحالف”.
ومن المؤكد أن مشاركة إسرائيل العلنية في تحالف استراتيجي مدعوم أمريكياً في الشرق الأوسط ستكون مثيرة للجدل، لكنها ستبرز فرصة للتعاون الأمني الإسرائيلي العربي لحفظ التوازن في الخصومات الخليجية والإقليمية، تكون فيها إسرائيل أشبه بمراقب على هذه الدول.
وباستدعاء حالة انعدام الثقة الشديد بين شركاء واشنطن في دول مجلس التعاون الخليجي، سيتبين لنا أن الهدف الاستراتيجي للتحالف الذي تخطط له واشنطن سيكون، “لأسباب عملية وجيهة، هو الحفاظ على السلام في شبه الجزيرة العربية”، وبينما تمضي دول الخليج وإسرائيل قدماً بالفعل في خطوات التقارب، فإن هذا التقارب بالنسبة للأمريكيين لا يدفعه في المقام الأول الخوفُ من إيران، بل التنافس بين دول مجلس التعاون الخليجي، وفي هذا الصدد، تحاول إسرائيل إظهار أنها تستطيع المساعدة في الحفاظ على توازن القوى داخل منطقة الخليج. ففي خضم هذه العملية، حولت إسرائيل نفسها إلى “شريك استراتيجي” موثوق لكل من الإمارات وقطر وعمان. وهذا هو الأمر الذي يدفع الأمريكيين للضغط على دول الخليج لـ”مضاعفة الرهان عليه”، ولذلك، لن تكون الإمارات سوى بداية لقاطرة من دول خليجية وعربية أخرى في تطبيع علاقاتها مع إسرائيل.